قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله إلى مسلم أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخ في حاجة هي أحب إلي من أعتكف في هذا المسجد شهر ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل” السلسلة الصحيحة (الجزء الثاني 906)
أعلم رحمني الله وإياك أن مدار السعادة الدنيوية والأخروية مبناها على أمرين:
1/ الإخلاص للحق.
2/ الإحسان للخلق.
وقد ورد في ذلك آيات عدة منها قوله تعالى: “كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ” (المدثر:38-45) الآيات.
وقال تعالى: “خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ” (الحاقة:30-34)..
فأساس السعادة أخلاص التوحيد للخالق والإحسان للخلق، وهذا الحديث المذكورة يقرر الجانب الثاني من هذه المسألة..
ألا وهو الإحسان للخلق..
فنبدأ مع أول نقطة في الحديث “أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس” وقد جاء في الحديث الآخر “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” فقرر هنا الأمر مجملا ثم بدأ يفصله بعدة مقاطع فذكر أن من أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم فالابتسامة وسيلة دعوية أخوية وقد ورد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم “ما رُئي إلا مبتسماً”..
فأنت بابتسامتك هذه تدخل السرور على قلب أخيك المسلم وكذلك بفعلك وعملك فتكسب الأجر والثواب من الله ومن المعلوم أن هذه الدنيا لا تخلو من الهموم والغموم والأنكاد فأنت بفعلك هذا وبابتسامتك هذه تنفع أخاك المسلم. بحيث تفرج عنه هذه الهموم ولو بعضها وقد ورد عن أصحاب ابن تميمة شيخ الإسلام عليه رحمة الله أن أصحابه كانوا يقولون تكتنفنا المصائب والهموم والأحزان، فإذا رأينا وجهه تكشف عنا الهم فالأمر ليس بالأمر الهين ولكن أين المتيقظ له؟!
وهنا مسألة ينبغي أن تطرح ألا وهي هل التبسم والضحك ينافي الوقار والسكون والهيبة وأن المشغول بعظائم الأمور معذور في ترك التبسم؟؟!!
وجوابها سهل ميسور على من يسره الله عليه وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم مع كثرة مشاغله وهمومه وهو قائد الأمة ومرشدها والذي ينبغي بهذه الميزان ألا يبتسم ولكن الوارد أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رأي إلا متبسما فصلوات ربي وسلامه عليه وهو القائل: “وتبسمك في وجه أخيك صدقة” فهذا الدليل وهذه الحجة تبطل ذلك التكلف..
ثم بعد ذلك يذكر أمر آخر مما يمكن للمرء أن ينفع به الناس ألا وهو كشف الكربة عنهم، فقد تجد أخاك به كربه من كرب الدنيا إما لمصاب أصابه أو توفي قريب له أو………….. إلخ
والحياة ليست صفوا بلا كدر، بل هي كدر وهم وحزن فندبنا إلى التفريج من هموم إخواننا المسلمين وكل ذلك بأجره عند احتسابك الأجر فإنك عند تفريج كربته ومساعدته عند احتياجه تكون نعم الأخ فكأنك تسنده وتقوم معه ضد الدنيا بأسرها.
إن أخاك الحق من كان معك | ومن يضر نفسه لينفعك | |
ومن إذا ريب الزمان صدعك | شتت فيك شمله يجمعك |
ثم عقب بعد ذلك بذكر الدين وقضائه عن الأخوة، وهذا من ذكر الخاص بعد العام… ثم مثل بواحد منها أو من جنس العام فالدين كربة من الكرب فهو هم بالليل ذل بالنهار……
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم “اللهم فرج هم المهمومين واقض الدين عن المدينين”…………
وقد وردت القصة في شأن ذلك الرجل من بني إسرائيل أنه كان يقرض الناس ثم بعد أن يحين السداد والوفاء يبعث غلامه إلى المدينين فيأمره بأن يقبض ممن عنده القدرة على الوفاء ويجاوز عمن لا يجد عنده شيء فغفر الله له بذلك…………. ومن المعروف أن الذي يأخذ الدين لا يأخذه إلا وهو محتاج قد سدت أبواب الدنيا في وجه وربما لا يجد سداده فندبنا إلى قضائه عنه أو التجاوز عنه، وهذا من التكافل الاجتماعي بين المسلمين..
ثم ذكر بعد ذلك هناك أمر آخر يكون فيه نفع للناس وإحسان إليهم ألا وهو “وأن تطرد عنه جوعا” قال تعالى: “فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ” (الضحى:9، 10) وقال صلى الله عليه وسلم: “والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله؟ قال: من بات شبعاناً وجاره جائع”…..
ثم ذكر أمراً آخر “ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً”… وهذا هو السعي في نفع الأخوة المشهور عند الناس مهما كانت هذه الحاجة ومهما كان هذا الأمر… بإطلاقه صغيراً أو كبيراً والحكمة من أن هذا الفعل هو أفضل من الاعتكاف في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم شهراً هي أن هذا الفعل وهو المشي في حاجة الأخ هو فعل متعد النفع فأنت تنفع غيرك وتكسب معه الأجر لنفسك وفيه من المصالح الشيء الكثير فربما يكون بمشيك معه في حاجته نفع للمسلمين وربما يكون فيه دفع للأذى عنهم أما الاعتكاف فمع معرفتنا فضله والأجر الوارد فيه إلا انه عمل نفعه قاصر على النفس وعلى الإنسان وحده….والله تعالى أعلم..
وهناك عدة أمور قدم فيها النفع المتعدي على القاصر مثل الحديث بعد العشاء فإنه أُستثني منه تعليم العلم وإكرام الضيف ومحادثة المرأة ومن الأمور التي يكون فيها نفع كذلك للناس كف الغضب وضبط النفس فإن الغضب معروفة نتائجه وآثاره من ارتفاع الضغط وفقدان للعقل وأنه مظنة تلبس الجن بالإنسان وكان من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه الذي جاء يستوصيه فقال له: “لا تغضب وكررها ثلاثاً”… وضبط النفس أمر مطلوب خصوصاً في وقتنا الحاضر والحل في هذا الحديث “ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاءاً يوم القيامة”… فالأمر جدير بالالتفات إليه والاستفزاز حاصل وضبط النفس مطلوب ومندوب إليه ومحظوظ عليه فأنت تلاقي نماذج منه سواءً في الشارع أو في السوق أو في الإعلام وحتى في بيتك فالله المستعان على هذا الأمر….
ثم ثنى بأمر ذكره في نصف الحديث ألا وهو “ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام”…. وهذا يدل على أهمية هذا الأمر ولذلك كرره الرسول صلى الله عليه وسلم وهنا زاد حتى يثبتها له فهذا يحتاج إلى صبر ومصابرة وهمة عالية لذلك كان الجزاء من جنس العمل “أثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام”…
ثم عقب وختم بالحديث عن سوء الخلق فقال: “وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل” وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله: “أقربكم أو أدناكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا” الحديث.
أو كما ورد فقد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم: “سوء الخلق” مبينا انه يفسد الإحسان للخلق لذلك ورد الحديث محذرا منه وممثلا بإفساده لهذا الإحسان بإفساد الخل للعسل والله تعالى اعلم.
وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه وسلم…