“يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى” (طه: من الآية66).
هكذا ينظر المؤمنون عامة، والدعاة والمصلحون خاصة إلى خصوم الدعوة، وإلى الذين يبغونها عوجاً، ينظرون إلى الملأ يظنون القوة بأيديهم، ويخيل إليهم أنهم يملكون وسائل القوة كافة: إعلامية ومادية.. وغيرها.
حتى إذا دعت الظروف، وأتاحت المناسبات أن يقع سباق معلن يشهده الكافة، تكشفت الحقائق، فاتضح وبان القوي قوة حقيقة من الضعيف ضعفاً حقيقياً، لكنه كان يوهم الدهماء أنه يملك ويملك، ويستطيع ويقدر. قال فرعون فيما يحكي القرآن على لسانه: “ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ” (غافر: من الآية26)، وقال: “فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى” (غافر: من الآية37)، “وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ” (الزخرف:51، 52)، ونحوها.
لقد حشد فرعون كل ما يمكنه حشده لهزيمة موسى وأخيه هارون حين اضطره سياق الأحداث إلى أن يتظاهر للناس بأنه منصف، وأنه ناصح، حريص على أفكارهم وعقائدهم من موسى الذي يريد تغييرها، والعجيب في الأمر أنه من الوضوح بمكان أن موسى لا يملك قوىً مادية ظاهرة يراها الناس مقابل فرعون ذي الملك والجند والجبروت والمال والسحرة المدربين أرقى تدريب على صنع المناورات والاستعراض والعبث بعقول الدهماء، ومع ذلك خشيه فرعون، والسر في هذا أن فرعون يدرك أي قوةٍ خفيةٍ تقف مع موسى!
كشف موسى _عليه السلام_ تجاهله ذاك بقوله: “لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” (الإسراء: من الآية102)، وقال فرعون حين أدركه الغرق: “آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ” (يونس: من الآية90).
إن فرعون يدرك ويعلم أن موسى نبي، فساق كل ما يملك من القوى إلى ميدان النزال والمعركة الحاسمة.
أهل الباطل، و أصحاب الدعاوى المزخرفة، والوعود الكاذبة، والبرامج الإصلاحية الغريبة، يدركون حين النزال أو المسابقات أو الاقتراعات أمام من يرفع راية الإسلام – عقيدة وشريعة – يدركون أنهم أمام قوة خطيرة، ومكمن خطرها كونها تخاطب الفطرة، وهذا عمق لا يصل إليه من يعلن في أطروحاته ومشاريعه وبرامجه عدواته للفطرة، وخصومته لها، ومصادمته صبغة الله التي صبغ الناس بها من حياء وحشمة.
أبونا آدم – عليه السلام – لمح معصيته لربه، وآلمه ذلك حينما أكل من الشجرة المنهي عنها، فاحتاج إلى الخلاء لقضاء الحاجة، فبدت له عورته، وانكشف لأول مرة – من أجل هذا الغرض – فآذاه الحال التي صار إليها، وحرهُ ألم المعصية؛ لأنها تجسدت في كشف عورته، ففزع إلى ربه تائباً مستغفراً.
ويأتي الآن من ذريته من ينادون بأعلى أصواتهم إلى دفن معاني الحشمة والحياء؛ لأنها – في نظرهم – سلوكيات عفى عليها الزمن، وتجاوزتها الحضارة المعاصرة، ولذا يَعِدون الجماهير بأنهم سيعملون على تحقيق هذه المعاني، ونسوا أن الخيار الوحيد للناس هو الإسلام، ولن يرضوا به بديلاً، حتى المفرطون في تدينهم لا يمنحون ثقتهم، ولا يطمئنون إلا إلى المنهج الشرعي وحملته، وأدبيات الإسلام ودعاته، وقد ظهر ذلك جلياً في كثير من الشعوب الإسلامية حين يتاح لها الإفصاح عن رأيها، وقول كلمة الحق، فتطرح القبلية والإقليمية والجنس، لتصوت وتقترع الناصح القوي الأمين.
فالحمد لله رب العالمين.