
تعرضت الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى الحكم في دول عربية، خلال السنوات العشر الماضية، لانكسارات وهزائم بفعل أسباب مختلفة، الأمر الذي أدى إلى إجهاض أو تعثر بعض التجارب الديمقراطية الوليدة في المنطقة، وطرح تساؤلات حول مستقبل ما يعرف بـ”الإسلام السياسي”.
وفي هذا السياق، أجرت “عربي21” مقابلة مع المفكر الإسلامي القطري، جاسم سلطان، للوقوف على أبرز الأخطاء التي وقعت فيها تلك الأحزاب والتيارات، وماهية المراجعات المستحقة في الوقت الراهن.
وأوضح سلطان أن “التنظيمات القديمة ستبقى غالبا كجزء من المشكلة وليست كجزء من الحل ما لم تحدث مراجعات كبرى، ولكن ظهور تنظيمات كبيرة في ظروف القمع والاستبداد أمر صعب جدا، وبالتالي فإن من المقطوع به ظهور أشكال أخرى من العمل؛ فالناس لا تتوقف عن التفكير والإبداع”.
وتاليا نص المقابلة:
من الصعب الحكم العلمي على تراجع قواعدها الشعبية؛ نظرا لعدم حضور الأوضاع الطبيعية التي كانت تعمل بها، ولكن انطباعيا يمكن ملاحظة ظواهر متعلقة بكثرة الانشقاقات، وانتشار تيار ناقد داخلها وحولها، والعجز عن تقديم رواية مقنعة لظاهرة العجز عن إدراك الواقع، والتي برزت في مقولة (لم نكن نعلم) و(أُفشلنا ولم نفشل).
ربما الاختلالات قديمة، ولكن ظهور نتائجها الكارثية أوضح الآن، وتتمثل في عدم الجاهزية التصورية للعصر وللواقع وتعقيداته، وقدم القيادات وتفكيرها خارج العصر، وعدم وجود آليات مراجعة لعالم الأفكار والعلاقات والمشاريع، وعظمة الشعارات مع فراغ المحتوى، وعدم الاعتبار من دروس الواقع وتكرار ذات الأخطاء.
الاختلاف ناتج عن موازنات كل بلد واحتياجات متخذ القرار وتصوراته لمصالحه المستقبلية.
كلمة “أُفشلت” تبدو كلمة غريبة في سياق أي صراع؛ فليست وظيفة الفريق الآخر السماح لك بالفوز ابتداء وإلا دخلنا في عالم التناقض. الحكم يحتاج إلى ثلاثة عناصر، هي: العلم، والمال، والقوة الصلبة. والثلاثة مفقودة عند التيارات الإسلامية.
فكرة البقاء في مربع المعارضة تختلف من بلد إلى آخر، وليس لها معيار واحد؛ فهي تقدير ظرفي، ولكن بعض هذه التنظيمات قطعا كان الأفضل لها أن تبقى في مربع المعارضة أو حتى تنصرف للمراجعات الجذرية التي كلما تأخرت كانت الضريبة أكبر.
دور الأيديولوجيات لا شك أنه في تراجع، وخاصة عند المحكات العملية؛ فلقمة العيش والأمن هي ما تعني غالبية الجماهير.
التنظيمات القديمة ستبقى غالبا كجزء من المشكلة وليست كجزء من الحل ما لم تحدث مراجعات كبرى، ولكن ظهور تنظيمات كبيرة في ظروف القمع والاستبداد أمر صعب جدا، وبالتالي فإن من المقطوع به ظهور أشكال أخرى من العمل؛ فالناس لا تتوقف عن التفكير والإبداع.
لا أذكر أني حددت أرقاما بعينها، ولكن قلتها في مصر أثناء صعود التيار الإسلامي، إن التجربة ستؤول للفشل كحكم موضوعي ينظر لأفكار وقدرات تنظيم ووضع محلي وإقليمي ودولي لا تمتلك التنظيمات الوعي ولا القدرات لعبوره.
جدوى فكرة التنظيم الموازي للدول، وجدوى فكرة التمكّن من المجتمع في مقابل تمكين المجتمع، والتمييز بين حضور القيم ووجود النظام الإجرائي، وجدوى فكرة احتكار الصواب، وأهمها سؤال آلية الاعتبار وجودا وعدما.
توقعي أنه سنمر بثلاث مراحل: الفرح، وهو جزء طبيعي بانتصار الأفغان، وجزء كبير منه تعويض عن الحالة العربية، ثم مرحلة التشكيك حين تظهر علامات القصور وتبدأ الصراعات الداخلية المحتملة، وأخيرا مرحلة التبرؤ عند فشل التجربة أو انتكاسها.
محاولة حل إشكالية علاقة الدين بالسياسة ستبقى عالقة لزمن طويل في ظل الجهاز المعرفي الحالي، وهو جهاز إنتاج الأحكام الفقهية الموروث بمقدماته؛ فهي أعقد أزمات الجهاز، ولن تُحل إلا إذا تم تبني جهاز مختلف، وبالتالي فإن إشكالية السياسي والديني ليست مرشحة للحل في ضوء ثبات المعطيات.
