تتبع كلمة ( النفس ) في القرآن الكريم, والسياق الذي جاءت فيه وأنواع النفس المطمئنة – اللوامة – الامارة بالسوء

 

 

وقال ( ابن خالويه ): النفس الروح, والنفس الدم, قال ( ابن بري ) : النفس الروح, والنفس ما يكون به التمييز وشاهدهما قوله تعالى : (( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها…)) الزمر : 42.

فالأولى هي التي تزول بزوال الحياة , والنفس الثانية التي تزول بزوال العقل.

وإنما سمي الدم نفسا ً لأن النفس تخرج بخروجه, وفي الحديث: (( ما ليس له نفس سائلة فإنه لا ينجس الماء.))

وتأتي النفس بمعنى الأخ, قال تعالى (( فإذا دخلتم بيوتا ً فسلموا على أنفسكم..)) النور 61

وتأتي النفس بمعنى عند, قال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام ( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك )) المائدة 116

أي : تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك . والأجود أن النفس هنا بمعنى الغيب.

أي : تعلم غيبي ولا أعلم غيبك, بدليل الآية (( إنك أنت علام الغيوب )).

والعرب جعلوا النفس التي يكون بها التمييز نفسين : نفس تأمره بالشيء ونفس تنهاه عنه وذلك عند الإقدام على امر مكروه, فجعلوا التي تامره نفسا ً والتي تنهاه كأنها نفس أخرى.

والنفس يعبر عنها عن الإنسان كقوله تعالى (( أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله )) وقوله : (( واتقوا يوما ً لا تجزي نفس عن نفس شيئا ً ولا يقبل منها شفاعة )) البقرة 48

وقال تعالى (( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ..)) الإسراء 33

وتطلق على ذات الله تعالى (( ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير)) آل عمران 28

وقال تعالى ( ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد)) آل عمران 31 أي يحذركم إياه .

………………………………………………………………………….

وردت كلمة النفس ( ومشتقاتها ) في القرآن الكريم ( 196 ) مرة. انظر المعجم المفهرس لفؤاد عبد الباقي.

 

روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ((  لك إنسان  نفسان نفس العقل الذي به التمييز, والأخرى نفس الروح الذي به الحياة ))

قال الأنباري :  من علماء العربية (( من قال : إن النفس هي التي بها العقل, فإذا نام الإنسان قبض الله نفسه ولم يقبض روحه, ولا يقبض الروح إلا عند الموت ))

قال ( الزجاج ) : (( لكل إنسان نفسان نفس التمييز وهي التي تفارقه إذا نام فلا يعقل بها والأخرى نفس الحياة, فإذا ما زالت زال معها ( النَفَس) والنائم يتنفس. وهذا الفرق بين توفي نفس النائم في النوم وتوفي الحي, ونفس الحياة هي الروح.

وقول ( الزجاج ) هذا يشبه قول ابن عباس السابق.

والعرب تقول: رأيت نفسا ً واحدة فتؤنث, وكذلك نفسين فإذا قالوا رأيت ثلاثة أنفس يذكرون, وقد يجوز التذكير والتأنيث في الواحد والإثنين. قال ( سيبويه ) وقالوا : ثلاثة أنفس يذكرون, النفس عندهم إنسان فهم يريدون به الإنسان ( 1 ) .

قال ( الجوهري ) النفس الروح, يقال خرجت نفسه, والنفس الدم وفي الحديث (( ما ليس له نَفْس سائلة فإنه لا ينجس الماء إذا مات فيه ))

والنفس الجسد , قال الشاعر:

نبئت أن بني سحيم ادخلوا                           أبياتكم تامور نفس المنذر

وقولهم ثلاثة أنفس فيذكرون لأنهم يريدون الإنسان : قال ( ابن عطيه ) : 8/2:

ومن قال أن المرأة قالت (( وما أبرئ نفسي ….)) يوسف : 53 .

فوجه كلامها ( الاعتذار ) عن وقوعها فيما يقع فيه البشر من الهفوات, كأنها قالت: وما هذا ببدع ولا ذلك بنكير على البشر فابري نفسي منه. و النفوس أمارات بالسوء مائلة إليه.

وقوله تعالى : (( ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ) يوسف 68

بمثابة قوله : لم يكن في ذلك دفع قدر الله.

يقول صاحب ( تاج العروس ) : الزبيدي مادة نفس:  ومن المجاز النفس الدم, يقال مالت نفسه.

قال السموأل :

تسيل على حد الظبأة نفوسنا                                   وليست على غير حد الظبأة تسيل

والنفس العين التي تصيب المعين, وهو مجاز, يقال: نفسته بنفس أي أصبته بعين, ورجل نافس عائن, وهو منفوس أي معيون.

والنفس قدر دبغة, قال الأصمعي : بعثت امرأة من العرب بنتا ً لها إلى جارتها فقالت لها: تقول لك أمي : أعطيني نفسا ً أو نفسين أمعن به منيئتي فإنى آفدة : أي مستعجلة لا أتفرغ لاتخاذ الدباغ.

 

 

………………………………………..

 ( 1 ) كل ما تقدم في ( لسان العرب ) مادة نفس.

 

وقال ابن الأعرابي : النفس العظمة والكبر, والنفس العزة, والنفس الأنفة والنفس الغيب, وهو عندي مجازي. وقد تحصل من كلام المصنف رحمه الله تعالى خمسة عشر معنى:

1 – الروح 2 – الدم 3 – الجسد 4 – العين 5 – العظمة 6 – عين الشيء  7 – قدر دبغة 8 – العزة 9 – الهمة 10 – الأنفة 11 – الغيب 12 – الأرادة 13 – العقوبة 14 – الإنسان 15 – الأخ

وقال ابن عرفة : إن النفس يعني أهل الإيمان والشريعة , قال تالى : ( … ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ً ..) التوبة : 12 أي بأهل الإيمان وأهل شريعته

أقول : ومن الغريب بعد كل هذه المعاني للنفس أن ينفرد بعض الشيعة في تفسيرها في قوله تعالى (( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبية)) أن أنفسنا هنا تعني ( علي ابن أبي طالب ) وهي الآية المعروفة بـ ( المباهلة ). وقالوا : إن الإنسان لا يدعو نفسه وإنما يدعو غيره واجمعوا ( 1 ) على أن الذي هو غيره ( علي ابن أبي طالب ) فدلت الآية على أن نفسه نفس الرسول, ولا يمكن أن يكون عينها فالمراد مثلها وذلك يقتضي العموم, إلا أنه ترك في حق النبوة الفضل العام لقيام الدليل, ودل الاجماع على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل من سائر الأنبياء, ويلزم أن يكون ( علي ) كذلك …

أي أفضل من جميع الأنبياء, عدا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأجاب الرازي ( 2 ) رحمه الله تعالى رادا ً عليهم: بأن الأجماع منعقد على أن النبي أفضل ممن ليس بنبي, وعلي لم يكن نبيا ً فلزم القطع بأنه مخصوص في جميع الأنبياء.

وقال الرازي في قولهم : (( الإنسان لا يدعو نفسه )) إنه قول فاسد بل يجوز للإنسان أن يدعو نفسه, تقول العرب : دعوت نفسي إلى كذا فلم تجبني, وهذا يسميه ( أبو علي ) وهو من علماء العربية: ( بالتجريد ) واما قولهم :

واجمعوا على ان الذي غيره ( علي ) فليس بصحيح بدليل الأقوال الأخرى التي سبقت في المعنى : كقوله ( وأنفسكم ) يعني الأخوان في قوله تعالى (( ولا تلمزوا أنفسكم )) أي أخوانكم .

قال ابن قتيبة . وقيل أهل دينه وشريعته . قاله أبو سليمان الدمشقي وأبن عرفة .

قال تعالى : (( …. ظن المؤمنون والمؤمنات بانفسهم خيرا ً .)) أي بأهل الإيمان وأهل شريعتهم ( 3 ) .

والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال .

قال السهيلي في الروض الأنف : كثرت الأقاويل في النفس والروح, هل هما شيء واحد أو النفس غير الروح ؟ وتعلق قوم بظواهر من الأحاديث النبوية تدل على أن الروح النفس كقول بلال رضي الله تعالى عنه (( أخذ بنفسك ؟ )) مع قوله صلى الله تعالى عليه وسلم (( إن الله قبض أرواحنا )) وقوله تبارك وتعالى (( الله يتوفى الأنفس حين موتها ))

والمقبوض هو الروح .

 

……………………

( 1 ) إجماعهم هم …..!

( 2 ) الرازي هو أحمد بن فارس زكريا القزويني الرازي أبو الحسين من أئمة اللغة والأدب .

) 3 ( تفسير البحر المحيط لابن حيان الاندلسي .

 

 

 

ولم يفرقوا بين القبض والتوفي في قوله تعالى (( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ))

فقوله تعالى (( والتي لم تمت في منامها )) هي النفس المرسلة والأولى هي المقبوضة ( الروح ) كما في قوله تعالى عن نبيه ( عيسى بن مريم ) عليه الصلاة والسلام ( فلما توفيتني …) أي نومتني عند جمهور العلماء القائلين بحياته عليه الصلاة والسلام وأنه لم يمت.

وألفاظ الحديث محتملة التأويل, ومجازات العرب واتساعاتها كثيرة .

 والحق أن بينهما فرقا ً :

 ولو كانا اسمين بمعنى واحد ( كالليث والأسد ) لصح وقوع كل واحد منهما مكان صاحبه كقوله تعالى ( ونفخت فيه من روحي ) الحجر 29 .

ولم يقل من نفسي

وقوله تعالى (( تعلم ما في نفسي …) ولم يقل في روحي .

وقوله تعالى (( ويقولون في أنفسهم …)) الزمر : 56 ولا يحسن أن يقولوا في أرواحهم.

ويقول تعالى (( أن تقول نفس …)) ولم يقل أن تقول روح .

ويدل على ذلك ما رواه ( ابن عبد البر ) في (( التمهيد )):

( إن الله خلق آدم وجعل فيه نفسا ً وروحا ً ))

فمن الروح عفافه وفهمه وحلمه وسخاؤه ووفاؤه, ومن النفس شهوته وطيشه وسفهه وغضبه.

فلا يقال النفس هي الروح على الأطلاق حتى تقيد, ولا يقال في الروح هي النفس حتى تقيد.

ثانيا ً: ( النفس عند علماء التفسير وفي أقوال الصحابة والتابعين – رضوان الله عليهم – )

جاء في تفسير ( ابن عطية ) ج 1 ص 283 قوله :

( النفس بمعنى الإنسان ), قال تبارك وتعالى (( واتقوا يوما ً لا تجزي نفس عن نفس شيئا ً )) البقرة : 48 أي لا تغني ولا تكافئ.

رد الله بهذه الآية على اليهود الذين قالوا : نحن أبناء الله وأبناء أنبيائه وسيشفع لنا آباؤنا فأعلمهم الله أن يوم القيامة لا تجزي نفس عن نفس شيئا ً. وكذلك يقول الله تعالى (( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه )) البقرة: 130 أي يزهد فيها ويربأ بنفسه عنها .

وقال تعالى (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة )) النساء : 1

المراد بالنفس شخص آدم عليه السلام, والدليل قراءة أبي عبلة ( من نفس واحدة )

النفس المطمئنة :

 ذكروا ثلاثة أقوال : 1 – المؤمنة   2 – الراضية بقضاء الله   3 – الموقنة

قال تعالى : (( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية …) الفجر : 27

قال القرطبي: في ( الجامع لأحكام القرآن ) ج 20 ص 57 – 58

النفس المطمئنة : الساكنة أو المطمئنة بثواب الله, وقيل المخلصة .

وقال ( عمرو بن العاص ) رضي الله عنه : ( إذا توفي المؤمن أرسل الله إليه ملكين وأرسل معهما تحفة من الجنة فيقولان له: أخرجي أيتها النفس المطمئنة راضية مرضية ومرضيا ً عنك, أخرجي إلى روح وريحان ورب راض ٍ غير غضبان فتخرج كأطيب ريح مسك .

ومعنى : ( ربك ) أي صاحبك وجسدك, قاله ( ابن عباس وعكرمة ومجاهد وعطاء واختاره ( الطبري ) ودليله قراءة ابن عباس : فادخلي في عبدي. وقراءة ابن مسعود ( في جسد عبدي ) علما ً أن الفهم السائد عند كثيرين أن ( ربك ِ ) هو الله تعالى .

 

 

 

 

 النفس اللوامة :

 

قال القرطبي في ( أحكام القرآن ) ج 19 ص 92 – 93

قال ( الحسن ) هي والله نفس المؤمن ما يرى المؤمن إلا يلوم نفسه, ما أردت بكلامي؟ ما أردت بأكلي؟ ما أردت بحديثي؟ والفاجر لا يحاسب نفسه.

وقال ( مجاهد ) هي التي تلوم على ما فات وتندم, فتلوم نفسها عن الشر لم فعلته؟ وعلى الخير, لم لا تستكثر منه. وعلى هذا تكون النفس اللوامة هي ( اللائمة ).

وقيل ( اللوامة ) الملومة المذمومة ( عن ابن عباس ) صفة ذم. على حد قول الشاعر : واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي : أي المطعوم .

وكقوله تعالى (( في عيشة راضية ) أي مرضية .

وقال ( مقاتل ) هي نفس لكافر نفسه ويتحسر في الآخرة على ما فرط في جنب الله.

وقال ( الفراء ) : ليس من نفس محسنة أو مسيئة إلا وهي تلوم نفسها. فالمحسن يلوم نفسه لو كان زاد إحسانا, والمسيء يلوم نفسه لو ارعوى عن إساءته. ويقول ( الفخر الرازي ) ج 30 ص 190 – 191 :

         النفس اللوامة هي النفوس الشريفة التي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت في الطاعة.

وعن ( الحسن ) : إن المؤمن لا تراه إلا لائما ً نفسه, وأما الجاهل فإنه يكون راضيا ً بما هو فيه من الأحوال الخسيسة.

( وللفخر ) أيضا ً :

( اعلم أن الله تعالى ذكر مطلق النفس في القرآن فقال :

(( ونفس وما سواها …)) الشمس : 7 وقال (( فلا تعلم نفي ما أخفي لهم من قرة أعين )) السجدة : 17

وتارة وصفها بأنها أمارة بالسوء فقال : (( إن النفس لأمارة بالسوء …))

وتارة بكونها ( لوامة ) فقال (( ولا أقسم بالنفس اللوامة )) القيامة : 20

وتارة بكونها ( مطمئنة ) كما في (( يا أيتها النفس المطمئنة …))

واعلم أن النفس ذاتك وحقيقتك, هي التي تشير إليها بقولك ( أنا ) حين تخبر عن نفسك .

وقال قوم : هو جوهر نفسا لي لطيف صاف بعيد عن مشابهة الأجرام العنصرية, نوراني سماوي مخالف بالماهية لهذه الأجسام  السفلية فإذا صارت مشابكة لهذا البدن الكثير صار البدن حيا ً وإن فارقته صار ميتا ً وهؤلاء فسروا النفس بالروح. والله أعلم.

وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

القامشلي في 31 / 10 / 1428 هـ

الموافق لـ : 24 / 10 / 2007 م .

 

 

 

 

 

خاشع حقي  العلواني

 

Source: Annajah.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *