ضيف “عربي21”: مقابلة مع الروائي المصري عز الدين فشير

ضيف "عربي21": مقابلة مع الروائي المصري عز الدين فشير

عز الدين شكري فشير قال إنه لم يعد متأكدا من أن (باب الخروج) قريب كما كان يظن في روايته الأشهر

قال الروائي والدبلوماسي المصري، عز الدين شكري فشير، إن الواقع في مصر الآن تجاوز الخيال في رواية “باب الخروج” التي كتبها عام 2011، والتي استلهمت ثورة يناير، واستشرفت الكثير من الأحداث التي وقعت لاحقا.

 

ونوه إلى أنه حينما نشر تلك الرواية “انزعج الكثيرون منها، بزعم أنها كانت مُغرقة في التشاؤم، لكنني اليوم أرى أنني كنت متفائلا أكثر مما ينبغي”.

وتعدّ رواية “باب الخروج” من بين أهم وأشهر الروايات المصرية التي تطرقت لأوضاع مصر في أعقاب اندلاع ثورة يناير؛ حيث تضمنت العديد من النبوءات للأحداث المستقبلية التي تحقق قسم كبير منها بالفعل، مرتدية ثوب “الواقعية القاسية”، لكنها في الوقت نفسها تمسكت بالأمل في نهاية المطاف الذي كانت قد حددته في عام 2020، والذي قالت إنه سيشهد النصر الحتمي رغم الأزمات وتدهور الأوضاع بشكل كبير.

وأشار فشير، في مقابلة خاصة مع “ضيف عربي21“، إلى أنه كان يأمل في أن “الانفجار الحادث بكل تداعياته السلبية سيفضي إلى إدراك كل الأطراف السياسية والعسكرية مواطن قصورهم، الأمر الذي يدفعهم إلى تصحيح الأخطاء التي وقعوا فيها، وبالتالي فإنهم يتوقفون عن سلوكهم المُدمر، لكن هذا لم يحدث للأسف، ولم تخرج مصر من أزمتها”.

وعلى النقيض من “النهاية السعيدة” لروايته الأشهر، أكد فشير أنه الآن لا يعرف ما إذا كانت مصر ستجد “طاقة نور” في نهاية النفق، متابعا: “كنت أعتقد حينها أن النهاية ستكون سعيدة، وقلت إنني أكاد أراها أمام عيني، إلا أنه مع مرور الوقت وفي ضوء ممارسات جميع الأطراف يمكن القول إنني ربما أخطأت في هذا التفاؤل، ولم أعد متأكدا من أن (باب الخروج) قريب كما ظننت”.

 

[wpcc-iframe src=”https://www.youtube.com/embed/zkK4ED0l-7s” allowfullscreen=”allowfullscreen” width=”400″ height=”225″ frameborder=”0″]

وفي ما يأتي نص المقابلة مع “ضيف عربي21“:

لم أتابع الإعلان عن هذه الجوائز. لقد عملت لفترة 4 أشهر كأمين عام للمجلس الأعلى للثقافة عام 2011، وحينها قدمت مشروعا يعيد النظر في جوائز الدولة، لأنني أرى أنه من الجيد أن تقدم الدولة دعما ماديا ومعنويا للثقافة والأدب، لكن الجوائز لا يجب أن تصدر من الدولة، بل من مؤسسات أدبية مستقلة. فطالما أنها “جائزة دولة” ستظل تحكمها اعتبارات متعلقة بسياسات وتوجهات هذه الدولة.

تشكيل المجلس الأعلى للثقافة نفسه – الذي يمنح هذه الجوائز – يعكس توجهات الدولة، واختيار الفائزين يأتي في هذا السياق، ويكون العامل الحاسم هو مزيج من رضا الدولة عن الكاتب و”الشللية” التي تحكم تبادل المنافع في الوسط الثقافي، لا مدى جودة العمل أو إسهام الكاتب.

بينما إذا نظرت إلى جائزه البوكر العربية، فستجد أن هناك دعما حكوميا لها، لكنها في النهاية مؤسسة مستقلة، وتعتمد على لجان تحكيم تتغير كل عام، وأعتقد أن هذا النظام أفضل من نظام جوائز الدولة؛ فما معنى منح حكومة جائزة أدبية بينما هي لا تقرأ الأدب من الأساس؟



لأنني لم أتقدم مطلقا للحصول على مثل هذه الجوائز. القاعدة في جوائز الدولة المصرية أن يتقدم الكاتب بنفسه للنظر في إمكانية حصوله عليها، وأنا أرى أنه من غير المقبول أن يرشح الإنسان نفسه لنيل الجوائز، لأنه من المفترض أن هذه الجائزة عبارة عن تكريم للأدباء من أقرانهم ومن النقاد لا سعيا من الكاتب لإثبات جدارته بها، والضغط على الآخرين من أجل التصويت له كما هو الحال مع جوائز الدولة المصرية.

المرة الوحيدة التي كان سيتم ترشيحي فيها لنيل إحدى جوائز الدولة حدثت وأنا أمين عام للمجلس الأعلى للثقافة عام 2011. وكان الكاتب والروائي خيري شلبي في لجنة التحكيم، وإذا به يقول لي بشكل مفاجئ: كنت سنقع في خطأ، لأننا قمنا بترشيحك للحصول على إحدى جوائز الدولة ثم اكتشفنا أنك تعمل كأمين عام للمجلس الأعلى للثقافة، وهذا أمر أثار دهشتي واستغرابي، وقلت: هل هذا معقول؟ وهل اكتشفتم اليوم أنني كاتبا رغم أنني كنت أكتب قبلها بفترة ثم فجأة اكتشفتم أيضا إنني أمين عام؟ وطبعا رفضت الأمر إجمالا.

لا أعرف تحديدا، إلا أن دور النشر العالمية غالبا ما تنظر إلى الأدب العربي باعتباره مُمثلا ثقافيا وسياسي للعالم العربي أكثر منه أعمالا تشكل جزءا من حركة الأدب العالمي. ولهذا لا يغيب الأدب العربي تماما عن الجوائز العالمية، لكنه يظل محصورا للأسف في هذه الخانة.

لا أظن ذلك؛ فلا أعتقد أن هناك قواعد بعينها لهذه الجوائز سوى جودة النص وملامحه، خاصة أن هذه الجوائز عادة ما تُمنح لأعمال نشرت بالفعل ونجحت لا كحافز للكتابة في المستقبل. ربما هناك كُتّاب يقومون بالكتابة وأعينهم على الجوائز – محلية كانت أو عالمية – لكن هذه مسألة تختلف عن الاعتقاد بأن الجوائز العالمية تفرض قواعد للكتابة.

الجوائز العالمية تهتم بالأساس بالنص، في ظني. بعد ذلك يتم النظر لشخص الكاتب للتأكد من أنه مثلا ليس مُحرّضا على العنف والكراهية أو معاديا للسامية أو للمرأة أو عنصريا إلى آخر ذلك. إلا أن الإسهام الأدبي هو أساس الحصول على الجائزة. بقية الأشياء تكميلية.

ليست هي الأكثر قربا إليّ، لكني سعيد بالحالة التي حققتها، وباحتفاء الناس بها.

أعتقد أن هذا صحيح بالطبع، حيث إنها لاقت رواجا جماهيريا، وجعلت قطاعات أكبر من الناس تتعرف على كتابتي، إلا أنني أتمنى ممَن يتعرف عليّ من خلال إحدى الروايات أن يدفعه فضوله إلى قراءة رواية أخرى لي أيضا لعله يجد جانبا آخر يُعجب به؛ فليست كل الروايات متشابهة.. أو هكذا أتمنى.

هذه مشكلة حقيقية، خاصة حينما يصبح الواقع سرياليا بهذا الشكل المؤسف؛ فيوميا أقرأ أخبارا في الصحف كان يمكن أن تكون في مواقع هزلية وساخرة، وليس مواقع إخبارية. هذه أمور غريبة للغاية، وهذا يجعل الكاتب في حالة تخبط على حد ما، إلا أنه في الوقت ذاته يفك القيود؛ فكلما يزداد العبث في الواقع يصبح القارئ أكثر تقبّلا للخيال الروائي، لأن الواقع نفسه أصبح عبثيا.

الواقع تجاوز “باب الخروج” في بعض الأمور، لكنه لم يتجاوزها في أمور أخرى كثيرة؛ فهي تحدثت عن 17 ألف قتيل في نقطة معينة، والحمد لله لم نصل إلى هذا الرقم. وحينما نشرت هذه الرواية في حزيران/ يونيو 2012، انزعج الكثيرون منها، بزعم أنها كانت مُغرقة في التشاؤم، لكنني اليوم أرى أنني كنت متفائلا أكثر مما ينبغي.

بالتأكيد كنت سأدخل تعديلات عليها، لكن التغييرات ستكون للأسوأ وليس للأفضل بكل أسف، خاصة أنني كنت متفائلا بشأن قطاعات معينة من الناس، لكنني صُدمت بهم لاحقا.

بالطبع، المجتمع هو الطرف الوحيد الذي دائما ما يدفع الثمن، وكلما قلّت قوتك السياسية والاقتصادية في المجتمع زادت فاتورة تحملك لثمن الاستبداد والفساد، وهذا هو الحال في كل المجتمعات: السياسيون والأثرياء هم أقل الناس دفعا للثمن.

منذ فترة طويلة جدا، وأنا أرى أن أزمة مصر الحقيقية هي “أزمة حضارة” وليست “أزمة إدارة” فقط، لأننا نعاني من مشاكل عميقة ومتجذرة في عمق المجتمع المصري بأكمله، ولذلك لا نجد تغيرا جوهريا في المجتمع، رغم تغير وتعاقب الرؤساء والأنظمة الحاكمة، بل ربما تتفاقم الأزمات أكثر مع تغير الحكام، وهذا أكبر دليل على أن الأزمة هي “أزمة حضارة”، وبالتالي فنحن نحتاج لنظرة أشمل وأعمق لهذه القضية، كي نصل إلى حل حقيقي لأزماتنا وليس حلا وهميا.

وقتها كانت خروجا لمصر كلها، بما فيها عز الدين شكري فشير، والعسكر، وبكل مَن فيها. لقد كانت أملا في أن الانفجار الحادث بكل تداعياته السلبية، وبكل القصور الذي أتضح وجوده لدى كل الأطراف، إسلاميين كانوا أم عسكريين أم ليبراليين أم يساريين أم غيرهم، سيؤدي خلال عدد قليل من السنوات إلى إدراك هذه الأطراف لقصورها وللأخطاء التي وقعت فيها، ولقيمة احتياجها للتعايش مع الآخرين، وبالتالي تتوقف عن سلوكها المُدمر، وتتبنى سلوكا أكثر تعاونية وانفتاحا على الآخر، لكن للأسف هذا لم يحدث، وبالتالي فإن مصر لم تخرج من أزمتها، وما زال باب الخروج بعيد المنال، لأن كل الأطراف لا تزال أسيرة لنفس الحالة التي كانت عليها عام 2011 و2013، وطالما أنها لا تزال واقفة عند هذه النقطة فهي لن تخرج من أزمتها. وبالتالي فقد خرج عز الدين وحده بعدما أدرك أنه لا يستطيع فعل شيء.

حقيقة أنا الآن لا أعرف. كنت أعتقد حينها أن النهاية ستكون سعيدة، وقلت وقتها إنني أكاد أراها أمام عيني، إلا أنه مع مرور الوقت، وفي ضوء ممارسات جميع الأطراف أتساءل عن ما إذا كنت أخطأت في هذا التفاؤل؛ وحقيقة لم أعد متأكدا من أن “باب الخروج” قريب كما ظننت.

Source: Arabi21.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *