كلما كنت قديما أقرأ أو أسمع أنه في عام 1992م سـتـكـون الـسوق الأوربية المشتركة مفتوحة الحدود، مشرعة الأبواب لمواطنيها في التنقل والتجارة، ودون أية قيود، وأنهم يستعدون لهذه النقلة، كلما كنت أسمع ذلك ، ثم أسمع أن القوم بعد ذلك يعدون للعملة الأوروبية المشتركة ( اليورو) ، كان يتملكني الأسى والغضب ، ثم بعد أن رأيت القوم قد حققوا لأنفسهم ما كانوا يخططون له ، ازددت أسى وألما وغما وكمدًا ، كيف يجتمـع هـؤلاء الـناس ويـتـعاونون على مــا بينهم من اختلاف في اللغة، وعلى ما بينهم من إحن قديمة، وعلى ما بـيـنـهم من تعصب إقليمي عرقي؟!! وكيف لا يجتمع المسلمون ـ والدعاة منهم بشكل أخـص ـ وبـيـن أيـديـهـم كـل العوامل التي تحتم الاتحاد والتعاون والتناصر.
لا شك أن الذي يدفع بالغربيين إلى اتخاذ هذه الخطوات الـتعـاونـيـة هو نظرتهم للعواقب والتفكر بالنتائج التي تتمخض عن هذا التعاون وأنه يحقق لهم مصالح كثيرة، فهي سياسة دنيوية تقوم على استخدام العقل وتبعد العواطف والغرائز جـانـبًا، ولا شك أن الذي يمنع المسلمين من التعاون والتفاهم هو ضعف النظر في العواقب وعدم الانتباه لما يحيط بالمسلمين من أخطار، وما يتربص بهم من شرور، وتحكيم العواطف والنظرة الضيقة، والنظر للمصالح الآنيّة والفردية، وليس الذي ينقصهم غيرة دينية أو نقص في الحـمـاسـة لـنصرة الإسلام، وإنما هو التخلف الحضاري الذي جعلهم لا يفكرون تفكيرًا هادئًا متزنًا مستـبصـرًا، بل لا يستحثهم هذا الضعف الذي ابتلوا به فأصبحوا طعمة لـكـل طـامـع ونهـبة لكل ناهب، لا يستحثهم على الاتحاد أو التعاون على الأقل.
إن بعض الغربيين يستغربون جدًا أن تتكلم الشعوب الـعـربية لغة واحدة، ويفهم كل منهم عن الآخر ، ومع ذلك يكون بينهم هذا التفرق والتناحر، وكأن كل قطر قارة منعزلة، وكثيرًا ما يسألون: هل يستطيع المصري التفاهم مع المغربي أو الـعـراقي مـع الـيـمـنـي، لأنهم لا يتصـورون أن كـل هذه الأقـاليم التي تتكلم بلغة واحدة تكاد لا تتفق عـلى شـيء إلا على التفرق والتناحر.
أتقام تكتلات كبيرة لأعداء الإسلام، ونحن نمارس هواية التشرذم والتفرق ونكثر من عدد اللافتات والعناوين.
أيقيم أعداء الإسلام دولاً طـويـلـة عـريضـة على أفكـار وكـتـب من اختراع بشر بل هي من حثالة أفكار البشر، وكتاب الله بين أيدينا، وتفسيره بين ظهرانينا، وهو حبل الله المتين، وهو العروة الوثقى لا انفصام لها، ويبقى المسلمون على حالهم المزرية هذه؟!
ألا يحق لنا أن نطمع بمطلب متواضع من العاملين في حقل الـدعـوة الإسلامية وهو التفكر بما يدور حولهم، وكيف يتكالب أعداء الإسلام تكالبًا شديدًا، ولا ينـفـكون لحظة واحدة عن التخطيط والتدبير، وتقليب الأمور، حتى يتسنى لهم دوام السـيطـرة والهـيمـنة على الأمم المغلوبة على أمرها.
إن رؤية الحقيقة خير من التمادي في المراوغة والقول بأن كل شيء يسير على أحـسـن مـا يكون، والتبصر في العيوب وإبرازها في شجاعة، ومعالجتها وإن كان الدواء مؤلمًا، أفضل من الإمعان في التغافل، والبقاء في دائرة التراشق بالتهم والتهم المضادة.
…………………
مجلة البيان