الاردن: الرجل المناسب في المكان المناسب

موسى العدوان

قد يكون هذا العنوان من أهم وأكثر العناوين تداولا نظريا، في العلوم السياسية والإدارية وبين الناس. ولكن مع الأسف لا يجري تطبيقه غالبا في الممارسات العملية لحكوماتنا العربية، إذ تستبدله بهواياتها المعروفة من المحسوبية والشللية، بعيدا عن الكفاءة والعدالة، فيعين الرجل المناسب في المكان غير المناسب، بمختلف مفاصل الدولة.

وهكذا يعجز المعيّن المحظوظ عن القيام بالمهمة المنوطة به، الأمر الذي يؤدي إلى وقوعه بأخطاء تضرّ داخليا بمصالح الناس، وتؤثر على بنية وتماسك المجتمع، وقد تتعدى ذلك خارجيا في الإضرار بمصالح الدولة، والإساءة إلى مكانتها  أمام العالم.

لقد نبه الدين الإسلامي قبل ما يزيد على 1400 عام ، من عدم إسناد العمل لغير المؤهلين والأكفاء من المسؤولين، لأن في ذلك ضرر للأمة. فقد جاء في الحديث الشريف، أن رجلا سأل رسول الله ( ص ) عن موعد قيام الساعة، فقال له : ” إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر قيام الساعة “. قال كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : ” إذا أسند الأمر إلى غير أهله . . فانتظر قيام الساعة “.

وهذا الحديث يقدم لنا منهجا علميا بليغا في حُسن الإدارة هذه الأيام. فعندما تسند المسؤولية إلى من هو ليس أهلا لها، ويتصرف بشؤون الناس والدولة بغير حكمة، لاشك بأنه يسهم في تخريب المجتمع وخلخلة كيان الدولة. وفي هذا السياق فعلينا أن نتذكر أن تخريب الدولة قد يكون مكشوفا بل سريا تحت غطاء برّاق. وتأكيدا لذلك سأروي القصة التالية :

تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية خلال حكم الاتحاد السوفييتي، من زرع جاسوس روسي لها في مقر قيادة الحكومة السوفيتية. كان هذا الجاسوس مستشارا للرئيس السوفيتي في حينه، وكان من أكثر الرجال نشاطا وإخلاصا في عمله. وفي وقت متأخر فوجئ الشعب السوفييتي بالكشف عن هذا المستشار المخلص، بأن كان جاسوسا للأمريكان في حكومة البلاد. ولكن لم تثبت عليه أية تهمة أو يظهر عليه أي دليل يدينه بالتجسس.

وبعد أن تقاعد وأصبح طاعنا بالسن، أعطاه السوفييت الأمان بعدم قتله، إذا ما أفصح عما كلفه به الأمريكان أثناء عمله. فقال أن عمله كان بسيطا ويقوم على أساس ” وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب “. فكنت آتي بالمهندس الزراعي وأضعه وزيرا للمالية، وآتي بالطبيب وأضعه وزيرا للصناعة، وآتي بالصناعي واضعه في وزيرا للتربية والتعليم. وهكذا كنت أضع كل مسؤول في غير تخصصه، وهذا العمل ساعد في تفتيت وإضعاف الاتحاد السوفييتي من الداخل إلى أن تم انهياره “.

وهنا الطرح يقودني إلى توجيه الأسئلة التالية : ألم تفعل حكوماتنا المتعاقبة، مثل ما فعله المستشار الروسي المخلص في الحكومة السوفييتية ؟ ألم تعين صحفيا وزيرا للزراعة ؟ ألم تعين مهندسا ميكانيكيا وزيرا للإعلام وناطقا باسم الحكومة ؟ ألم تعين محاميا رئيسا لهيئة الإعلام ؟ ألم تعين شخصا فشل في الحصول على وظيفة بسيطة في وزارة النقل، فعينته وزيرا للنقل ؟

ثم ألم تعين شخصا خسر شركتيه بشكل متعاقب، وزيرا للعمل لتستفيد من خبراته في الفشل ؟ ألم تعين أشخاصا كانوا يعيشون لسنوات طويلة خارج الأردن بعيدا عن قضاياه المحلية، وزراء في الحكومة ؟ ألم تعين من كانوا موظفين في البنك الدولي، وزراء ليسلموا رقابنا إلى بيتهم الحاني السابق ؟ والقائمة تطول . . . فهل يعيد التاريخ نفسه مع اختلاف المكان والزمان؟

في الختام، لا يسعني إلاّ أن أكرّر قول جلالة الملك  قبل أيام : ( بكفّي . . خلص . . ) وأضيف عليه، ارحمونا في أفعالكم يا حكومات . . يكفّي تفكيك لبنية الدولة . . أرجوكم أن تحافظوا على الهيكل العظمي للدولة على الأقل، لعل الله يكسوه لحما وينقذنا في الأيام القادمة . . !

كاتب اردني

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *