الإعلام الإسلامي بين الواقع و الطموح
” فقد ابتدأ الزميل أحمد زيدان محاضرته بتوضيح هام لما يعنيه مفهوم الإعلام فقال: ” بداية و جرياً على سنة علماء السلف لا بد من وضع تحديد للإعلام الإسلامي حتى يمكن أن ننطلق من هذا الأساس للحكم على واقع الإعلام الإسلامي و الطموح الذي ينزع إليه الكثير منا لأن يبلغه .
الإعلام لغة و اصطلاحاً :
الإعلام لغة : مصدر لفعل أعلم الرباعي و هو من العلم الذي يعني إدراك الشيء على حقيقته ، و ذلك ما يعني صراحة قوة الصلة بين العلم و الدلالة على إرادة البلاغ .
و الإعلام الإسلامي مثله مثل العلوم الاجتماعية الأخرى ، والتي يدخل منهجها ضمن مناهج العلوم الاجتماعية التي أسّس و رسخ لها علماء الإسلام قديماً و حديثاً ، و رحم الله الشيخ ” محمود أحمد شاكر ” الذي فصّل قضية المنهج في كتابه القيّم ” رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ” حين قال :” فهذا الذي يسمى منهجاً ينقسم إلى شطرين : شطر في تناول المادة و شطر في معالجة التطبيق .
فشطر المادة يتطلب قبل كل شيء ، جمعها من مظانّها على وجه الاستيعاب المتيسر ، ثم تصنيف هذا المجموع ، ثم تمحيص مفرداته تمحيصاً دقيقاً ، و ذلك بتحليل أجزائها بدقة متناهية ، و بمهارة و حِذق و حذر ، حتى يتيسر للدارس أن يرى ما هو زيف جلياً واضحاً ، و ما هو صحيح مستبيناً ظاهراً ، بلا غفلة و بلا هوى و بلا تسرع . أما شطر التطبيق فيقتضي ترتيب المادة بعد نفي زيفها و تمحيص جيّدها باستيعاب أيضاً لكل احتمال للخطأ أو الهوى أو التسرع ” .
و في الواقع فإن أي بحث لموضوع اجتماعي ـ و الإعلام جزءً منه ـ لا يخرج عن هذه القاعدة التي أبان عنها الشيخ شاكر مع أن علماء الإسلام التزموا بها في أبحاثهم و دراساتهم .
وبداية يحسن بنا أن ننقل رسالة عبد الحميد الكاتب الذي (عاش في العصر الأموي ويعد « أبا الإنشاء العربي ») التي كان عنوانها « إلى الكّتاب » ، وقال فيها : حفظكم الله يا أهل صناعة الكتابة، وحاطكم ( أحاطكم ) ووفقكم وأرشدكم . فان الله عز وجل جعل الناس بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين ، وبعد الملوك المكرمين أصنافاً، وإن كانوا في الحقيقة سواء . . فجعلكم معشر الكتاب في أشرف الجهات ، أهل الأدب والمروءة والعلم والرواية . . الخ ، فلقد قال الكاتب هذا و هو يدرك أن الكتّاب هم ذاكرة هذه الأمة و كل أمة ، و مكوني عقولها و وعيها .
حالما يُطرق موضوع الإعلام الإسلامي يخيل إلى الكثيرين منّا أن القيود بدأت تُفرض على الفكر و الثقافة و الرأي ، و أن الجلاد واقف على رؤوسنا لينال من كل من يظن أنه يخالف قواعد الإسلام و خطوطه الحمراء و ربما الصفراء منها ، و لا أخفي أن ذلك صنعه الحاقدون على الإعلام الإسلامي ، و ربما بعض المسلمين بنيّة صالحة ، أما الحقيقة فهي : أن الإعلام الإسلامي في جوهره مرتبط بإنسانية الإسلام الخالدة ، و هو ما يعكس أهمية ما ذكرته في المقدمة على أن الإعلام الإسلامي هو جزء لا يتجزأ من العلوم الإنسانية و الاجتماعية الأخرى ، و ذلك كي لا يظهر بأنه وليد على هذه الأمة ، و دخيل عليها ، فهو مرادف في سنة النبي محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ للدعوة و التي هي صنو الإعلام ، و لذا فإن دارس سنة و سيرة هذا النبي العظيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ يرى مئات و ربما آلاف الشواهد على أن أحاديثه لم تقتصر على الدعوة الدينية فحسب ، و إنما لجأ إلى الإخبار عما جرى للأمم الماضية ، و أنبأنا القرآن إلى جانب الأحاديث النبوية بما سيجري مستقبلاً في جوانب مختلفة من الحياة .
و هذا كله دليل واضح وبينة نيرة على إنسانية الدعوة التي نستعيض عنها بكلمة ” الإعلام ” .
وإن الخلود لهذا الدين هو أن ننتج نماذج متميزة تجسد حقيقة هذا الدين في كل مناحي الحياة ، و هو سر إقبال الأجانب غير المسلمين عليه ، و لغز تمسك المسلمين به بعد أن أدركوا جميعاً أن الإعجاز العلمي و اللغوي و الإعلامي الذي يختزنه هذا الدين بحر عميق لا شاطئ له .
و لعل من الخيرية و الشهودية لهذه الأمة هو أنها استوعبت تاريخ البشرية و استقرأت مسيرة النبوة و مجاهدة الأنبياء منذ بدء الخلق ” قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ” ، و قال سبحانه :” و الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً و جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة لعلكم تشكرون ” ، بل امتد ذلك من عالم الشهادة إلى عالم الغيب فقال تعالى : ” ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ، إن الله على كل شيء قدير ” .
” ومن خلال الدور الكبير الذي يؤديه الإعلام في الحياة البشرية فقد تطرق زيدان موضحاً أهمية الإعلام من خلال نفوذه ، فقال ” :
و لا بأس أن أتطرق إلى مسألة ربما تكون من البديهيات لدى البعض ، لكن يجدر التأكيد عليها و التطرق لها و هي : أهمية الإعلام ، فالحرب بمفهومها العام حربان : حرب على الجسد ، و هي حرب الصواريخ و القذائف المعروفة ، و حرب على الفكر ، وهي الحرب الإعلامية ، أو حرب العقول ، و التي عادة ما تسبق أي حرب حقيقية ، و إن كان هناك غذاءان للإنسان : أولهما غذاء الجسم و هو الطعام ، وثانيهما بكل تأكيد هو غذاء الروح ، و هو الإعلام دون منازع ، و همنا في هذه الكلمات الحديث عن الطرف الثاني من المعادلة و هو : الإعلام ، و كما قال والي خراسان الأموي نصر بن سيار :” الحرب أولها كلام ” .
و حتى أنه نقل عن أحد الحكماء قديماً قوله :” أرني إعلام أي بلد أقل لك ما هو هذا البلد ” ، فالإعلام كما هو معروف انعكاس لحال شعب و أمة و بلد ، بعد أن نقل لنا الزمان و المكان إلى غرفة صغيرة لا تتعدى الأمتار المحدودة ، و جعل من هذا الكون الفسيح قرية و غرفة صغيرة ، و فتح المستور من العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية ، فخبر صغير عن بورصة في ” هونغ كونغ ” ربما يؤثر سلباً أو إيجاباً على الأوضاع في المنطقة العربية و غيرها .
و الحديث عن الإعلام يمس وبشكل مباشر الأجيال التي ستخرج من رحمه ، لتشكل المستقبل الذي هو حاضرنا نحن ومستقبل أجيالنا و أبنائنا .
و حتى نحدد و نقيم إعلاماً ما بأنه ناجح فلا شك أن ثمة شروط لذلك على رأسها ملامسته لهموم أمته و بلده ، و ترسيخه لهويتها و قيمها و إلاّ لضاعت في مهب الريح .
و في هذه اللمسات أود أن أقسم الموضوع إلى شطرين ، الأول هو : عناصر الإعلام بشكل عام و مدى نجاح إسقاطاتها على واقع الإعلام الإسلامي و إمكانية تطويره إلى درجة الطموح .
” ثم تطرق الزميل أحمد إلى العناصر والأركان التي يرتكز عليها الإعلام مضيفاً عنصراً جديداً وهاماً لهذه الأركان ، فقال ” :
أما الشطر الثاني فهو : شروط الإعلام الإسلامي الناجح كما جاءت في القرآن و السنة النبوية المطهرة حسب فهمي ، و مدى التزام الإعلام الإسلامي بها .
عناصر الإعلام :
أعود إلى الشطر الأول الذي ذكرته و هو : عناصر الإعلام المعروف بالتقسيم التقليدي و هو المرسل و المستقبل و الرسالة ، و ربما أضيف إليها هنا الوسيلة .
1 ـ المرسل :
و هو هنا : المؤسسة الإعلامية ، أو الصحافي ، أو الإعلامي بشكل عام كونه يشمل مشتغلي الصحافة و الإذاعة و التلفزيون ن فلا بد أن تتوافر فيهما عناصر مهمة لتوصيل و تبليغ الرسالة الإعلامية ، لكن للأسف لا نجد ذلك الصحافي المشتغل في الإعلام الإسلامي ممن يقتحم الملمات ليحقق السبق الذي تطمح إليه كل وسيلة إعلامية فارضة بذلك نفسها على الواقع الإعلامي ، و لا نريد بذلك أن نحمل الإعلامي وحده المسئولية ، فهي مشتركة بينه و بين المؤسسة الإعلامية التي يعمل لها ، فالأخيرة إنما رضيت بإعلاميين ليسوا على تلك الكفاءة طمعاً في راتب منخفض ، و ممّا يفاقم عمل الصحافي المسلم قلة ذات اليد التي لا تسمح له بالتنقل و الوصول إلى مصادر الخبر و إقامة شبكة علاقات اجتماعية تكلف مالاً و وقتاً ، و على هذا فالمسئولة مشتركة .
إذ أن المال هو عصب الحياة و بدونه لا يمكن التحرك خاصة لمهنة وصفت بأنها السلطة الرابعة أو السلطة الأولى كما قيل كونها هي التي تصنع السلطات الثلاث الأخرى ، وبالتالي فمشتغلوا هذه المهنة تُفرض عليهم نفقات و حياة معينة يصعب على الإعلامي الإسلامي الذي يتلقى رواتب لا تسد نفقات حياته الاجتماعية أن يخترقها .
و ينبغي الاعتراف بأن الإعلامي الإسلامي يفتقد إلى مسألة الاحترافية و التي تعني أنه خريج من كليات الإعلام ، و إن كان هناك كثير من المتميزين الإعلاميين وصلوا إلى درجة النجومية دون دراسة أكاديمية ، لكن هذا لم يمنع من دخولهم في دورات متطورة لدى مؤسساتهم الإعلامية ، أو اكتسبوا من خبراتها و هو ما يفتقده الإعلام الإسلامي في مؤسساته .
فالمؤسسات الإسلامية الإعلامية لا تلتفت إلى ترقية و تطوير عمل مراسليها و موظفيها و تبخل عليهم في إقامة دورات تدريبية ، و هو ما يدفع الكثير من الصحافيين الإسلاميين المتميزين التوجه إلى قنوات لامعة بعد أن قضوا جزءاً من حياتهم و هم يشتغلون في مؤسسات إعلامية إسلامية ، و حالما لاحت لهم الفرصة تخلوا عن هذه المؤسسات الرتيبة التي لا ترقي من مستواها ، فضلاً أن تساعدهم على الوصول إلى عالم النجومية و بث أفكارهم و مبادئهم إلى شريحة شعبية أوسع .
و هنا تكمن بنظري إشكالية مهمة تتلخص في عدم خروج الإعلام الإسلامي من دائرة تقبل الزكواة و الصدقات و التبرعات إلى دائرة جذب الإعلانات و هو لا يتأتى إلاّ بعد أن يتأكد التاجر و رجل الأعمال بأن المستقبل يثق بهذه الوسيلة الإعلامية و يمحضها احتراماً و تقديراً ، و هو باعتقادي ما له صلة و علاقة بعنصري الرسالة و المستقبل و سآتي على ذكرهما .
2- الرسالة :
هنا يجدر الحديث عن المأزق الذي يعانيه الإعلام الإسلامي المتمثل في مضمون الرسالة ، إذ ما يزال أسير أسلوب الدعوة الدينية على طريقة الوعظ و الإرشاد بعيداً عن ملامسة هموم الناس في مناحي حياتهم المختلفة ، وهو ما يدفع البعض إلى الانصراف إلى وسائل إعلامية أخرى ، خاصة و أن أسلوب الوعظ و الخطب ما يزال هو الغالب على الرسالة في الإعلام الإسلامي ، و هو الذي يدفع حتى الإسلاميين إلى اللجوء للصحف الأخرى كونها تسد جوعهم الإخباري و التحليلي ، فالإعلام الإسلامي للأسف لم يطور نفسه و لا حتى آلياته ، كما لم يواكب التغيير الهائل الذي حصل في أسلوب الرسالة الإعلامية ، و بالتالي لبث رهينة عقود مضت من الوعظ و التحذير والترهيب والترغيب على غرار خطب الجمعة ، و هو ليس انتقاصاً منها ـ حاشا لله ـ و لكن لكل موطن أسلوبه و طريقته .
للأسف لا توجد تلك المصداقية المتوخاة للإعلام الإسلامي الذي يعتمد هذه الأيام على صحف و مجلات ربما لم يتغير منها سوى التاريخ ، و ذلك منذ ظهورها و حتى الآن ، و هو ما ترتب عليه فقدان الجمهور لثقته بهذا الإعلام ، ما دام عاجزاً عن تحقيق السبق و الغوص في التحليل المعمق مع الجرأة في الطرح .
و حين أتحدث عن الأسلوب لا أقصد التغيير في جوهر وغاية الرسالة الإعلامية ، فقبل أيام نجح حزب العمال البريطاني بزعامة ” طوني بلير ” في الانتخابات و تحدث الجميع عن الدور الخفي الذي لعبته وسائل الإعلام في فوز بلير من خلال المانشيتات الرئيسية التي عنونت بها صدر الصفحات الأولى ، و التي بدورها أقنعت الرأي العام البريطاني بعودة بلير و منفعته للمصلحة البريطانية ، و هو درس يمكن أن تستفيد منه وسائل الإعلام الإسلامية على أهمية الرسائل غير المباشرة ، و بعيداً عن الخطاب المباشر الممقوت شعبياً و جماهيرياً .
فالإعلام يلعب دوراً مهماً و لافتاً في تغيير العقلية و التفكير ، و لذا نرى تركيز المحطات العالمية على مقتل فتاة أو شاب يهودي ، بينما يدفع بقتل العشرات من الفلسطينيين إلى الدرجة الثانية أو الثالثة في التغطية الإخبارية ، و تسعى بعض وسائل الإعلام إلى تكرار مصطلحات مغرضة لا تتسق مع واقعنا ، و لا منظومتنا الفكرية و العقدية ، مثل إدخال مصطلحات مشوهة نحو : ” إسرائيل ” ، و” العنف ” ، و” وقف إطلاق النار ” ، وغيرها ، بينما نرى الإعلام الإسلامي بعيد كل البعد عن القدرة على صناعة الحدث و المصطلح فضلاً عن صناعة الرأي العام ، و كل ذلك يعود إلى ما ذكرناه مشتتاً من ضعف الوسيلة الإعلامية من ناحيتي الطاقم و القدرة المالية فضلاً عن عدم الاستعداد إلى التطوير و إسناد الأمر إلى أهله و خبرائه المختصين .
3- المستقبل :
و المقصود به هنا الجمهور أو القارئ الذي هو رأسمال الوسيلة الإعلامية ، فالإعلام الإسلامي حدد منذ اللحظة الأولى مستقبليه أو قرائه و حصرهم بالإسلاميين ، و بالتالي فهو ما زاد و لا وسع من دائرة أنصاره و مؤيديه ، حتى أنه ليس لديه تلك النية في التوسيع ، فحرم دائرة واسعة من الدعوة التي يسعى إلى تبليغها ، و باعتقادي فإن الدعوة الإعلامية الحقيقية هي الدعوة غير المباشرة بشكل لا يستفز القارئ أو المشاهد خصوصاً ، و أن الأخير ذكي و ينفر من كل ما هو مباشر في فرض وصاية عليه ، فأن تبلغ القارئ منذ اللحظة الأولى ماذا تريد ستدفعه إلى البحث عن بديل آخر ، و سيتهيب من كل كلمة تقولها له ، و يحسبها على أنها مؤدلجة و تهدف إلى خدمة تنظيم فلان أو غيره ، أو مؤسسة ما .
وهنا لا بد أن يخرج الإعلام الإسلامي من هذه الشرنقة التي عانى منها و ما يزال ، والحل بنظري هو إسناد مهمة الإعلامي الإسلام إلى أشخاص مؤهلين بعيداً عن الخطاب المؤدلج ، و إن كان ذلك لا يمنع من قول الحقيقة و الدعوة إلى الدين الخالد بطريقة ذكية تتواءم مع متطلبات العصر في الإبلاغ و التبليغ ، و تفي بالغرض لا أن تنفر الناس .
و هنا أضيف عنصراً أخراً ليس موجوداً في التقسيمات التقليدية لعناصر الإعلام و هو:
4 – الوسيلة :
و التي هنا تتراوح بين الصحيفة و الإذاعة و التلفزيون ، فالعالم كله ينتظر اليوم ما تقوله الفضائيات ، بعد أن تراجع دور الصحف و المجلات ، و للأسف فقد غاب الإعلام الإسلامي بشكل شبه كامل و لا أريد أن أقول كاملاً عن ساحة التلفاز الذي هو الآن الوسيلة الأولى و ربما الأخيرة التي تشكل عقول أبنائنا و بناتنا ، في زمن العصر السريع الإيقاع في كل شيء .
” وبعد هذا الإسهاب والعرض المفصل عرج الزميل أحمد موفق إلى شروط الإعلام الإسلامي الناجح التي تعتبر أساس الجهد الإعلامي المثمر والإيجابي ، فيقول ” :
شروط الإعلام الإسلامي الناجح :
أن تكون متميزاً ، ي صفة مصاحبة لهذا الدين العظيم ، هذا يعني أن تكون مواكباً لتطورات العصر و ملاحقاً لمستجداته ، مستوعباً لدروسه ، و تعيش الواقع ساعة بساعة ، بل ثانية بثانية في عالم السرعة و الإنترنت ، و هذا يعني أن تكون كالجندي في ساحة المعركة شاكياً السلاح و مستعداً لخوض أي معركة إعلامية ، و هذا لا يتأتى إلاّ بشروط و مسببات على رأسها :
1. السبق الصحافي : الرائد لا يكذب أهله ، وهي قاعدة إسلامية وضعها رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة و السلام ، و السبق الصحافي هو نتاج لعملية معقدة من العلاقات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و القراءة المستديمة و الاتصالات السريعة ، و هنا يثبت الصحافي المسلم قدراته و يعلو اسمه في عالم الصحافة التي بإمكانه حينها أ ن يمرر كثيراً من قناعاته و مبادئه التي يريد أن يدعو إليها ، و لذا فالعالم كله كان ينتظر المصور الفلسطيني ” أبو حمدة ” الذي التقط صورة الشهيد ” محمد الدرة ” ليعرف ما يقوله هذا المصور ، و ربما سيسلم بما قاله دون تمحيص أو تدقيق لا لسبب و إنما فقط لكونه حقق ذلك السبق الصحافي الذي يمكن أن يعيش عليه مهنياً سنوات و سنوات . و لذا نرى أن سيدنا سليمان عليه السلام حين قال له الهدهد بأنه سيأتيه بخبر بلقيس قبل أن يقوم من مقامه ، أعرض عنه حتى جاءه الآخر ليقول له : أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ، و حينها فضله سيدنا سليمان على الأول ، كل ذلك يعكس أهمية السبق و السرعة ، و هما شرطا نجاح الوسيلة الإعلامية ، و هذا ما يفسر إقبال الجمهور على فضائية دون أخرى أو على وسيلة إعلامية دون غيرها .
2. الجدية و الجرأة في الطرح : و هما فرسا رهان الإعلامي الناجح المتميز ، و لذا تجد الصحافي الذي يتجرأ على نظام ما أو يشخص حالة واقع ما دون مراعاة أنظمة معينة يلقى الترحيب من قبل الجمهور كونه يعكس نبض الشارع الذي عادة ما يحب المغامرة و التحدي ، و هو رأسمال الوسيلة الإعلامية التي تنظر إلى المدى البعيد لا إلى لعاع من الدنيا قد يقذف بها إليه هذا الطرف أو ذاك ، على حساب ذاكرة الأمة و مستقبلها ، و قبل ذلك حاضرها ، ويطمح القارئ إلى أن يرى جدية في مناقشة أية قضية بحيث يكون الكاتب ملماً بجوانب الموضوع لا أن يكتب إليه أقرب ما يكون إلى الموضوع الإنشائي ، و هو ما يميز بعض المطبوعات الإسلامية ، حين يتولى بعض المشايخ و العلماء أو قادة الحركات الإسلامية إلى إدارة هذه المجلات أو المطبوعات ليكتبوا عن مواضيع كان أحرى بهم أن يدعوها للشباب القادر على القيام بتحقيق ميداني ، لينصرفوا بدورهم لما هو أهم وأولى من ذلك كله ، فتقليد إدارة المجلات من قبل دعاة كبار غدا بالياً و لا بد من الدفع بشباب جدد سعياً إلى تجديد الدورة الدموية للإعلام الإسلامي ، سيما و أن كثيراً من أدوات و أساليب العصر قد تغيرت ، في وقت يدرك الجميع أن الإعلام الحزبي تراجع دوره إن لم نقل أفل ، و حينها يتوجب تقديم الرسالة إلى القارئ من خلال إعلام غير مؤدلج بشكل سافر كون الجمهور سينفر منه كما ذكرنا من قبل ، و إن كان هذا لا يمنع من وجود بعض الوسائل التي قد تعكس مواقف معينة ، لكن بشكل عام ينبغي أن يكون هناك وسائل إعلامية شعبوية تعكس اهتمامات و انشغالات الناس و تنزل إلى مستواهم و حياتهم البسيطة و تعقيداتها ، و تجيب عن كل الأسئلة التي تراودهم ، و تشغل بالهم بعيداً عن التنظير و الحديث من برج عاجي طالما ملّه و سئمه الجمهور.
3. الموضوعية : يرغب المشاهد أن يلمس موضوعية في المادة المطروحة أي أن يشتمل الطرح على رأيي الحكومة و المعارضة مصحوباً برأي محلل سياسي نزيه ، الأمر الذي يرى المشاهد في هذا التعاطي احتراماً لعقله و وقته كون الموضوع طرق من كل أبعاده ، و ما على المشاهد إلاّ أن يختار ما يراه صواباً وحقاً عملاً بقوله تعالى : ” و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ” .
4. الرموز الإعلامية و السياسية : بإمكان أي وسيلة إعلامية أن تستقطب رموزاً إعلامية و لكن السؤال متى ؟ والجواب السريع هو : حين تقدم هامشاً أوسع من الحرية سيدفع هذه الرموز إلى الظهور في هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك ، و كتابة هؤلاء هي التي تعطي الصدقية و الحيادية على أساس أن الجمهور يثق بالرموز ، و للأسف فإن هذا ما نراه شبه مغيب في الوسائل الإعلامية الإسلامية ، فالحقيقة أن الناس قلوبهم معلقة بالمشاهير ، و ثمة مشاهير إعلاميين يمكن الاستفادة من خبراتهم و آرائهم ممن تتسق مواقفهم بشكل شبه كامل مع ثوابت و أبجديات الأمة ….
وللموضوع بقية