في الأسبوع الماضي، قال “غولدمان ساكس”، وهو أحد أعرق بنوك الاستثمار في أمريكا والعالم، إن البنك المركزي الأمريكي قد يلجأ إلى رفع الفائدة 7 مرات هذا العام (بواقع 0.25% لكل مرة)، في محاولة لاحتواء التضخم الذي وصل إلى أعلى معدل منذ عام 1982.
لكن هذا المسار، الذي يحظى بترقب الأسواق والمستثمرين حيث يمكن أن يشكل توجهات الاستثمار في الفترة المقبلة، قد تكون مزعجة أيضا للاقتصادات الأخرى لا سيما الناشئة، حيث يعني رفع الفائدة على الدولار المزيد من التحديات لهذه البلدان.
رفع الفائدة في الولايات المتحدة هو ما تخشاه الأسواق الناشئة باستمرار، وينظر المحللون منذ فترة إلى رفع الفائدة المقبل (العام الجاري والمقبل) باعتباره “وصفة لخلق المشاكل في الاقتصادات النامية”، ما دام يتسبب في ارتفاع قيمة الدولار.
من ذكريات الأسواق الناشئة مع هذا المسار؛ ما حدث في عام 2013 عندما قرر الفيدرالي تشديد سياساته ما تسبب في ارتفاع مفاجئ لعائد سندات الخزانة الأمريكية ما تسبب في اضطرابات للأسواق المالية.
دفع ذلك المستثمرين إلى التخلي – على نطاق واسع وكبير – عن الأصول المالية في الاقتصادات النامية لصالح أصول الاقتصادات المتقدمة. ببساطة قد يتسبب ذلك في انخفاض قيم العملات المحلية وارتفاع تكاليف الاقتراض الدولاري في الاقتصادات الناشئة وضعف تدفق العملات الأجنبية.
ماذا سيحدث هذه المرة؟
رغم هذا القلق التاريخي، تبدو الأسواق الناشئة الآن، في وضع أفضل لمواجهة أي عاصفة مماثلة، وهو أحد الأسباب التي دفعت المستثمرين بما في ذلك وحدة إدارة الأصول التابعة لمصرف “غولدمان ساكس” إلى الإقبال على أسهم هذه الأسواق، بحسب تقرير لوكالة “بلومبيرغ”.
كونت العديد من هذه البلدان بالفعل احتياطيات من النقد الأجنبي خلال العقد الماضي مع استقرار الأوضاع، ويمكن لبعضها ممن ينتجون سلعا تصدير إنتاجهم بأسعار مرتفعة مع زيادة قيمة الدولار.
السبب الأساسي لرفع أسعار الفائدة في البلدان المتقدمة – الاقتصادات المزدهرة النمو التي تفاقم فيها التضخم – يفيد البلدان النامية، لأنه يضمن سوقا قويا لصادراتها.
مثلا إذا ارتفع الدولار واليورو يعني ذلك أن صادرات أمريكا ومنطقة اليورو أصبحت أغلى، وبالتالي سيبحث المستوردون عن أسواق بديلة (أرخص)، كما أن عائدات المصدرين في الاقتصادات الناشئة من الدولار واليورو ستكون أكبر عند تحويلها إلى العملة المحلية.
هل تلاشى الخطر إذا؟
لا، هذا لا يعني أنه لا يوجد ما يدعو للقلق. رغم صعوبة انتشار الوباء في البلدان الغنية، فإنه أكثر قسوة على الدول الفقيرة التي تتأخر في معدلات التطعيم وتفتقر إلى الموارد اللازمة لتتخطى اقتصاداتها ضغوط “كوفيد”، واقترض الكثير منهم بشكل كبير.
إن تشديد السياسة في بنك الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية الرئيسية يمكن أن يجعل هذا الوضع السيئ أسوأ بكثير، وما لم ترفع الأسواق الناشئة أسعار الفائدة أيضا – خطوة تحد من تعافي اقتصاداتها – فهناك خطر هروب رأس المال وإضعاف العملات وجعل خدمة الديون أكثر صعوبة.
حذر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من هذا السيناريو بالفعل. وكذلك فعل الرئيس الصيني شي جين بينغ، في خطاب “غير تقليدي” في 17 يناير/ كانون الثاني أمام المنتدى الاقتصادي العالمي.
وقال: “إذا ضغطت الاقتصادات الكبرى على الفرامل أو اتخذت منعطفا في سياساتها النقدية، فستكون هناك تداعيات سلبية خطيرة تشكل تحديات للاستقرار الاقتصادي والمالي العالمي، وستتحمل البلدان النامية العبء الأكبر منه”.
تتمثل المهمة الرئيسية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي وأقرانه في إبقاء اقتصاداتهم بعيدة عن المشاكل، هذا يعني ببساطة “احتواء التضخم”، لكنهم عادة ما يراقبون عن كثب التأثير العالمي لخططهم النقدية أيضا.
وتقول كارمن راينهارت، كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي: “تفويضهم الأساسي هو تفويض محلي، لكن ليس من غير المسبوق أيضا أن تؤثر الظروف الدولية”.
هل يمكن تغيير المسار؟
بالنظر إلى الوراء 6 سنوات يمكن العثور على سابقة مهمة، عندما اضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تغيير مساره بسبب رد الفعل الدولي من سياسته الخاصة.
في ديسمبر/ كانون الأول عام 2015، رفع البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية، وأعلن عن أربع زيادات أخرى في العام التالي، مع تجاهل القلق بشأن تأثير ارتفاع الدولار على الصين.
ومع ذلك، أدت توقعات النمو المتدهورة في الصين إلى انخفاض حاد في قيمة اليوان وتسببت بموجات بيعية في أسواق الأسهم المحلية التي انتشرت كالعدوى عبر أنحاء العالم، ليتراجع بنك الاحتياطي الفيدرالي في النهاية، ولم يرفع الفائدة مرة أخرى حتى ديسمبر 2016.
رغم هذا، هنا الكثير من الاختلافات الآن. يتعامل الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية الكبرى مع نوبة خطيرة من التضخم الفعلي، وليس مجرد احتمال، وبالتالي فتشديد السياسة له إلحاح وزخم أكبر.
بينما من الواضح أن الأسواق الناشئة في طريق صعب، من غير المرجح أن تتراكم مشاكل الديون إلى النقطة التي تعرض النمو العالمي للخطر أو تؤدي إلى اضطراب واسع في الأسواق.
أسعار الفائدة منخفضة في كل من البلدان المتقدمة والنامية، مما يعني أن هناك مجالا لها للارتفاع قبل أن يتأثر سوق الائتمان بشدة.
من معرض للخطر؟
حتى الآن، ظل اليوان مرنا بدعم ارتفاع الصادرات وتدفقات المستثمرين الأجانب – وهذا يوفر دعما للعملات الناشئة الأخرى، وفقا لتقرير “بلومبيرغ”.
في أماكن أخرى من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لا يزال العديد من المستثمرين متفائلين نسبيا على الرغم من التوترات الحالية، بفضل تراكم الاحتياطيات، وتقليص عجز الحساب الجاري، والتمسك بقوة السياسة النقدية. ومن بين البلدان التي تملك آفاقا واعدة؛ إندونيسيا وماليزيا وتايلاند والفلبين باعتبارها آفاقا بارزة.
لكن هناك نقاط قلق محتملة، حيث تعد أمريكا اللاتينية من بين المناطق الأكثر تضررا من الوباء وشهدت بالفعل عددا كبيرا من حالات التخلف عن سداد الديون، والبرازيل – أكبر اقتصاد في المنطقة – غارقة في الركود وتعاني من التوترات المالية والسياسية.
ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لتركيا، التي تتمسك بخفض أسعار الفائدة حتى مع تفاقم التضخم، وتتوقع بنوك وول ستريت تجاوزه 50% هذا العام، وهي وتيرة خطيرة لبلد يحمل قطاع أعماله عبئا ثقيلا من الديون المقومة بالدولار.
وفقا للتقرير، فإن كل من الأرجنتين ومصر وجنوب أفريقيا أيضا ضمن البلدان الناشئة الأكثر عرضة للخطر جراء التشديد المحتمل لرفع الفائدة الأمريكية، فيما تأتي روسيا والهند بين الدول الأقل عرضة للخطر.
يقول مارك سوبيل، المسؤول السابق في وزارة الخزانة والرئيس الأمريكي الحالي للمؤسسة البحثية “OMFIF”، إن تشديد الفيدرالي سيؤثر على الأسواق الناشئة، في وقت تعاني فيه الكثير من البلدان من “مشاكل خاصة”.
ومع ذلك، يؤكد أن أي اضطرابات لن تتحول إلى “خطر واحد كبير”، قائلا: “لا أرى أن ذلك يخلق مشاكل منهجية للاقتصاد العالمي في الوقت الحالي”.
Source: sputniknews.com