المغرب: قراءة تقنية في حكومة أخنوش.. لست متفائلا

 

 

د. طارق ليساوي

تابع المغاربة بالأمس 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021، تعيين  العاهل المغربي  أعضاء الحكومة المغربية الجديدة برئاسة عزيز أخنوش، بعد شهر على فوزه بالانتخابات البرلمانية. وزراء الحقائب السيادية احتفظوا بمناصبهم، فيما ضمت التشكيلة وجوها جديدة، جلهم من التكنوقراط..و الفريق الحكومي الجديد ، مكون من 24 وزيرا بينهم 7 نساء بالإضافة إلى رئيس الحكومة، و وتشكلت الحكومة من حزبي التجمع والأصالة المعاصرة اللذين يعتبران مقربين من القصر ويصنفان ضمن الصف الليبرالي، وحزب الاستقلال الذي يصنف ضمن وسط اليمين، إضافة إلى الوزارات السيادية التي تتولاها شخصيات غير منتمية لأحزاب أو ما يعرف بوزراء التقنوقراط..

 و قد حافظت الحكومة الجديدة على العديد من “الوزراء التكنوقراط” الذين تسند إليهم “قطاعات سيادية”، بخلاف الوزراء الحزبيين الذين شملهم التغيير، ويأتي على رأس “الوزراء التكنوقراط” الذين حافظوا على مناصبهم الوزارية في الحكومة الجديدة أحمد التوفيق، الذي سيواصل تدبير شؤون وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وعبد الوافي لفتيت، الذي بقي وزيرا للداخلية. ويستمر كذلك ناصر بوريطة في قيادة وزارة الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، إلى جانب محمد حجوي في منصب الأمين العام للحكومة، وعبد اللطيف لوديي في منصب الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني…ومن بين الأسماء الوزارية التكنوقراطية التي عيّنها الملك محمد السادس في الحكومة الجديدة، نذكر “محسن جازولي”، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار وتقييم السياسات العمومية، و”شكيب بنموسى”، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة..

و سيذكر القراء أني كتبت سلسلة مقالات قبل و بعد 8 شتنبر و لعل أبرزها مقال الذي إخترت له عنوان ” من الخيمة خرج مايل” و هو مثل شعبي، لكن هذا العنوان هو أفضل وصف لمخرجات انتخابات ما بعد 8 شتنبر، و عبرت في مجمل هذه المقالات عن عدم تفاؤلي بالهندسة السياسية المحتملة، و بالسناريوهات المعتمدة لإدارة الأزمة الداخلية و الخارجية، و أذكر أني ناشدت العاهل المغربي قبل إعلان نتائج 8 شتنبر ، بتعيين شخصية تقنوقراطية على رأس الحكومة و تعيين حكومة إنقاذ و موقفي هذا نتاج للأزمات الداخلية و الخارجية التي تمر بها البلاد…

و السبب الذي يدفعني إلى عدم التفاؤل و عدم الانجرار وراء الأحلام الوردية ، بأن المرحلة القادمة ستكون مرحلة إنتعاش إقتصادي ووفرة في السيولة ، نابع من عملي  كرجل إقتصاد فدوري أن أحلل المعطيات و على ضوءها أتخد القرار، و لعل هوايتي المفضلة هو الاستثمار عالي المخاطرة و لكن مرتفع الربحية، عملا بالقاعدة الفقهية ” الغنم بالغرم”، و عدم التفاؤل هو نتاج  لقراءتي للمشهد العام بالمغرب منذ 2016 و التراجع الكبير عن الالتزامات الدستورية و السياسية التي تعهد بها النظام بعد 2011، و سعيه الجاد نحو العودة إلى الوراء و تبني سياسات خاطئة من قبيل تكميم الأفواه و تغليب المقاربة الأمنية، على المقاربة التنموية في إدارة الأزمات و الاحتجاجات الشعبية بدءا من حراك الحسيمة و طحن “محسن فكري” و إنتهاءا بحراك الفنيدق و تطوان  و شعار المرحلة هو “طحن مو”  ..

حب الوطن لا يعني التطبيل و التزمير، بل هو إعطاء النصيحة الصحيحة و المحايدة لمن يهمه الأمر، ومن دون شك استقرار المغرب يهمنا جميعا و على الأخص من قرروا بناء مؤسسات اقتصادية في بلد هش، فعندما يقرر المقاول و رجل الأعمال الاستثمار في بلد ما  فهو يثق في مؤسساتها الوطنية و يربط مصيره بمصير البلد، ويؤمن بأن البلاد يتوفر فيها مناخ استثماري ملائم سيمكنه من جني أرباح المخاطرة و التنظيم و التشغيل..

و الواقع أني منذ قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني، و أنا أتابع بدقة المشهد السياسي و النقاش العام، وهناك جدل سياسي حقيقي بين المغاربة و غضب في النفوس و خوف من المستقبل، و رفض لسياسات العمومية المتبعة، ظهر هذا بشكل جلي من خلال نسبة المقاطعين للانتخابات، دعونا من نسبة المشاركة 50 في المائة أو حتى 99 في المائة، هذه مجرد أرقام لن تغير من الحقيقة في شيء ، و سياسة “دخل سوق راسك”، و ل”تكلم يرعف” ، و “كول الخبز و سكت ” هي التي أوصلت البلاد و العباد إلى ما نراه تم تبنيها طيلة عقود و لم تفرز إلا سنوات الرصاص و عشرية التقويم الهيكلي…و القادم أسوأ، في انتقاداتي أنا  معتدل و لست منبطح و بينهما فارق كبير،  أبتعد عن التمييع و التسطيح و التطبيل ، من دون شك هذا مبدأ و غير قابل للنقاش أو التفاوض، لكن أحاول أن أكون معتدل وواقعي في تحليلي…

لأني لا أنظر للمغرب من خلال الوضع الداخلي فحسب، المغرب بنظري ،  ضمن فضاء إقليمي يغلب عليه تيار معادي للإرادة الشعبية و الغطاء هو محاصرة الإسلاميين و الحرب على الإرهاب و هلم جرا من الشعارات، التي غايتها قتل إرادة الشعوب في تقرير مصيرها و التحكم في ثرواتها، قتل حقا لشعوب  في  إختيار حكامها و تبني نموذجها التنموي الذي بالقطع لن يكون سليما و فعالا و منتجا ، إلا إذا إستند و أستقى ركائزه من المبادئ و القيم الإسلامية السامقة. كنت أود أن يكون بلدي بعيدا عن هذه التجاذبات و التحالفات ، لكن للأسف البيترودولار له جاذبييه على ما أعتقد…و  الإستثمارات الخليجية لا غنى عنها لجلب العملة الصعبة…و نفخ خزائن البعض …

المغرب مهما نختلف أو نتفق مع رؤية النظام السياسي ، إلا أن للبلاد خصوصيتها فهناك نوع من الحكمة و التعقل تظهر عند الأزمات، هناك تعايش و تسامح هناك تفاهم و توافق و عقد إجتماعي بين الشعب و المؤسسة الملكية ، المغرب ليس بالبلد الصغير او حديث النشأة ، المغرب بلد له جذور و يكفي استحضار المرابطين و الموحدين و المرينيين و هلم جرا، المغرب لم يخضع منذ عهد الأدارسة لأي احتلال كامل لأراضيه طيلة هذه الحقبة ،  إلا بعد الحماية الفرنسية 1912 ..ما يثير تخوفي حقيقة هو الإرتماء في حضن أجندة غير مغربية و ليست مغاربية ، أجندة بعض حكومات الخليج التي تخشى من ثورة شعوبها ..

 و بالعودة للمغرب منذ ما قبل انتخابات 8 شتنبر ، هناك رأي مفاده أن صعود شخصية ليبرالية و ثرية سيكون له بالغ التأثير في إطلاق النمو الاقتصادي، و في خلق سيولة مالية و دورة اقتصادية حميدة نرجو ذلك حقا ، و في سياق النقاش مع بعض الزملاء  حول الازدهار الاقتصادي  القادم مع تولي السيد أخنوش رئاسة  الحكومة ، يمكن لي القول بموضوعية أن  هناك تفاؤل لدى البعض و خاصة  الطبقات الشعبية ، لأن بعضهم ربما لأنه شاهد كم هائل من السيولة تدور  في أيام الحملة،  كما أن  لدى بعضهم فكرة سطحية مادام رئيس الحكومة ملياردير سوف تنتهي جل مشاكل البلاد، كما لو أن الرجل سينفق ثروته لتسديد الدين العام الخارجي للبلاد، و هذه للأسف فكرة سطحية و شعبوية تم تضخيمها و الترويج لها ..

 أيها السادة في حالة المغرب حتى لو إفترضنا جدلا أن “جيف بيزوس”  مؤسس أمازون و ثروته 177 مليار دولار ، و  “إيلون ماسك” مالك تسلا و ثروته 151 مليار دولار، كانوا أولا مغربين و تم تعينهما الأول رئيس حكومة و الثاني وزير مالية .. لن ينجحوا في فك شفرة أزمات المغرب بالإعتماد على ثرواتهم الشخصية، و سبق لي توضيح ذلك، فالإصلاح الإقتصادي يحتاج لحزمة من الإصلاحات و على رأسها إصلاح سياسي حقيقي يقطع مع زواج السلطان بالتجارة لأن هذا هو أصل الداء…

لذلك، أرى أن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب مرتبط بداية بالإصلاح و التغيير السياسي فقواعد اللعبة السياسية في المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم لا تخدم التنمية ، فموارد البلاد تنفق في غير محلها و صياغة السياسات العمومية في مجمل القطاعات تتحكم فيها المصالح الفئوية و ليس المصلحة العامة لمجموع المغاربة…فالأولوية ليست تنفيذ إصلاحات جزئية تشمل الاقتصاد و التوازنات الماكرو-الميكروإقتصادية، فالمغرب في حاجة إلى إصلاحات جذرية كفيلة بخلق دورة تنموية حميدة، فالإصلاح السياسي و الدستوري و فق المنهجية الديمقراطية المتعارف عليها كونيا هو المدخل لتحقيق التنمية، و الإصلاح السياسي و الدستوري ينبغي أن يؤسس لعقد اجتماعي جديد بين الحاكم و المحكوم و أهم بنوذه الشعب مصدر السلطة (بعد الله جلا و علا طبعا) ، فاليوم البلاد في حاجة إلى فصل للسلط و تدعيم المراقبة و المساءلة على كل المسؤوليين العموميين، وتقييم انجازاتهم وتفعيل عنصر الثواب و العقاب…

وهذا هو العنصر المفقود في بلادنا، فبدلا من محاسبة ومساءلة الذين تبث تورطهم في قضايا فساد، يتم تعيينهم في مناصب أكبر من التي كانوا فيه، و بدلا من وقف نزيف الأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج و تقارير منظمة الشفافية العالمية تقدر حجم هذه الأموال الساخنة التي تخرج من المغرب بطرق شرعية وغير شرعية بملايير الدولارات سنويا …يتم الاستمرار في سياسة غض الطرف عن هذا النزيف المالي لأن في ذلك مصلحة لأصحاب الكراسي و المكاسب…

إن أجندة التنمية في البلاد مرتبطة بتدعيم المساءلة والمحاسبة والتقييم، و هذه الضوابط تقتضي سلسلة لا متناهية من الإصلاحات منها تدعيم الحريات السياسية والفردية وتعزيز دور وسائل الإعلام و الحق في الحصول على المعلومة ، و تدعيم دور القضاء المستقل و النزيه، ووضع قوانين فعالة و عامة تطبق بشفافية وعلى الجميع دون استثناء..

و هذه الإصلاحات و السياسات العمومية الرشيدة مرتبطة بوجود حكومة رشيدة ومعبرة على إرادة الناس، فما الفائدة من انتخابات لا تفرز من يحكم، فالوزارات السيادية و التي تقرر مصير ملايين المغاربة يقودها شخصيات غير منتخبة …بل ثبت فشلهم…

 فوجود حكومة فعالة منبثقة عن إرادة الناس يعد لوحده مدخلا رئيس لتحقيق دورة تنموية حميدة ، ويكفي في التجربة المغربية أن نذكر ثلاث محطات رئيسية في تاريخ الحكومات المغربية والتي استطاعت إلى حد ما إثارة نقاش تنموي عمومي، نذكر حكومة عبد الله إبراهيم و حكومة عبد الرحمان اليوسفي و حكومة عبد الله بنكيران ، فالأولى تشكلت بعد  إستقلال المغرب مباشرة، و الثانية نتاج توافق سياسي بين النظام و أحزاب المعارضة الوطنية و جاءت في ظرفية سياسية لها خصوصياتها و أعني انتقال الحكم من ملك لولي عهده، أما الثالثة فقد انبثقت من قلب حراك 20 فبراير 2011 …

لست متفائل لأن مركز السلطة و صناعة القرار الحقيقي في المغرب ليس بيد الحكومة، فهي لا تملك الصلاحيات والسلطة الحقيقية لتغيير الأوضاع المجتمعية المختلفة، و ليس لها كامل حرية التصرف واتخاذ القرار داخليا وخارجيا…فالوزارات الوازنة و المؤثرة بيد وزراء تكنوقراط ، فمن سيحاسب هؤلاء التكنوقراط الذين لا وجود لهم  في الدول الديموقراطية…

و للأوضح ذلك، ماهي الأجوبة التي تقدمها أحزاب الحكومة في ما يخص تدهور العلاقات الدبلوماسية مع الجار الجزائر و فيما قبل مع إسبانيا، ماهي برامجهم لخلق جوار جغرافي ملائم للتنمية..؟ ما موقفهم من اعتقال نشطاء حراك الريف و جرادة و اعتقال أصحاب الرأي و التضييق على حرية الرأي و التعبير..؟

أيها السادة، المغرب أمام منعطف تاريخي خطير ردة حقوقية، وتراجع عن المكتسبات التي إعترفت بها الدولة المغربية بعد حراك 2011، تدهور إقتصادي و أزمة إقتصادية خانقة مؤشراتها ارتفاع نسب البطالة و الفقر ، و يكفي كمؤشر لوضع المغرب إقدام الشباب المغربي على ركوب قوارب الموت هروبا من بلاده و مشهد سبتة ليس ببعيد عن الأذهان..

 علينا أن نقر بأن الحكومات السابقة و الحالية و القادمة لا تملك من الأمر شيء و برامج أحزاب الأغلبية، بل و برنامج الحكومة مجرد هذر للوقت و للموارد، فبرنامج  الحكومة الحالية و الحكومات القادمة تم تسطيره واعتماده سلفاً تحت إسم ” الميثاق الوطني من أجل التنمية ( 2021 / 2035) …

فبناء مغرب المستقبل و إخراج البلاد من أزماتها الداخلية و الخارجية، لا يمر قطعا من بوابة المنهجية السياسية المتبعة ، و إنما المدخل بنظرنا هو القطيعة مع النموذج المعتمد منذ الاستقلال في تدبير قضايا الوطن مركزيا و جهويا ، و إبعاد الإدارة البيروقراطية و الأسلوب الأمني عن إدارة الشأن التنموي. فمحاربة الفقر و البطالة و الهشاشة الاجتماعية لا تتحقق باستعمال “الهراوة” و القبضة الأمنية، و تكميم الأفواه ، كما لا تتحقق بالشعارات و الوعود الزائفة ، و إنما تتحقق بتنفيذ إصلاحات جذرية وجادة ..

 وفي هذه المرحلة و حتى لا نوصف بأننا عدميين و على عيوننا غشاوة و لا نرى إنجازات “مغرب الاستثناء” الذي لا نراه إلا في وسائل الإعلام العمومية ، فالانتخابات و البرلمان و الحكومة المنبثقة عن انتخابات عامة و دورية ، لا قيمة لها في ظل بلد غالبية شعبه يتنفس تحت الماء و غارق في الأزمة ، فالركن الأساس في البناء الديموقراطي هو احترام حرية الرأي والتعبير و تصفير السجون من معتقلي الاحتجاجات السلمية ورد الاعتبار لسلطة النقد والمساءلة.. و تفاديا للإطالة سأحاول في مقال موالي إن شاء الله تعالى شرح وجهة نظرنا بتفصيل … والله  غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..

*إعلامي وأكاديمي مغربي متخصص في الاقتصاد الصيني والشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية والسياسات العامة..

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *