قال الله _تعالى_ عن المنافقين في سورة البقرة: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ”، وقال _تعالى_ في السورة نفسها: “سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ”.
وهكذا فقد سمى الله _ سبحانه وتعالى_ – الذين يعترضون على أوامره وتشريعاته بالسفهاء – ولا كرامة -. كنت أستحضر ذلك عندما نشرت قبل مدة ليست بالقصيرة مقالاً قلت فيه: [ قال صديقي (وهو يخرج قصاصة لجريدة من جيبه): انظر إلى هذه المقالة… كاتب كتب يعرِّض بوالده ويسفه نفسه وإخوانه، وهو مع ذلك يرى أنه لا يحتاج إلى نصيحة أو إصلاح، ويتبجح بأنه يكتب مقالاته فـي مقهى من مقاهي (المعسل). فقلت له: قد تكون أخطأت الفهم؛ لأن هذا لا يحدث إلا من (طفل كبير) أو من (سفيه)، فإن كان الأمر كما تقول فلا تحدثني عن السفهاء، وقل لهذا السفيه: (إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت) ]. وقد وجدت بعد ذلك من يعترض على تسميتي لهذا الكاتب العاق بالسفيه، ويقول: إنك تسفه الناس وت_تعالى_ عليهم؛ فلو أنك كتبت ما كتبت على وجه النصيحة والملاطفة، لكان أحسن، فلم أجد لذلك جواباً أحسن مما جاء في المثل الشعبي: (أقول: تيس، ويقول: احلبه!).
المشكلة أن كثيراً ممن استمرؤوا الانبطاح لا يعرفون الفرق بين المداهنة والمداراة؛ بل قد يعرفون؛ ولكنهم يريدون أن (ينبسط) منهم (الآخر) ومن يحاكم أوامر الله وتشريعاته وما علم من دين الإسلام بالضرورة إلى عقله ولا عقل، فيفتي بعضهم بما (تهوى الأنفس)، ويرون (مسايرة الركب)، ويقولون (ما يرضي المتنفذين)، ناسين أو متناسين قول الرسول _صلى الله عليه وسلم_: «من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس».
وكأنني بمفكر عربي! منبهر مهزوم مأزوم يقول لي: أنت سطحي مغرق في الأحادية والانعزال عن الواقع، لا تحسن قراءة الأحداث، ألا ترى أن الآخر (الكافر كما تقولون) يحكم العالم بالحديد والنار، النار التي ستحرقك إن لم تمسح حذاء العملاق رغم أنفك، فمن أنت، وماذا قدمت للحضارة العالمية حتى تتحدث بهذا المنطق الأعوج؟! فأقول له ولكل من أخلد إلى الأرض، بل أقول لكل السخرة (سخرة العملاق): أيها السخرة! أليس منكم رجل رشيد؟ لا تكونوا مثل سخرة سليمان _عليه السلام_ – والتشبيه مع الفارق – الذين – ربما لفرط غبائهم أو جبنهم – لم يكتشفوا موته عندما مات فلبثوا في العذاب المهين بعد وفاته فترة من الزمن، وما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته.
وقبل أن يقول المفكر إياه! كما قال (المصلح!) مارتن لوثر قبل عودة وعيه إليه ليكتشف (اليهود وأكاذيبهم)؛ قال: «إننا كالكلاب التي لا مكان لها إلا تحت المائدة لالتقاط الفتات الذي يتساقط من على موائد أربابنا اليهود، فهم السادة ونحن العبيد». أقول: أين أنتم يا من تحسنون قراءة الأحداث، ألا ترون أن العملاق بعد أن اكتشف هشاشة وكلائه من بني جلدتنا، وبعد أن ظهر الخطأ الفاحش في حساباته والفشل الذريع لمحاولة فرض ثقافته ومبادئه بالقوة؛ قد بدأ يترنح ويهتز، حتى وإن رفس بكل قوة، فإنما هي رفسة الموت، وسيخر قريباً إن شاء الله، ولا عزاء للسخرة والمنبهرين ومرضى القلوب الذين لا يزالون في العذاب المهين.
إنني أدعو العقلاء لإنهاء عملية الانبطاح وإيقاف التدحرج نحو الهاوية والعودة إلى وعيهم ورجولتهم ومروءتهم.
وأختم بهذه الآيات الكريمات، لكي يتحسس كل منا قلبه، ويضع نفسه مع أي الفريقين شاء، قال _تعالى_ في سورة المائدة: “فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ”، وقال _تعالى_ في سورة هود: “الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ”.
أما الذين يريدون استئصال شأفة الإسلام والمسلمين بالقوة الغاشمة فنقول لهم (بلغتهم): (it is too late)، لقد فاتت عليكم فرصة كانت سانحة قبل أن يتحصن المسلمون (في العصر الحديث) بحصنين عظيمين، الأول: أقامه مؤسس بناء الجبهة الداخلية للمسلمين الإمام محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله_ (قوة العقيدة وصفاؤها)، والثاني: أقامه مؤسس بناء الجبهة الخارجية للمسلمين الإمام حسن البنا _رحمه الله_ (الاعتزاز بالإسلام والذود عن حياضه والتضحية من أجله)، فلله الحمد والمنة، وهو وحده المستعان.