في جامعة الإمام ..الطب إلى أين ؟

إذاً، فجامعة هذه مواصفاتها، لاينبغي أن يكون الواقع الطبي فيها مشابها لغيرها...

تناقلت وسائل الإعلام المحلية المختلفة، قبل فترة، خبر إنشاء كلية للطب في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وبعيدا عن الدخول في حيثيات هذا القرار والجدل الدائر حول إبقاء خصوصية الجامعة أو إلغاء هذه الخصوصية، أو مايقال حول محاولات زهرنة الجامعة، أقول بعيدا عن ذلك كله، أن القرار قد صدر، وأن واجب الوقت وفرض العين الآن هو: كيف نستطيع أن نجعل من وجود كلية للطب في جامعة الإمام، منحة للجامعة وليس محنة؟ بل أن يكون منحة لكل الواقع الطبي في هذا البلد الطيب؟ كيف نستطيع أن نستثمر هذا الحدث في تغيير هذا الواقع السيئ للممارسة الطبية عندنا؟….
وأظن أننا قبل أن نتناقش حول هذه التساؤلات، أظن أننا نحتاج أن نستذكر نبذة مختصرة عن نشأة الواقع الطبي عندنا وكيف وصل الحال إلى ماهو عليه الآن….

قبل أكثر من خمسين سنة، تم افتتاح مستشفى الشميسي (مجمع الرياض الطبي حاليا) كأول مستشفى حكومي في المملكة، ومعه تم إضفاء الشرعية على أول اختلاط بين الجنسين، وجعلِ هذا الاختلاط مقنّنا في الواقع الطبي، وأين؟….في مجتمع محافظ لم يعرف الاختلاط من قبل، في مجتمع يدين بالإسلام شريعة ومنهجا وحكما في كل شؤون الحياة……..
كم يُحار المرء ويعجزه التفكير وهو يتساءل: الم يكن هناك إمكانية لإنشاء الواقع الطبي على أساس شرعي بعيدا عن هذا الاختلاط؟ وكيف رضي هذا المجتمع المحافظ برجاله ونسائه، وشيبه وشبابه، بل وقبل ذلك علماؤه، كيف رضوا أن يتعايشوا مع هذا الواقع الخطير وان يصبح واقعا مقبولا؟………..
وبعد ذلك ومع الخطط التنموية المتتابعة، تم البدء بإنشاء مستشفيات كثيرة في طول البلاد وعرضها والقاسم المشترك بينها الذي أُسِّست عليه هو ذلك الاختلاط السيئ، وبدأ إنشاء المستشفيات العسكرية التي عُهد بإنشائها إلى شركات غربية لم تألُ جهدا في صبغها بالصبغة الغربية، حتى دورات المياه صُمِّمت على الطريقة الغربية..
ومع مرور الأيام أصبح منكر الاختلاط بين الجنسين معروفا تعارف الناس عليه وألِفوه، وأصبح أصلا أصيلا ملازما لمنشئاتنا الصحية ولواقعنا الطبي لاينفك عنه، لا يثير الاستغراب ولا الاشمئزاز، بل حتى الناس الذين كان يُتوقع أن يكون عندهم شيء من الممانعة لهذا المنكر الخطير، استسلم بعضهم له وألِفوه، ووُجد من بعض أهل الفضل والخير من يتردد على المستشفيات ويرى تلك المنكرات دون أن تتحرك عنده شعره، ويرضى أن تفحصه تلك الممرضة، المرأة الأجنبية عنه، دون أن يثير ذلك أي نكير…
كان الاختلاط في البداية مقتصرا على الطاقم الطبي، بين الأطباء والطبيبات وبين الممرضين والممرضات والموظفين والموظفات، وبينهم وبين المرضى والمريضات..

ومع افتتاح كليات الطب والكليات الصحية الأخرى والمستشفيات الجامعية، دخلت فئة عزيزة من فئات المجتمع المهمة إلى هذا المنكر الخطير، ألا وهي فئة الطلاب والطالبات، واتخذ هذا المنكر أشكالا مختلفة، فهناك تدريس الأساتذة الرجال للطالبات، وتدريس الأستاذات للطلاب، وتدريس الطلاب على المريضات، وتدريس الطالبات على المرضى، والاختلاط أحيانا بين الطلاب والطالبات في قاعات الدراسة أو أثناء المرور على المرضى أو في ردهات المستشفى وأسيابه، في جو مسموم من الاختلاط لا ينتهي إلا بنهاية اليوم الدراسي…
وهكذا، فبدلا من توطين التقنية، اتجهنا إلى توطين الاختلاط وما يترتب عليه من منكرات لا تخفى، فبداية بين الطلاب والطالبات ومن ثم تخرجهم بعد ذلك كأطباء وطبيبات..

ومرة أخرى يعود السؤال السابق، بصيغة أخرى: الم يكن هناك إمكانية لإنشاء كليات الطب والكليات الصحية الأخرى والمستشفيات الجامعية وفق الضوابط الشرعية وبعيدا عن محذور الاختلاط؟ الم يكن هناك إمكانية لإنشاء كليات خاصة بالطلاب مع مستشفياتها الجامعية وأخرى خاصة بالطالبات كذلك؟ أليس هناك تجارب ناجحة في هذا الشأن، قامت بها دول إسلامية وغير إسلامية؟ السنا نحن بلد الإسلام وبلد التوحيد أولى بذلك وأجدر؟…
ولان هذه التساؤلات وأمثالها ذهبت أدراج الرياح ولم تلق بالا، فإننا أصبحنا نعايش واقعا مرا نتج عن هذا المنكر الخطير والإصرار عليه، لم يقتصر تأثيره على الوقع الطبي فقط، بل تجاوزه إلى المجتمع عامة، وأصبح هناك من يريد تجيير هذا الواقع السيئ لشرعنة دعواه المستمرة لنشر الاختلاط في كافة مناحي الحياة ومن ثم تغريب هذا المجتمع المسلم…
ولست هنا بصدد التفصيل في الآثار المرة والتداعيات الخطيرة لإقرار هذا المنكر الخطير والإصرار عليه، فهذا ربما يكون له وقت آخر،وكذلك لا يعني الغفلة والتغافل عن المنكرات الأخرى، سواء ما يتعلق بالمناهج الدراسية أو ما يتعلق بأخلاق المهنة الطبية أو غيرها، ولكنِّي أردت أن أبيّن واقعا نعايشه منذ سنين ويزداد سوءاً مع الأيام، ولابد لمن أراد الإصلاح من معرفة دقيقة بالواقع الذي يريد أن يصلحه..

وهنا، لابد من ذكر حقيقة مهمة، وهي انه وبفضل الله سبحانه وتعالى، لم تخلُ الساحة يوما من داعية للإصلاح ومنكر لهذا المنكر الخطير، سواء كانوا من أهل العلم والدعوة، أو كانوا من أهل الواقع الطبي نفسه من أطباء وطلاب وغيرهم، وان كانت هذه الأصوات تعلو تارة وتخبو تارات أخرى..
وبعد، وفي مثل هذا الواقع، فما الذي يمكن أن تقدِّمه جامعة الإمام؟…
إن من يريد أن يتحدث عن دور ايجابي لجامعة الإمام في واقعنا الطبي، لابد أن يُغلِّب النظرة التفاؤلية لمستقبل الجامعة ودورها الرائد على جميع الأصعدة، وبدون
وجود هذه النظرة، سيكون الحديث غير ذا جدوى..

إذاً، فجامعة الإمام هي التي خرّجت الآلاف من طلبة العلم سواء كانوا من داخل هذه البلاد أو خارجها، وجامعة الإمام هي التي كان لها اليد الطولى في نشر العلم والدعوة في داخل هذه البلاد وخارجها، وجامعة الإمام كانت من أوائل من وقف في وجه التيارات الفكرية المختلفة من قومية وحداثة وعلمانية ومبتدعة، وغير ذلك الكثير مما قامت به هذه الجامعة العريقة على الرغم من الضعف الذي لحق بها مؤخرا..
إذاً، فجامعة هذه مواصفاتها، لاينبغي أن يكون الواقع الطبي فيها مشابها لغيرها، بل و ينبغي ألاّ يُقبل ذلك مهما كان المسوِّغ والمبرِّر، وينبغي أن نسعى لإيجاد البيئة المناسبة لممارسة واقعا طبيا سليما نقيا، مضبوطا بضوابط الشرع المطهر..
وهذه بعض المقترحات:
– التأكد من خلو المناهج الدراسية من المحاذير الشرعية.
– تضمين منهج الثقافة الإسلامية للإحكام الفقهية المتعلقة بالمسائل الطبية.
– تدريس مادة أخلاق ممارسة المهنة الطبية، وان يكون منطلقها وأساسها الإسلام.
– محاولة تقليل الاعتماد على غير المسلمين في الكادر الطبي والأكاديمي، لان كثيرا من هؤلاء يقدِّم العلم وفق تصوره للحياة، والذي يخالف تصورنا نحن المسلمين.
– البدء بقبول الطلاب والحرص على أن يتولى تدريسهم كادر رجالي فقط.
– إرجاء قبول الطالبات إلى إن يتم توفير القاعات الدراسية المناسبة ومحاولة توفير كادر نسائي متكامل يتولى تدريس الطالبات، فان لم يوجد هذا فيُلجأ إلى الكادر الرجالي وذلك عن طريق الدائرة التلفزيونية، ويكون ذلك في أضيق الحدود، مع محاولة استدراك ذلك مستقبلا.
– البدء من الآن بإنشاء مستشفى جامعي يكون جاهزا مع دخول الطلاب للسنوات السريرية، يراعى فيه أن تكون الأقسام الرجالية منفصلة انفصالا تاما عن الأقسام النسائية، بداية من المداخل والاستقبال والعيادات الخارجية والطوارئ وكل مرافق المستشفى.
– الحرص على توفير الطاقم الوظيفي الرجالي من أطباء وممرضين وغيرهم في أقسام الرجال، وكذلك الطاقم النسائي من طبيبات وممرضات وغيرهنّ في أقسام النساء، وان وُجد نقص في جانب الرجال أو في جانب النساء، فانه يلجأ إلى الجانب الآخر وفق آلية معينة موافقة للضوابط الشرعية، مع الحرص على استدراك ذلك مستقبلا، وحبذا الاستفادة من تجارب بعض المستشفيات الخاصة في ذلك..
– ينبغي أن يكون هذا كله هدفا مرحليا، أما الهدف المنشود فهو أن يكون هناك كلية للطب مع مستشفاها الجامعي خاصة للطلاب ومثلها خاصة للطالبات..
– وأنا على يقين أنّ نجاح تجربة الطب في جامعة الإمام وفق الضوابط الشرعية، سيكون له اكبر الأثر على كلياتنا ومنشئاتنا الصحية الأخرى، فكثير ممن يتردد أو يشكك في جدوى إصلاح الواقع الطبي، سيزول هذا التردد عنده أو يقل بمجرد أن يرى أمامه نجاح تجربة واقعية..

وأخيرا، فاني اعلم أني قد ارتقيت مرتقا صعبا بتناولي هذا الموضوع الحساس، واعلم أن هناك من هو أجدر وأولى بالكلام مني، ولكن حسبي أني مجتهد برفع الحرج والإثم عني و عن أخواني وأخواتي ممن يصطلون بهذا الواقع ليلا ونهارا، ولعلّ هذه الكلمات تجد آذانا صاغية ونفوسا وثابة وهمما عالية وعمل دءوب نحو واقع طبي إسلامي نقي.

Source: www.almoslim.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *