الدكتور محمد بكر
لا نُذيعُ سراً إذا قلنا أن اتصال الرئيس الأسد بالملك الاردني عبد الله الثاني جاء تتويجاً لجملة من اللقاءات والخطوات اتخذها المسؤولون في البلدين على طريق ” تطبيع ” العلاقات الاردنية مع الدولة في سورية، اللقاءات التي اتخذت طابعاً أمنياً واقتصادياً إنٍْ لناحية التعاون الأمني الاردني السوري البحت على الحدود المشتركة من جهة درعا، وتواجد قوات للجيش السوري فقط في المنطقة من دون تواجد أية فصائل أخرى محسوبة على دول بعينها ، وهذا ما تم تسريبه من لقاء وزيري الدفاع في البلدين، أو لجهة حضور وزير الكهرباء السوري مؤتمراً لوزراء الطاقة في عمان، وماتلاه من زيارة وزراء الزراعة والكهرباء والاقتصاد والتجارة والصناعة في الحكومة السورية للأردن .
خطوة الأردن في السعي نحو صياغة تقارب مع الأسد جاء كذلك تتويجاً للزيارة التي قام بها الملك الأردني لواشنطن، وشرح تفاصيل المبادرة التي يقودها لجهة شكل ومضمون التعامل ” الجديد ” مع دمشق ، وهو ماكشف عنه الملك نفسه في تصريحات لشبكة السي إن إن الأمريكية، بأنه في الوقت الذي كان يرى فيه كثيرون بأن سقوط النظام في سورية بات وشيكاً ،كان يرى فيه نظاماً قوياً سيبقى لزمن طويل الأمد مضيفاً أن لروسيا دور محوري في الحرب السورية ويجب الحوار مع موسكو .
خطوة الملك جاءت نتيجة مقاربة سابقة للحرب السورية خلال عشرة سنوات انتهت إلى الفشل في جميع الجوانب الجيوسياسية ومحاربة الإرهاب في سورية، هذا ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط نقلاً عن وثيقة أردنية سرية يرى فيها الملك الأردني ضرورة صياغة مقاربة جديدة تقود إلى ماسماه ” تغيير ” سلوك النظام وتفعيل حل سياسي سوري بصورة تراكمية، يكون لها منعسكات إيجابية لناحية مساعدة الشعب السوري وعودة النازحين ومحاربة الإرهاب واحتواء نفوذ إيران، والحفاظ على المصالح الروسية في سورية، وأضافت الصحيفة نقلاً عن مسؤول غربي رفيع بأن المبادرة نوقشت مع الرئيس بايدن في تموز الماضي، ومع الرئيس بوتين في آب الماضي .
” العطاءات ” السياسية الأردنية سواء بفتح معبر جابر نصيب الحدودي ، وتمهيد الأجواء عربياً لمباركة خطوة التقارب مع دمشق ، بدأها وزير الخارجية المصري سامح شكري بلقاء المقداد ، والتأكيد على عودة سورية إلى بيتها العربي، أو لجهة استقبال الأردن للوزراء السوريين ، وحتى إعلامياً قيل أن توصية صدرت لوسائل الإعلام الأردنية والمسؤولين الأردنيين بتجنب لفظ ” النظام السوري ” في النشرات والتصريحات ، كل ذلك في إطار رمي الكرة في ملعب الأسد لمبادلة ” الود ” بالود والتقارب بالتقارب والخطوة بخطوات ، من هنا يمكن أن نقرأ ونفهم أن اتصال الأسد بالملك جاء ربما لصياغة مرحلة جديدة عنوانها العمق العربي أولاً وأخيراً ، فهل حان الوقت لأن يطلب الأسد من إيران مغادرة الأراضي السورية مع ” الشكر ” بالطبع، وهل سيرد الملك على ذلك بإرسال مسؤول ٍرفيع ٍكرئيس الوزراء للقاء الأسد وهو محملاً بالهدية الرمز ” العباءة العربية ” ؟؟
المرحلة المقبلة قد تشهد مشاهد استثنائية في مسار الحرب السورية ، تسقط فيها محرمات وتبرز فيها ضرورات ،فالوضع الاقتصادي الكارثي في الداخل السوري ربما يكون جسر العبور نحو البراغماتية وترتيب الأولويات.
* كاتب وإعلامي فلسطيني
روستوك -ألمانيا .
Dr.mbkr83@gmail.com
Source: Raialyoum.com