يحاول بعض الناس اليوم أن يهدم ما استقرت عليه الأمة وجمهور علمائها وأئمتها على مدى 14 قرناً(1)، ويحاول إثبات أن المرأة يجوز أن تتولى الولايات العامة ورئاسة الدولة، ولو كان الأمر قاصراً على مجرد تبن لرأي بعض العلماء ممن قال بجواز تولي المرأة القضاء -مع أنه قول محجوج بالنصوص الشرعية ومخالف لقول الجمهور الذي استقرت عليه الأمة- لهان الخطب ولبقيت المسألة دائرة في نطاق خلاف فقهي، ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يتعدى إلى محاولة شاملة لتغيير الثوابت الأصولية في الاستدلال، ولمحو التراث الفقهي ليحل محله فقه جديد يقوم على آراء مائعة لخدمة مصالح التيار التغريبي.
فبعض هؤلاء لما رأى أن مناقشة القضية على الأصول العلمية في الاستدلال لن يحقق له غرضه؛ أخذ يتطاول على علماء الأمة، ويسفه عقولهم، ويجعل فقههم قديماً لا يناسب الفقه المعاصر، ويضرب الأحكام بعضها ببعض، ويعمل بالأدلة متى احتاج إليها، ويستهين بها حينما لا تخدم غرضه، ففي موضع يستدل بالإجماع ويقول: (والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية على نفسها…)، ويقول: (والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية ورعاية وسلطاناً في بيت زوجها)، أما حين يخشى وجود إجماع ضد ما يريد إثباته فإنه يتذكر وقتها أقوال العلماء في صعوبة تحقق الإجماع فيقول: (أنكر كثير من الفقهاء إمكانية حدوث الإجماع في مثل هذه الفروع أصلاً)! وهكذا يستخدم الأدلة بحسب هواه ويوجهها لخدمة أغراضه، ليصل في النهاية إلى أنه لا دليل في القضية، وما لدى العلماء من نصوص قد فهمومها فهماً مغلوطاً، ومن ثم يجوز تولي المرأة الولايات العامة ومنصب الرئاسة. وهذه كلها أساليب مضللة ليس لها هدف إلا الهروب من مقتضيات النصوص الشرعية. والخطير في ذلك أن تُنشر تلك الشبهات في برنامج إلكتروني(2) مخصص لبيان حقائق الإسلام!
وقد بنى الكاتب شبهاته على مقدمات تثير جواً من الشك في أقوال العلماء، وتهز صورة البناء الفقهي الإسلامي ليصل إلى إبطال ما قرره العلماء من منع المرأة من تولي الولايات العامة ومنصب الرئاسة، على النحو الآتي:
أولاً: الاستخفاف بعلماء الأمة كلهم واتهامهم بأن فهمهم مغلوط:
يقول كاتب الشبهات: (أما الإضافة التي نقدمها… فهي خاصة بمناقشة الفهم المغلوط للحديث النبوي الشريف: “ما أفلح قوم يلي أمرهم امرأة”.. إذ هو الحديث الذي يستظل بظله كل الذين يحرّمون مشاركة المرأة في الولايات العامة والعمل العام).
انظر إلى هذا الاستخفاف بعلماء الأمة! فمن هم الذين يستظلون بهذا الحديث؟ إنهم الصحابة والتابعون وأئمة الفقه والعلم منذ عصر النبوة، قال ابن قدامة المقدسي: (لم يول النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أحد من خلفائه ولا مَن بعدهم امرأة قضاء ولا ولاية بلد, فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالباً)(3). وقال الماوردي عن تولي المرأة الوزارة: “ولا يجوز أن تقوم بذلك امرأة وإن كان خيرها مقبولاً؛ لما تضمنه معنى الولايات المصروفة عن النساء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما أفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة”، ولأن فيها من طلب الرأي وثبات العزم ما تضعف عنه النساء، ومن الظهور في مباشرة الأمور ما هو عليهن محظور”(4). وقال القرطبي: (وأجمعوا على أن المرأة لا يجوز أن تكون إماماً)(5)، وقال ابن حزم عن الخلافة: “ولا خلاف بين أحد في أنها لا تجوز لامرأة”(6). والسؤال: أكل هؤلاء العلماء منذ عصر النبوة فهموا الحديث فهماً مغلوطاً؟! ألم يستطع أحد من علماء الأمة كلها فهم الحديث فهماً صحيحاً غير هذا الكاتب المجهول!
ثانياً: تجاهل النصوص التي استدل بها جمهور العلماء وادعاء عدم وجود أدلة:
ففي موضع آخر من مقاله يزعم عدم وجود نصوص في ولاية المرأة للقضاء، يقول الكاتب: (فالقرآن الكريم لم يعرض لهذه القضية، كما لم تعرض لها السنة النبوية، لأن القضية لم تكن مطروحة على الحياة الاجتماعية والواقع العملي لمجتمع صدر الإسلام، فليس لدينا فيها نصوص دينية أصلاً، ومن ثم فإنها من مواطن ومسائل الاجتهاد). وقال: (علة اختلاف الفقهاء حول جواز تولي المرأة لمنصب القضاء، في غيبة النصوص الدينية – القرآنية والنبوية – التي تتناول هذه القضية…).
وكلامه هذا غير صحيح لأن القرآن نص على أن الرجال قوامون على النساء، وأن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، ونص الحديث على أنه لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، وأنها لا تلي النكاح ولا تزوج نفسها إلا بولي، وكل هذه أدلة على عدم صلاحيتها للقضاء كما قال جمهور العلماء، بل إن علماء المذهب الحنفي الذين أجازوا ولايتها القضاء فيما تصح شهادتها فيه قالوا بأن من يوليها القضاء في غير ذلك يأثم، قال في مجمع الأنهر: (ويجوز قضاء المرأة) في جميع الحقوق لكونها من أهل الشهادة لكن أثم المولّي لها للحديث “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” (في غير حد وقود)؛ إذ لا يجري فيها شهادتها وكذا قضاؤها؛ في ظاهر الرواية)(7).
وقال صلى الله عليه وسلم: “القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار)(8)، قال الشوكاني: (وهو دليل على اشتراط كون القاضي رجلاً)، وقال: (استدل المصنف أيضاً على ما ذهب إليه الجمهور بحديث بريدة المذكور في الباب لقوله فيه “رجل” و “رجل” فدل بمفهومه على خروج المرأة)(9).
ولا أدري ماذا يقصد الكاتب بـقوله “غيبة النصوص الدينية”؛ أيريد نصاً يقول لا تولوا المرأة القضاء! لو كانت الأحكام لا تؤخذ من الكتاب والسنة إلا هكذا؛ لما استطاع أحد مثلاً أن يقول بحرمة تناول المخدرات لأنه لا يوجد نص يقول لا تتناولوا المخدرات!
ثالثاً: التهوين من شأن الأحكام الفقهية بدعوى أنها اجتهادات الفقهاء وليست ديناً:
يقول: (ومعلوم أن “الأحكام الفقهية” التي هي اجتهادات الفقهاء، مثلها كمثل الفتاوى، تتغير بتغير الزمان والمكان والمصالح). (ما لدينا في تراثنا حول قضية ولاية المرأة لمنصب القضاء هو “فكر إسلامي” و “اجتهادات فقهية” أثمرت “أحكاماً فقهية”.. وليس “ديناً” وضعه الله سبحانه وتعالى وأوحى به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم).
هذا كلام فيه تلبيس وتهوين لقيمة الفقه الإسلامي، فإن كان يقصد باجتهادات الفقهاء؛ بذل الفقيه جهده لمعرفة الحكم الشرعي من الكتاب والسنة، فالفقهاء لا يجتهدون في استنباط الأحكام إلا بأصول وقواعد تحكم عملهم، وقد تعبدنا الله _تعالى_ عموماً بالأحكام الفقهية التي يستنبطونها لنا، فالدين الذي نعبد الله _تعالى_ به عموماً هو الأحكام الفقهية التي استنبطها الفقهاء من الكتاب والسنة بجهدهم واجتهادهم، وهو الدين الذي سنحاسب عليه، وإلا فمن أين لنا أن نعرف الدين والحلال والحرام؟! قال _تعالى_: “فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ” [النحل: 43]، وفي الحديث: “ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال”(10)، وقال _تعالى_: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً” [النساء: 59]، رجح القرطبي في تفسير قوله _تعالى_: “أولي الأمر” أنهم الأمراء والعلماء، وقال أيضاً: (قال جابر بن عبد الله ومجاهد: “أولو الأمر” أهل القرآن والعلم؛ وهو اختيار مالك _رحمه الله_، ونحوه قول الضحاك قال: يعني الفقهاء والعلماء في الدين)(11)، وقال ابن كثير: (والظاهر والله أعلم أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء)(12). وقال _سبحانه_: “وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً” [النساء83]. وبيّن _عليه الصلاة والسلام_ أن الناس بدون العلماء يقعون في الضلال، فقال: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسُئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا”(13).
وإن كان الكاتب يقصد الاجتهاد الاصطلاحي؛ فالاجتهاد عند العلماء لا يصح إلا في عدم وجود النص المحكم المفسر كما قرر العلماء في العبارة المشهورة: “لا اجتهاد مع النص”، فمتى وجد النص الثابت الصحيح فلا اجتهاد.
أما كلامه عن تغير الحكم الفقهي بتغير الزمان والمكان والمصالح، فلا يصح على إطلاقه، فالذي يتغير بتغير الزمان والمكان هو الفتوى المبنية على العادات والأعراف والأحوال المعتبرة شرعاً، والحكم الشرعي إذا لم يكن متعلقاً بعادة أو عرف فلا مجال للتغير فيه، كستر العورة هو حكم مبني على حدود الشرع وليس على أعراف الناس وعاداتهم في اللباس، فمهما تغيرت عادات الناس وأعرافهم فيما يعدونه عورة فلا اعتبار لها في الشرع ولا يتغير الحكم الشرعي بتغيرها. وأما إذا كان الحكم الشرعي متعلقاً بأعراف وعادات معتبرة شرعاً؛ مثل تغير سن البلوغ بحسب المناطق المناخية وغيرها، ومثل تغير أساليب الناس في ألفاظ الطلاق وألفاظ الأيمان والنذور وغير ذلك، فهذا هو المقصود بقول العلماء “العادة محكمة” وقولهم بتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، ولهذه الأعراف والعادات شروط وضوابط لتكون معتبرة، وليس الأمر على إطلاقه في كل الأحكام كما يزعم الكاتب وإلا لما بقي شيء من الدين ثابتاً، وحكم تولي المرأة للولايات العامة ومنصب الرئاسة ليس من الأحكام المتعلقة بأعراف الناس وعاداتهم حتى نقول إنه حكم يتغير بتغير الزمان والمكان، ولكنه متعلق بشرط دلت عليه النصوص الشرعية وهو شرط الذكورة.
رابعاً: الزعم بأن تولي المرأة من المعاملات التي تحكمها المقاصد والمصالح وليس النصوص:
ويدعي كاتب الشبهات أن مقاصد الشريعة لا علاقة لها بالنصوص، مع أنه يصف المقاصد بالشرعية! ويجعل المقاصد قسيماً للنصوص! ويزعم أن المعاملات لا تحكمها النصوص فيقول: (ثم إن هذه القضية هي من “مسائل المعاملات” وليست من “شعائر العبادات”.. وإذا كانت “العبادات توقيفية” تُلْتَمس من النص وتقف عند الوارد فيه، فإن “المعاملات” تحكمها المقاصد الشرعية وتحقيق المصالح الشرعية المعتبرة.. والموازنة بين المصالح والمفاسد فيها.. ويكفى في “المعاملات” أن لا تخالف ما ورد في النص، لا أن يكون قد ورد فيها نص).
وهذا كلام باطل خلطه ببعض الحق، فتقسيم الدين إلى عبادات ومعاملات موجود في كتب الفقه، ولكنه تقسيم اصطلاحي محض وضع لترتيب الأحكام الفقهية وتنظيمها إلى أحكام تنظم العلاقة بين الأفراد والمجتمع والدولة، وتسمى أحكام المعاملات، وأحكام تنظم العلاقة بين العبد وربه وتسمى أحكام العبادات. ولم يقصد العلماء بهذا التقسيم التفريق بين أحكام القسمين في نوع الدليل والاستدلال، فجميع الأحكام الشرعية سواء في المعاملات أو العبادات مصدرها واحد هو الكتاب والسنة، بل المقاصد والمصالح نفسها لا تكون معتبرة ومشروعة إلا إذا كان عليها دليل من الكتاب والسنة، وإلا فكيف نعرف مقاصد الشريعة دون وجود لنصوص الشريعة نفسها! فصارت الأحكام والمقاصد والمصالح كلها راجعة إلى النص، ومن ثم فتولي المرأة للولايات العامة من المعاملات، والمعاملات كالعبادات تعرف أحكامها بالاستنباط في ضوء مقاصد الشريعة من النصوص الشرعية.
وغرض الكاتب هو أن يبتعد عن النصوص، ويوجه الأحكام الشرعية باستخدام عدد من مقاصد الشريعة العامة التي توافق هواه- بعيداً عن الأدلة- ، وهذا هو المكر الذي يستعمله العلمانيون دائماً في كثير من القضايا التي يريدون تغيير حكمها الشرعي، وهو ما يطلقون عليه عبارة فضفاضة هي “روح الشريعة”.
الرد على شبهات من يجيز تولي المرأة رئاسة الدولة:
بعد أن استعرضنا المقدمات التي بنى عليها الكاتب شبهاته حول تولي المرأة الولايات العامة؛ نرد هنا على بعض الشبهات التي أوردها ليجيز تولي المرأة لرئاسة الدولة على وجه الخصوص:
1- قال الكاتب: (فملابسات ورود الحديث تجعله نبوءة سياسية بزوال ملك فارس -وهي نبوءة نبوية قد تحققت بعد ذلك بسنوات– أكثر منه تشريعاً عاماً يحرم ولاية المرأة للعمل السياسي العام).
الجواب: “العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”، وهي قاعدة مشهورة، ولهذا قال الإمام الشافعي: “السبب لا يصنع شيئاً إنما تصنع الألفاظ”. والحديث يفيد العموم، لأن لفظي “قوم” و”امرأة” في الحديث جاءا نكرة، وقد سبق اللفظين نفي وهو “لن” أو “لا” في بعض الروايات، والنكرة في سياق النفي تدل على العموم، وليس هناك ما يخصص الحديث، وهذا يدل على كونه عاماً يشمل كل قوم وكل امرأة.
من ناحية أخرى؛ الأحاديث الشريفة التي تحمل أخباراً غيبية تعد مصدراً للتشريع يستنبط منها العلماء الأحكام، ويأخذون منها الدروس والعبر، وحديث “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” على وجه الخصوص ذكره العلماء في متون أدلة الأحكام كمتن بلوغ المرام، ومتن منتقى الأخبار، واستدلوا به في أمهات كتب الفقه على منع المرأة من الولايات العامة كالقضاء والإمامة.
وبفرض أن الحديث نبوءة ومخصوص بأهل فارس؛ نقول لهذا الكاتب إذا كانت النبوءة تحمل ذماً على فعل أيجوز لنا أن نرتكب هذا الفعل ولا نلقي للحديث بالاً لأنه مجرد نبوءة؟! الجواب لا يجوز، قال السرخسي -رحمه الله- صاحب (المبسوط في الفقه الحنفي): (ما أخبر الله _تعالى_ عن الأمم السالفة على وجه الإنكار عليهم، ففائدتنا أن لا نفعل مثل ما فعلوا)، وقد أخبرنا رسولنا _صلى الله عليه وسلم_ بأن الفرس لن يفلحوا؛ لأنهم ولوا أمرهم امرأة، والواجب أن لا نفعل مثل ما فعلوا، قال الشوكاني: (تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب)(14). وقال أيضاً: (قوله _صلى الله عليه وسلم_: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” فليس بعد نفي الفلاح شيء من الوعيد الشديد)(15). وقال الصنعاني: (والحديث إخبار عن عدم فلاح من ولي أمرهم امرأة، وهم [يعني المسلمين] منهيون عن جلب عدم الفلاح لأنفسهم، مأمورون باكتساب ما يكون سبباً للفلاح)(16).
من ناحية ثالثة؛ فإن أبا بكرة _رضي الله عنه_ راوي الحديث، فهم أن الحديث ليس خاصاً بالفرس وحدهم بل هو عام في كل قوم وكل امرأة حتى لو كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولذلك عمل به ولم يخرج معها حين تولت أمر المطالبة بالقصاص من قتلة عثمان _رضي الله عنه_، مع أنها من أمهات المؤمنين ومن علماء الصحابة.
2- قال الكاتب: (ولايات الأقاليم والأقطار والدول القومية والقطرية والوطنية… لا تدخل في ولاية الإمامة العظمى لدار الإسلام وأمته.. لأنها ولايات خاصة وجزئية، يفرض واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر المشاركة في حمل أماناتها على الرجال والنساء دون تفريق).
الجواب: كل من تولى أمر المسلمين في دولة أو إقليم فولايته هي ولاية عامة، يشترط فيمن يتولاها الذكورة، ولا يصح أن تتولاها المرأة، سواء تسمى الحاكم بالخليفة أو الملك أو الأمير أو الرئيس. أما وصف الولاية المعاصرة بأنها ولاية جزئية أو خاصة إنما هو وصف بالنسبة إلى ما هو أكبر منها وهو الولاية العظمى، وهذا لا يخرجها عن كونها ولاية عامة، قال الشوكاني: (يدخل في لفظ الإمارة الإمارة العظمى وهي الخلافة، والصغرى وهي الولاية على بعض البلاد)(17). وقال: (يدخل في الإمارة: القضاء والحسبة ونحو ذلك)(18). كما أنه يجوز تسمية الملوك بالخلفاء، قال ابن تيمية: (ويجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين [خلفاء] وإن كانوا ملوكاً ولم يكونوا خلفاء الأنبياء؛ بدليل ما رواه البخاري ومسلم…: ”…وستكون خلفاء فتكثر…” فقوله: (فتكثر) دليل على من سوى الراشدين؛ فإنهم لم يكونوا كثيراً)(19).
ومع وجود فروق بين الإمامة العظمى وبين سائر الولايات العامة؛ فإن شرط الذكورة ثابت في جميع الولايات العامة إلا ما خالف فيه الحنفية قول جمهور العلماء، حيث قال الحنفية بتوليها القضاء فيما تشهد فيه، وكذا ابن جرير حيث قال بتوليها القضاء مطلقاً وهو ما نفاه عنه أبو بكر ابن العربي وأنكر رواية ذلك عنه حيث قال: (ونُقل عن محمَّد بن جرير الطَّبَريِّ إمام الدِّين أَنَّهُ يَجُوز أَن تكون المرأَةُ قاضيةً؛ ولم يصحَّ ذلك عنه؛ ولعلَّه كما نُقِلَ عن أَبِي حنيفة أنها [إنَّما] تقضي فيما تشهد فيه، وليس بأَن تَكون قاضيةً على الإطلاق، ولا بأَن يُكتب لها منشورٌ بأَنَّ فلانة مُقَدَّمَةٌ على الْحُكْمِ، إلا في الدِّماء والنِّكاح، وإنَّما ذلك كسَبِيلِ التَّحكيم أو الاسْتِبَانة في القضيّة الواحدة، بدليل قوله – صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم -: “لن يُفلحَ قومٌ وَلَّوْا أَمرَهم امرأَة”. وهذا هو الظَّنُّ بأَبي حنيفةَ وابنِ جرير)(20).
فشرط الذكورة ليس من الفروق التي ذكرها العلماء بين الولاية العظمى وسائر الولايات، وهذه الفروق – كما ذكرها السيوطي رحمه الله- أربعة هي: القرشية، وعدم جواز تعدد الإمام في عصر واحد، ولا ينعزل بالفسق، ولا ينعزل بالإغماء، وضخامة ما يحدث في عزله من الفتن(21).
أما قول الكاتب: (يفرض واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المشاركة في حمل أماناتها على الرجال والنساء دون تفريق) ففيه خطأ كبير، وضرب للأحكام الشرعية بعضها ببعض، وتجاوز لكثير من الأحكام، فالشريعة الإسلامية أوجبت على الجميع الرجال والنساء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن مع وجوب مراعاة الضوابط والأحكام التي شرعت لتنظيم حركة الرجل والمرأة في المجتمع المسلم ودور كل منهما، فقيام المرأة بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يعني أن تتخلى المرأة عما أُمرت به من الستر وعدم الاختلاط والحجاب، أو تتجاوز ما منعه الشرع عنها، فالرجل مثلاً يختص بكونه يخطب الجمعة فيأمر فيها بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يصح للمرأة أن تخطب الجمعة لتأمر وتنهى، وكذلك للرجل أن يتولى رئاسة الدولة ويجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يصح للمرأة أن تتولى الرئاسة، ومن ثم فلا يصح أن تكون الرئاسة طريقاً لها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- قال الكاتب: (تغير مفهوم الولاية العامة في عصرنا الحديث، وذلك بانتقاله من: “سلطان الفرد” إلى “سلطان المؤسسة”، والتي يشترك فيها جمع من ذوى السلطان والاختصاص… فإذا شاركت المرأة في هذه المؤسسات فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة لهذه السلطات والولايات بالمعنى الذي كان في ذهن الفقهاء الذين عرضوا لهذه القضية في ظل “فردية” الولايات، وقبل تعقد النظم الحديثة والمعاصرة، وتميزها بالمؤسسية والمؤسسات).
الجواب: ليس كل تغير يصلح أن تتغير به الأحكام، ولو كان الأمر كذلك لتغيرت أحكام الشريعة كلها، وهل يصح مثلاً أن نقول لا يجوز قصر الصلاة في هذا العصر؛ لأن وسائل السفر الآن تغيرت ولم يعد مفهوم السفر الآن كمفهوم السفر لدى الفقهاء قديماً، لأن وسائل السفر صارت مريحة وسريعة؟! لا يصح القول بذلك؛ لأن الحكم الشرعي هنا غير متعلق بوسائل السفر وتطورها، وإنما يتعلق بكون السفر سفراً، وكذلك هنا فإن حكم منع المرأة من الولايات العامة غير متعلق بتطور الإدارة أو تخلفها ووجود المؤسسية أو عدم وجودها، بل يتعلق بكونها امرأة.
من ناحية أخرى؛ فإن تلك المؤسسات مهما بلغ تقدمها الإداري لا بد لها من رئيس واحد يتولى أمرها، حتى لو كان الأمر راجعاً لجمع من ذوي السلطان والتخصص فلا بد لهذا الجمع من رئيس واحد يحكمهم، وهنا يعود الأمر حتى في ولاية المؤسسات المعاصرة إلى الفردية، وإلا فلماذا يحدث الصراع على الرئاسة وتولي الحكم في أكثر البلاد اعتماداً على نظام الحكم بالمؤسسات كأمريكا مثلاً؟! فالتطور في الإدارة من الفردية إلى المؤسسية لا يلغي سلطان الفرد، ولذلك يتميز عهد كل رئيس دولة بسياساته ورؤيته عن غيره من الرؤساء، ومن ثم لا يمكن القول بأن رئيس المؤسسة هو مجرد مشارك لجمع من ذوي السلطان والتخصص، بل هو رئيس – مهما شاركه ذوو التخصص- له صلاحياته الرئاسية الخاصة، والتي تمكنه من التحكم في المؤسسة وتوجيه سياساتها حسب رؤيته وخبراته وشخصيته، ومَن معه مِن ذوي التخصص مهما كثروا لا يمكن أن يقال فيهم إلا أنهم تحت سلطانه، وهذه هي الولاية، وهو المعنى نفسه الذي يقصده الفقهاء، ومن ثم فتطور الحكم من الفردية إلى المؤسسية وإن غيّر من بعض أساليب الولاية إلا أنه لم يغير من معنى سلطان الولاية، وبناء عليه فالحكم الشرعي لا يتغير ما دام معنى الولاية واحداً قديماً وحديثاً.
كما أن تطور الولاية من الفردية إلى المؤسسية أمر نسبي يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال ولا يمكن قياسه، وغير ثابت لأن الفردية والمؤسسية من الأحوال المتأرجحة، فقد تغلب المؤسسية في وقت، وقد تعود الأمور إلى الفردية في وقت آخر، وما كان نسبياً وغير ثابت لا يصلح أن يعلق عليه حكم شرعي كما هو مقرر في علم الأصول، ولذلك لم يرتبط الحكم الشرعي هنا بالفردية والمؤسسية، بل ارتبط بشروط يجب توفرها فيمن يتولى منصباً من مناصب الولايات العامة، ومن هذه الشروط شرط الذكورة. إضافة إلى هذا فإن الدول العربية على وجه الخصوص هي أبعد الدول عن معنى سلطان المؤسسة كما هو معلوم، فالكاتب يتكلم عن مؤسسية غير موجودة في واقعنا.
من ناحية أخرى فإن القضية ليست مرتبطة بتحول نظم الحكم في العصر الحديث من الفردية إلى المؤسسية، بل ترتبط بمنظومة متكاملة من الأحكام الشرعية تحكم وتنظم حياتنا، والواجب مراعاة هذا النظام الإسلامي والحفاظ عليه وعلى تكوينه، لأن الخلل والتهاون في جزء منه يؤدي إلى أضرار كبيرة في المجتمع، ومن ذلك الأحكام التي تنظم حركة المرأة في المجتمع، وتهدف إلى صيانتها وحفظها والإعلاء من كرامتها، وهنا نسأل كيف للمرأة مثلاً – ونحن هنا نتكلم عن المرأة المسلمة لا الغربية – إذا تولت منصب الرئيس أن تحافظ على ما أمرها به الشرع من الحجاب والستر وعدم السفر إلا بمحرم، وكيف تقوم بعقد اجتماعات تقتضي الخلوة برجل؟ وكيف لها أن تقوم بمهامها لو غضب عليها زوجها يوماً وأمرها ألا تخرج من البيت؟ وكيف لها أن تقود الأمة وقت الحرب وهي حامل، أو تباشر مهامها الرئاسية وهي في حال ولادة؟
4- قال الكاتب: (لقد تحدث القرآن الكريم عن ملكة سبأ – وهي امرأة – فأثنى عليها وعلى ولايتها للولاية العامة، فلم تكن العبرة بالذكورة أو الأنوثة في الولاية العامة، وإنما كانت العبرة بكون هذه الولاية مؤسسة شورية).
الجواب: قوله: “فأثنى عليها وعلى ولايتها للولاية العامة” غير صحيح، فأين هو هذا الثناء على بلقيس قبل أن تسلم في الآيات، وما هي ألفظ الثناء؟ بل السياق فيه ذم لها؛ لأنها كانت تعبد هي وقومها الشمس من دون الله، كما ورد الذم لها قبل إسلامها بأنها كانت من قوم كافرين، وكيف نجعل عملها حيث تولت الملك وهي كافرة قبل أن تسلم مصدر تشريع لنا، كما أن الآيات ليس فيها تصويب لتوليها الملك ولا حث على الاقتداء بها في ذلك، بل هي حكاية لواقع أمرها، وكل ما في الأمر هو أخذ العبرة واستفادة الحكمة من حسن تقديرها للأمور وأخذها بالمشورة. وقوله: (فلم تكن العبرة بالذكورة أو الأنوثة في الولاية العامة) مردود بنص الحديث، حيث علل الحديث عدم فلاح دولة الفرس بأنهم ولوا أمرهم امرأة، وهذا يشملهم ويشمل غيرهم وقد سبق بيان ذلك، قال أبو بكر بن العربي: (فِي الصحيح…: “لن يُفلحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمرَهُم امرأَة”، وهذا نَصٌّ في أَنَّ المرأَةَ لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه).
5- قال الكاتب: (من وقائع تطبيقات وممارسات مجتمع النبوة والخلافة الراشدة لمشاركات النساء في العمل العام بدءاً من الشورى… وحتى ولاية الحسبة والأسواق والتجارات التي ولاّها عمر بن الخطاب رضي الله عنه للشِّفاء… وانتهاء بالقتال.. وأيضًا الموالاة والتناصر بين الرجال والنساء في العمل العام… نعتقد أن ما سبق وأوردناه حول هذه القضية…كاف وواف في الردِّ على الذين يمارون في ولاية المرأة للعمل العام).
الجواب: دور المرأة في المجتمع الإسلامي دور عظيم وكبير، ولكن يجب أن يكون منضبطاً بما فرضه الله _تعالى_ على المرأة من الأحكام الخاصة بها، ولا يصح تصوير الأمر على أن منع المرأة من الولايات العامة عائق لتأدية المرأة دورها في المجتمع وإلا كان اتهاماً للشريعة بالاضطراب، وشريعة الإسلام منزهة عن ذلك، والصواب هو أن تقوم المرأة بدورها في المجتمع مع التزامها بالضوابط والأحكام الشرعية، وأن تقوم بدورها الذي وضعه الشرع لها وجعله مناسباً لطبيعتها وتكوينها البدني والنفسي، ولا تتعداه إلى دور الرجل الذي جعله الشرع مناسباً لطبيعته وتكوينه، وهذا هو ما حدث فعلاً في العهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة من مشاركة المرأة في تأسيس الدولة والشورى والمناصحة والمشاركة في بعض الغزوات، فلم يكن في ذلك خروج عن الدور الذي وضعه الشرع للمرأة أو الضوابط التي نظمت حركة المجتمع، ولم يفهم ولم يقل أحد بأن تلك المشاركات التي قامت بها المرأة كانت مناصب وولايات عامة تولتها المرأة.
أما الاستدلال بتولية عمر -رضي الله عنه- للشفاء فلا يصح، قال أبو بكر بن العربي: (وقد رُوِي أَنَّ عمر قَدَّمَ امْرَأَةً على حسْـبَة السُّوق، وَلَمْ يَصحَّ؛ فلا تَلْتَفِتُوا إليه؛ فإنّما هو من دسائس المبتدعة في الأَحاديث)(22).
_________________
(1) ثار الجدل حول هذا الموضوع قبل أشهر، حين فتح باب الترشح لمنصب رئاسة الدولة في مصر، وقامت بعض النساء بمحاولات للتقدم لهذا المنصب، ثم عاد الجدل مرة أخرى في شهر نوفمبر 2005م حول هذا الموضوع، لكنه تركز في نطاق بعض الهيئات الشرعية كمجمع البحوث الإسلامية ومشيخة الأزهر، ويقف وراء إثارة هذه القضية إعلامياً بعض من ناشطات حقوق المرأة، اللاتي لهن توجه علماني، ويرى كثير من المحللين أن هذه الإثارة هي فرقعات إعلامية، ولا علاقة لها بهموم المرأة وقضاياها الواقعية.
(2) هذه الشبهات مذكورة في برنامج إلكتروني على أنها حقائق الإسلام، تحت موضوع النموذج الإسلامي لتحرير المرأة، مبحث ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، والبرنامج اسمه: حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، والاعتراض على هذا المقال لا يعني الاعتراض على جميع البحوث المطروحة في البرنامج، فهو مليء بالبحوث والمقالات المهمة، والتي تجلّي كثيراً من حقائق الإسلام بصورة جيدة، وتدفع كثيراً من الشبهات التي تثار حوله، ولكن يبدو أن كاتب هذا المقال، وهو غير مذكور، تأثر بضغط الدعوات التي تنادي بتولي المرأة ولاية كل شيء من الولايات الصغرى وحتى الولاية الكبرى، ولم يحرر بحثه من لوثات المفهومات الغربية والعلمانية، كما أن موقع المركز المصري لحقوق المرأة استخدم بعض هذه الشبهات للرد على الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق؛ لأنه أصدر فتوى لم يجز فيها تولي المرأة منصب رئيس الجمهورية. ولا يخرج ما يُنشر من شبهات، في الغالب، في الوسائل الإعلامية الأخرى، عما أوردته للرد عليه هنا.
(3) المغني لابن قدامة المقدسي، كتاب القضاء، شروط القاضي.
(4) الأحكام السلطانية، ص 46.
(5) الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله القرطبي المالكي، تفسير سورة البقرة.
(6) الفصل في الملل والأهواء والنحل 4/129.
(7) مجمع الأنهر، لعبد الرحمن بن محمد المشهور بشيخ زاده، كتاب القضاء.
(8) رواه أبو داود وغيره، انظر صحيح سنن أبي داود للألباني، كتاب الأقضية، باب في القاضي يخطئ، رقم 3051.
(9) نيل الأوطار 8/ 264- 265.
(10) رواه أبو داود وغيره، وحسنه الألباني، انظر صحيح سنن أبى داود، كتاب الطهارة، باب المجروح يتيمم، رقم325.
(11) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، تفسير سورة النساء.
(12) تفسير ابن كثير، تفسير سورة النساء.
(13) أخرجه البخاري في صحيحه، رقم 100، ومسلم، رقم: 2673.
(14) نيل الأوطار، كتاب الأقضية والأحكام.
(15) السيل الجرار، ج4، ص 274.
(16) سبل السلام، للصنعاني، كتاب القضاء، حديث رقم 13، ج4 ص 123.
(17) نيل الأوطار، كتاب الأقضية والأحكام، باب كراهية الحرص على الولاية وطلبها.
(18) المرجع السابق.
(19) مجموع الفتاوى، كتاب الفقه، باب الخلافة والملك وقتال أهل البغي.
(20) أحكام القرآن، لابن العربي، تفسير سورة النمل، الآية 23، الآية التاسعة: المسألة الثالثة.
(21) الأشباه والنظائر للسيوطي، ص 527.
(22) أحكام القرآن، لابن العربي، تفسير سورة النمل، الآية 23، الآية التاسعة: المسألة الثالثة.