الثبات على المبادي من أهم أخلاق الدعاة إلى الله، وهو الخلق الذي يحدو بقلوب المدعوين إلى اتباعهم وسلوك سبيلهم واتباع طريقهم.. ومعناه أن يلتزم الداعية بالمبادئ التي يدعو إليها ، فلا ينبغي أن يخالف الناس إلى ما ينهاهم عنه في قليل أو في كثير ، بل يجب أن يكون أكثر الناس التزامـًا بدعوته، وثباتا عند الفتن والملمات ، وعند مواطن الابتلاءات.
فمثلاً لا يجوز أن يأمر أتباعه باتباع السنة والتمسك بها ثم يجدونه مفرطـًا في بعض السنن، وإن ظنها هو بسيطة ، كذلك لا ينبغي أن يأمرهم بالصدق ثم يسمعونه يكذب ولو مازحـًا ، أو يأمرهم بالأمانة ويخون ولو مرة ، وينهاهم عن أخذ جوائز السلطان ثم يقبلها ، كما يلزمه أن يكون مثالا في الصبر والتحمل من أجل دعوته ، فإذا كان خوّارا هيابا عند طروء المحنة ووقت الشدة والفتنة، فهذا يقدح في شخصه وفي دعوته .
size=3>وإنما تظهر حقيقة الثبات عند أمرين :
size=3>1- طروء المغريات من مال ومنصب وجاه .
2- أو عند مقابلة المحن والابتلاءات .
فالمغريات أكثر ما يرد الدعاة عن وجهتهم ويثنيهم عن مبادئهم ، خصوصـًا إذا لاح من وراء ذلك مصلحة ومنفعة للدعوة .
ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما رواه أهل التاريخ أن قتيبة بن مسلم دخل سمرقند دون أن ينذر أهلها ، فعلم أهل سمرقند أن الإسلام يخير أهل البلدة قبل دخولها بين الإسلام أو الجزية أو الحرب ، فأرسلوا إلى عمر بن عبد العزيز ، فبعث عمر يحيل الأمر إلى جندي من الجيش اسمه “جُميع الباجي” فصار قاضيـًا بين قادة الجيش بما فيهم قتيبة بن مسلم وبين أهل سمرقند ، وبعد سماع الفريقين أمر “جُميعٌ” القاضي ” قتيبةَ بن مسلم قائد الجيش” أن يخرج بجيشه من البلد ، وينذر أهلها ، فإن أجابوا وإلا استأنف حربهم.
وبالفعل أمر قتيبة جيشه بالخروج من البلدة بعد فتحها ، وعندما بدأ الجيش الخروج ، أسلم أهل سمرقند ، أو أكثرهم .
وانظر لو حدث هذا لغير المسلمين ، أو حتى لمسلمي هذا الزمان ، ثم قارن لتعرف كيف يكون الثبات على المبدأ .
ويظهر الثبات على المبادئ بصورة أوضح عند مواجهة الابتلاءات ، خاصة إذا كان ثمن الصبر هو حياة الداعية نفسه .
– ومما يروى عن عبد الله بن حذافة السَهمي – رضي الله عنه – أنه لما أسروه جوعوه أيامـًا ثم أحضروا له طعامـًا فيه لحم خنزير ، وخمرًا بدل الماء ، فأبى أن يأكل وأشرف على الموت ، فأحضروه وسألوه فقال: والله لقد كان لي في أكلها رخصة ولكن أردت ألا أشمتكم في الإسلام ” .
– ولما سئل بلال بن رباح – رضي الله عنه – : لماذا كنت تقول أحدٌ أحد ؟ قال : والله لو علمت كلمة أغيظ لهم منها لقلتها .
– وبلغ المعز العبيدي حاكم مصر الباطني كلام عن الإمام أبي بكر النابلسي فأحضره المعز وقال له : بلغنا انك تقل لو أن عندك عشرة أسهم لوجهت تسعة منها للكفار وواحدا إلينا . قال الشيخ ما قلت هكذا .. ولكن قلت : لو أن عندي عشرة سهام لوجهت بواحد إلى الكافرين وتسعة إليكم (أي الرافضة) .، فأمر المعز جزارا يهوديا بسلخه حيا ، فما زال يسلخه والشيخ يقرأ القرآن حتى بلغ قلبه فأشفق اليهودي عليه فطعنه في قلبه فقتله .
بهذا تنتصر الدعواتsize=3>
بهذا الوضوح ـ أيها الدعاة ـ تنتصر الدعوات .. بوضوح أحمد بن حنبل يوم المحنة ، وبوضوح سيد قطب حين قيل له: لو قدمت استرحامـًا ؟ قال : إن أصبع السبابة التي شهدت لله بالوحدانية لترفض أن تكتب حرفـًا واحدًا تقر فيه حكم الطاغية!!.. لماذا أسترحم ؟ إن كنت محكومـًا بحق فأنا أرتضي حكم الحق ، وإن كنت محكومـًا بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل .
بمثل هذه النماذج تتأثر الجماهير ، وتتبع الأجيال ، ويقلد الشباب .
بمثل هذه النماذج تنتصر الدعوات ، بالدماء التي تراق ، وبالأرواح التي تزهق ، وبالأشلاء التي تتناثر ، لا باللف والدوران والمخادعة الجاهلية والنفاق والتقية ، وعدم معرفة الباطن من الظاهر ، والتلون بتلون الحرباء ، فهذا لا يقيم دعوة ولا ينصر دينـًا .
{يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحونsize=3> }(آل عمران :200)size=3>size=3>