الرأي – رصد

انتهى أمس تقديم اللوائح الحزبية المشاركة في انتخابات البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) الـ24 التي ستجري في مارس/ آذار المقبل، وتبدو المنافسة فيها بين معسكر نتنياهو ومعسكر مناوئيه في اليمين متكافئة، مما ينذر باستمرار حالة التعادل والذهاب لانتخابات عامة خامسة في غضون عامين ونصف .

ومن بين المتغيرات هذه المرة تفكك القائمة العربية المشتركة مرة أخرى نتيجة خلافات سياسية وحزبية أججتها المنافسات الشخصية والنجومية. وقدمت القائمة المشتركة بصيغتها الجديدة لائحة مرشحيها أمس وهي مكونة من الكتل الثلاث: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحزب الشيوعي، والتجمع الوطني الديمقراطي والحركة العربية للتغيير. أما الحزب الرابع، القائمة العربية الموحدة (الحركة الإسلامية – الشق الجنوبي) فيستعد لخوض الانتخابات لوحده معززا بدعم بعض الشخصيات منها مازن غنايم رئيس بلدية سخنين السابق الذي انشق بذلك عن حزبه الأصلي- التجمع الوطني الديمقراطي.

يشار الى أن القائمة العربية المشتركة ولدت عام 2015 بعد توحيد الأحزاب الأربعة عقب رفع نسبة الحسم إلى 3.5 % حيث كان ذاك الرفع يهدها بسقوطها لو خاضت كل منها الانتخابات منفردة. ووقتها جاء رفع نسبة الحسم بمبادرة من رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان بغية ضرب الأحزاب العربية وإسقاطها فكانت النتيجة كيدا مرتدا عليه، حيث شكلّت هذه الأحزاب “القائمة المشتركة ” وحازت على 13 مقعدا وحظيت باهتمام فلسطيني وعربي وعالمي في ظل ارتفاع قوة التمثيل العربي وارتفاع احتمالات التأثير على صناعة القرار المحتكرة من قبل الأحزاب الصهيونية.

غير أن القائمة المشتركة تفككّت في نهاية 2018 بعدما عصفت بها عدة مشاكل داخلية منها أزمة التناوب وخروج النائب السابق باسل غطاس منها عقب اعتقاله وإدانته بتهريب هواتف للأسرى خلال زيارتهم لهم عام 2017 . وخاضت الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة برئاسة أيمن عودة والحركة العربية للتغيير برئاسة أحمد الطيبي الانتخابات بقائمة واحدة في انتخابات ربيع 2019 وحازت على ستة مقاعد، أما الحركة الإسلامية بقيادة منصور عباس والتجمع الوطني الديمقراطي فخاضا الانتخابات بقائمة مشتركة حازت على أربعة مقاعد فقط. وفي أيلول/ سبتمبر 2019 عادت واتحدث مكونات المشتركة وفازت بـ 13 مقعدا وفي الانتخابات الرابعة في ربيع 2020 حازت المشتركة على 15 مقعدا وهذا رقم قياسي غير مسبوق للتمثيل العربي في الكنيست لكنها “فرحة ما تمت” فقد وصلت نهايتها أمس نتيجة عدة عوامل.

من فكك المشتركة؟

وهل فعلا نجح رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتفكيك المشتركة بعدما وعد رئيس كتلة الحركة الإسلامية منصور عباس بتلبية مطالب المجتمع العربي مقابل التعاون معه داخل البرلمان؟ هذه مزاعم يرويها الإعلام العبري ويكررها بعض الأوساط السياسية والإعلامية العربية لدواع مختلفة، غير أن حقيقة التفكيك مختلفة وأكثر عمقا… فهل كانت ستبقى المشتركة موحدة لو كان نتنياهو غير موجود سياسيا؟ ومن فككها في المرة الأولى في ربيع 2019؟

في الواقع فإن من فككها هي ذاتها وتتحمل المسؤولية مركباتها الأربعة: عدم إدارة الاختلافات السياسية والاجتماعية (كالاختلاف الصاخب حول الموقف من المثليين)، وفقدان برنامج العمل الجماعي منذ ولدت في2015 وطغيان النجومية وقلة خبرة كثيرين من قادتها وخيبة الأمل الكبيرة الناجمة عن انقلاب رئيس ” أزرق – أبيض” بيني غانتس عليها) رفعها سقف التوقعات منها بعد نجاحها الكبير) والخلااف السياسي حول طروحات منصور عباس الذي يقول إنه لم يعد هناك يمين ويسار في إسرائيل وإن هناك حاجة لإبداء مرونة وبراغماتية في التعامل مع كل الأطراف السياسية الفاعلة وفقا لمدى تلبيتها مطالب فلسطينيي الداخل وغيرها.

يشار في هذا السياق الى أن الحركة الإسلامية الجنوبية (بصرف النظر عن الاتفاق معها أو معارضتها) منذ دخلت الكنيست في 1996 وهي تبدي البراغماتية والوسطية. منذ تشكلت الحركة الإسلامية في أراضي 48 في نهاية سبعينيات القرن الماضي لم تشارك في انتخابات الكنيست حتى انتخابات 1996 حيث انقسمت بين حركة إسلامية شمالية بقيادة الشيخ رائد صلاح الرافض للمشاركة في الانتخابات وشّق جنوبي بقيادة مؤسس الحركة الأم الشيخ الراحل إبراهيم نمر درويش، الذي دفع نحو المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية منطلقا من مقولته بأن فلسطينيي الداخل يقيمون داخل “بطن الحوت” ولا بد من سياج يحمي بقاءهم وتطورهم من خلال المشاركة في السياسة الإسرائيلية.

وجاءت أقوال درويش وقتها عقب خروجه من السجن بعد قضائه حكما بتهمة الانتماء لتنظيم عسكري سري محظور يدعى “أسرة الجهاد” بتأثير المد الإسلامية الناجم عن ثورة الخميني في إيران.

نتنياهو مقابل بيريز

وغداة فوز بنيامين نتنياهو برئاسته الأولى للحكومة متغلبا على شيمعون بيريز قال النائب عن كتلة الحركة الإسلامية الشق الجنوبي المحامي عبد المالك دهامشة: “نحن مستعدون للتعاون مع حكومة نتنياهو بهذا الشكل او ذاك في حال لبّت مطالب المجتمع العربي” . ولاحقا في 1998 تغيب دهامشة ونواب العربية الموحدة عن اجتماع للكنيست للمصادقة على الميزانية مقابل إلغاء ضريبة الأملاك التي أثقلت كاهن أصحاب الأراضي والفلاحين العرب، علاوة على الاعتراف بعدة بلدات عربية. وجاء هذا بعد خمس سنوات على تجربة دعم خارجي لحكومة رابين من قبل الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحزب الديمقراطي العربي لتأمين المصادقة على اتفاق اوسلو في 1993.

ولاحقا تكررت تجربة مماثلة بدعم نواب القائمة العربية الموحدة (الحركة الإسلامية) وغيرهم لقرار رئيس حكومة إسرائيل أرئيل شارون بالانسحاب من غزة عام 2005 .

تحدي التعددية

وليس مفهوما أن يعمل الإسلامي والشيوعي والقومي والوطني في اطار سياسي واحد خاصة في فترة التشظي العربي والفلسطيني الراهنة وإتقان التعددية وصيانتها في إطار واحد يحتاج لتدابير وصمامات امان للبقاء موحدّين وهذه مفقودة. ويبدو أن المخرج الحقيقي الوحيد الذي يقلص حجم الأضرار ويحفظ ماء وجه القائمتين التوأمتين هو الالتزام بنقاش سياسي محترم مع اتفاق فائض أصوات على أمل أن تحصلا منفردتين أكثر مما يحصله مجموع الكتل الأربع 10-11 مقاعد وفقا لاستطلاعات رأي كثيرة لأن التراشق والطعن والتحريض فنتيجته واحدة: غرق جماعي وتكرار تجربة ربيع 2019 حينما عاقب فلسطينيو الداخل أحزابهم بالعزوف عن التصويت. وهذه المرة هناك مخاوف من تكرار سيناريو العزوف عن التصويت رغم أن ذلك هو عقاب للأحزاب العربية وعقاب ذاتي للمجتمع العربي الفلسطيني في الداخل المحتاج للمزيد من أوراق الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتلبية مطالبهم وحل مشاكلهم الملحة جدا.

ويتفق عدد من المتابعين على احتمال تحقق مثل هذا السلوك المزاجي بالعزوف عن المشاركة في الانتخابات بخلاف الشارع اليهودي الذي لا يقوم بذلك رغم الانقسامات الكبيرة داخل الأحزاب الصهيونية، بالعكس إذ تظهر الاستطلاعات أن نسبة التصويت لدى أصحاب حق الاقتراع اليهود سترتفع مقابل هبوطها عند العرب من 64 ٪ إلى 45 ٪ .

. للتذكير حصل مثل هذا “العقاب الذاتي” برأي جهات عربية غير قليلة عندما عزف الناخبون العرب عن التصويت في انتخابات 1996 على خلفية توّرط حكومة بيريز بمجزرة قانا الأولى في لبنان، فكانت النتيجة أن تغلب نتنياهو عليه بفارق29 ألف صوت فقط.

كما يتفق مراقبون أن القائمة المشتركة حملت أملا لكل الفلسطينيين كونها عنوانا للوحدة في عصر الفرقة، علاوة على دورها في التأثير على وعي الفلسطينيين في الداخل والمساهمة في صياغتهم كأقلية قومية والتأثير على الجانبين الإسرائيلي والدولي ودفعهما للتعامل معهما بجدية أكبر. وعلى المستوى العملي ساهمت المشتركة في دفع الحكومة الإسرائيلية للمصادقة على خطة اقتصادية (922) لمساواة الحكم المحلي العربي من ناحية الميزانيات، وكذلك ساهمت في إسقاط بعض مشاريع القوانين العنصرية منها حظر صوت الأذان.

Next Page >