‘);
}
قصيدة المتنبي في رثاء جدته
تعد قصيدة أبو الطيب المتنبي في رثاء جدته من أبدع ما كتب المتنبي وتتميز هذه القصيدة في المقدار الكبير من العاطفة للمتنبي بها. وكما هو معلوم أن المتنبي مات والده وهو صغير فربته جدته لأمه تحت رعاية الهاشميين في الكوفة.
ولما كبر المتنبي وذاع صيته الشعري تغاضب هو و الهاشميين وخرج من الكوفة وبدأ يتنقل في بلاد الشام وترك جدته في الكوفة التي ضاق بها الشوق للقياه فأرسلت إليه بأن يأتي لتراه وعندما وصل إلى مشارف الكوفة منعه الهاشمييون من الدخول ، فأرسل المتنبي إلى جدته أن تأتيه إلى بغداد فلما وصلها كتابه اشتد فرها وأصابتها الحمى من شدة الفرح ثم ماتت ، فلما وصله خبر وفاتها قال هذه القصيدة راثيًا جدته التي أحبها وتعلق بها .
تحليل القصيدة
لقد بدأ المتنبي قصيدته بحكمه من الحكم التي اشتهر بها في قصائده. ويقول أنه لا يحمد الحوادث السارة ولا يذم الحوادث الضارة ،فإذا بطشت أو آذت لم يكن عن جهل منها ،وإذا كفت بطشها لم يكن ذلك حلما.
‘);
}
فكل واحد يرجع إلى مثل ما كان عليه من العدم ويعود لحالته الأولى كما بدأ. ثم يردف قائلًا أنه يحن للكأس التي شربت منها جدته ، يقصد كأس الموت ،ويحن للتراب الذي ضم جثتها .فلقد كان يبكي عليها في حياتها خوفًا من فقدها ،ولكنهما افترقا وذاق كل منهما طعم فراق صاحبه فلو كان الهجر يقتل كل محب كما قتل جدته لقُتِلت كل البلاد لأن الجميع كان يحبها ، ولكن الهجر يقتل بعض المحبين دون البعض ويقول :أنه عندما وصلها كتابه التي بشرها باللقاء ماتت من السرور و الفرح ، ولكن مات هو غمًا و حزنًا.
فلقد حرم الشاعر على نفسه السرور و الفرح ، لأن السرور و الفرح هما اللذان قتلا جدته ، فأصبح السرور بالنسبة له سُمًا لقد انقطع دمعها بعد موتها وجفت جفونها ، ولكن أدمى الحب قلبها في حياتها .
يسرد المتنبي قصة رحيله ويقول أنه سافر ليطلب حظًا من الدنيا تفرح به ولكن كانت النتيجة أنها ماتت و فاته الحظ. فلقد كانت سوف ترضى به حظًا من الدنيا لو رضى هو ورضى بها حظًا. ويسترد قائلًا: بعدما أن كنت استقي الحرب على الأعداء أصبحت استقي السحاب وأقول : سقى الله قبرها.
فلقد ترك الحرب وتفرغ للدعاء لها . كان قبل موتها يستعظم الفراق ،فلما ماتت صارت حادثة الفراق صغيرة بالنسبة لموتها ، فالموت أعظم من الفراق .
انه يستطيع أن يأخذ بالثأر من قتلها ، ولكن كيف يثأر من الموت ؟!
إن كانوا الشامتين بموتها فرحوا ، فقد خلفت مني من يرغم أنوفهم . وسأله الناس : لماذا كثرة الأسفار وماذا تطلب من الأسفار فيجيبهم بأن ما يطلبه من أجل من أن يذكر اسمه ، يقصد قتل الملوك و الاستلاء على ملكهم . و سيجعل السيف بدلًا من التحية للأعداء . فإذا ضعف عزمه عن غاية خوفًا بعد تلك الغاية فإن من الممكن وجوده لا ينال إذا لم يكن لدى طالبه عزمًا .
ويخاطب الدنيا قائلًا : أنا كلما وصفتُ نفسي لا أقبل الضيم ولا آسف للدنيا . ويتوقف المتنبي بكل عزة ويقول أنه لن أي مرة من الدنيا بغير عزة نفس .[١]
التحليل الفني للقصيدة
- الغرض الشعري في القصيدة : هي رثاء جدته لأمه لكنه رثاء ممزوج بالفخر كعادة المتنبي في كافة أغراضه .
- البحر الشعري و القافيه : البحر الطويل وعلى قافية الميم .تتلوها ألف المد لتنفس عما في داخل الشاعر من ألم و حزن و قلق .
- الأفكار : واضحة مترابطة وهي تبعث من الجو النفسي لدى الشاعر.
- العاطفة : صادقة لأنه يرثي جدته .
- الألفاظ : قوية معبرة وفيها جزالة .
- الصور : أكثر الشاعر من الاستعارات و التشبيه و الكناية لتوضيح المعنى وتقويته و تشخيصه .
- المحسنات البديعية : غير متكلفة ، وبخاصة الطباق و المقابلة و الجناس وهي تزيّن المعنى و تحسّنه .
تنقل الشاعر بين الحزن و الفخر و الحكمة يغوص في أعماق نفسه يستنبط آلامها و آمالها ، يحلل و يعلل و يستنتج ، و يصوغ قصيدة جميلة محيرة ، تشابه حيرتنا في الشاعر نفسه .
وقد برزت شخصية المتنبي و كبريائه في القصيدة على الرغم من حزنه و آلمه ، فالحزن لم تؤدِ إلى انكسار الشاعر بل زادته قوة، ومنحته طاقة إيجابية ؛ لينطلق في البحث عن المجد و السؤدد من جديد .
التجديد في القصيدة : يبدو من خلال رثاء الجدة وهو غرض غير مألوف في الشعر العربي ، ومن خلال انتقاله من الرثاء إلى الفخر الممتزج بالتعالي و الأنفة و العزة رادًا على الحاسدين و الشامتين و الكارهيين .[٢]
[٣]
المراجع
- ↑كتاب الموقع (2010)، “المتنبي يرثي جدته”، السعودية تحت المجهر، اطّلع عليه بتاريخ 2022.
- ↑محمد يونس (2020)، “شرح قصيدة المتنبي (ما أبتغي جل أن يسمى )”، مدونة سلطنة عمان التعليمية ، اطّلع عليه بتاريخ 2022.
- ↑كتاب الموقع (2006)، “شرح قصيدة المتنبي في رثاء جدته”، شبكة الفصيح، اطّلع عليه بتاريخ 2022.