الأعداء المجرمون
ذ. عبد الرزاق المصلوحي
هوية بريس – الجمعة 23 غشت 2013م
وأنا أقرأ من سورة الفرقان، وصلت إلى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)}، فتمثل أمامي المشهد السياسي المصري ومسلسله الدامي؛ في هذه الآية الكريمة، وفي عنوان سورتها “الفرقان”، بما فيه من فرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وبما فيه من دلالة فارقة بين العدل والظلم، وبين التوحيد والشرك، وبين الصدق والكذب، وبما فيه من تفرقة بين الشرعية والانقلاب. وبين السلمية والإرهاب.
وقد اقتضت الحكمة الربانية بروز “الأعداء المجرمون” لحرب الأنبياء ومن سار على منهجهم ودعوتهم. وظهور المجرمين للوقوف أمام كل رسالة إصلاحية، والتصدي لكل نهضة بنائية.
وفي ذلك أولا: تمييز بين الحركات الصادقة والحركات الكاذبة، وتفريق بين الدعوات الحقة والدعوات الزائفة. فكل دعوة حقة صادقة يبتلى أصحابها ويفتتن رجالها، فلا يبقى بجوارها إلا العناصر المؤمنة القوية الصلبة المتجردة، التي لا تبغي إلا ظهور دعوة الحق والصلاح. والتي لا تريد إلا وجه الله تعالى، ومن تم يطرد الزائفون والمتذبذبون والكاذبون عنها. ليقع التمحيص والتمييز.
ومن جهة ثانية يكون الابتلاء وتكون التضحيات وقودا للدعوة وتكون الآلام والعراقيل قوة دافعة لرسالة الإصلاح، كما يكون التعذيب والاضطهاد رافعة لراية البناء وبداية لفجر الانتصار. فتمضي الدعوة الإصلاحية في طريقها برجالها الذين ثبتوا عليها واجتازوا امتحانها واختبارها وابتلاءاتها.
هكذا هو المشهد المصري بروزا لفئة من الأعداء المجرمين أمام الشرعية الإصلاحية، أمام شرعية انتخاب الرئيس الدكتور محمد مرسي. ظهر هؤلاء “الأعداء المجرمون” والحقد دفين في قلوبهم “للإخوان المسلمون” بل الحقد والكره في قلوبهم لكل دعوة إصلاحية إسلامية دينية.
لقد برز الأعداء المجرمون في الداخل والخارج المصري من خلال عدة جبهات، وإن كانت جبهة الإنقاذ عفوا “جبهة الأعداء” نقطة بداية الظهور والتجمع، لتنطلق بعد ذلك آلة القمع العسكري، مع آلة التضليل والكذب الإعلامي، وآلة الزييف والتحريف السياسي. بموازاة مع آلة الدعم المالي الخارجي المتمثل في مجرمي السعودية والإمارات والكويت، ومن ورائهم إسرائيل وأمريكا، وغيرهم ممن يتحرك في الظلام والخفاء.
ولا محالة أن بروز الأعداء المجرمين للمصلحين يتطلب حامل لواء الإجرام، وانبعاث شقي الإفساد، الذي يتولى قيادة الأعداء المجرمين وإدارة الخطة الإفسادية. وهنا انبعث الشقي السيسي عبد الفتاح، فتحمل وزر الانقلاب، ومارس فعل الإرهاب، فقتّل وللأرواح أزهق، ونكّل وللجثث أحرق، وعذّب وللباس الطهر مزق. فسالت الدماء الطاهرة، وأحرقت المساجد الفاخرة، وفضّت الاعتصامات وعلى رأسها رابعة، وأغلقت قنوات دينية وفتحت السجون بعد الاعتقالات الجائرة، وهدمت بيوت ومنازل عامرة، وهددت أقلام حرة باهرة.
إن المجرمين لا يعيشون إلا في الفساد، ولا تتنفس أرواحهم إلا في جو منتن من الفساد، كما أن بعضا من الحشرات تختنق برائحة الأزهار العبقة، فلا تستطيع العيش إلا في القاذورات، وبعضا من الديدان يموت في الماء الطاهر الجاري، فلا تستطيع الحياة إلا في المستنقع الآسن، وكذلك المجرمون يتعطشون للدماء ويتنفسون الكذب عوض الهواء، عندهم المنكر معروفا والمعروف منكرا. شعارهم “أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون”.
لا يريدون الصلاح والإصلاح بل الفساد والإفساد، ولا يحبون شرعية الانتخاب بل سطوة الانقلاب، لا يعرفون الرحمة والرفق والكتاب، إنما منطقهم العنف والقسوة والإرهاب، ولا يتكلمون لغة الحوار والتفاهم والنقاش، وإنما يجيدون لغة السيف والبطش والقتل بمنقاش السلاح.
لقد ظهر المجرمون الأعداء على مسرح الجريمة المصرية، واستبان انقلابهم وإرهابهم، حتى لمن انخدعوا بهم في بداية الأمر، وظهر ما في صدورهم من الحقد والكراهية لعموم الشعب المصري.
فليعلم هؤلاء المجرمون الأعداء جميعا، أن الحق حق، وأن التاريخ ناطق وأن حكم الله وأمره نافذ، وحكمته تعالى بالغة، وأن كل كتاب له أجل مسمى، وها قد ظهرت عداوة أهل الإجرام، وبالمقابل تجلت بسالة وثبات أهل الإكرام، فالنصر قادم قادم، لدعوة الحق المنتصرة في النهاية، لأنها دعوة قائمة على الحق، متوافقة مع روح الفطرة، منسجمة مع خط الحياة، متكاملة مع جمال الكون، متجهة إلى الأفق الكريم الوضيء الذي تتصل فيه بالله تعالى، والذي تبلغ عنده الكمال المقدر لها، والذي يتولى هدايتها ونصرها، كما قال سبحانه وتعالى في تتمة الآية:{وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا(31)}.