اسيا العتروس
هي بالتاكيد حكاية لم تسرد بعد و معركة كتب لها ان تستمر ما استمرت الحياة على الارض وهي ايضا ذاكرة شعب و مقاومة و نضال لا ينتهي, و هي فوق كل ذلك نجمة في سماء وطن يتوق الى النور و لعنة تلاحق الانذال والخصوم و الاعداء و تجار الاوطان ..
قبل ايام غادرت أسوار السجن و على قبر ابنتها البكر التي رحلت دون ان تودعها أو تحتضنها وضعت باقة الزهور وجففت دمعة لم يكن بامكانها اخفائها او مواراتها وجددت العهد بمواصلة المسارمذكرة بانها غادرت اسوار السجن و لكنها تركت هناك اسيرات نساء وامهات و اطفال كبرن هناك ينتظرن استعادة حريتهن المسلوبة ..
انها امرأة من طينة خاصة حملت تراب الوطن في دمائها و انفاسها , رفضت المساومة والمقايضة و الابتزازو انتصرت للحرية ..و رغم تقدمها في السن و تراجع صحتها الت على نفسها ان تحافظ على نفس القيم والمبادئ التي رضعتها في المهد ونشأت عليها والتزمت بها طوال مسيرتها النضالية من المقاومة الى الانتفاضة الى العمل السياسي في المجلس التشريعي الذي لم يمنحها الحصانة و لم يوفر لها الحماية من اذرع الاحتلال …انها خالدة المناضلة اليسارية الفلسطينية صاحبة الوجه الاسمر النحيل و عنوان التحدي و الشموخ الذي لم تنل منه اسوار السجن ..
بعد ثلاثة أشهر على وفاة ابنتها سهى تمكنت خالدة جرار من الوقوف على قبرها و نعيها بما جاد به لسان أم مكلومة حملت حزنها و حزن كل الامهات و الاسيرات الفلسطينيات …
خالدة جرار القيادية في جبهة التحرير كانت تغادر السجن لتعود اليه في كل مرة و تواجه مصيرها مع ظلم و قهر السجان …
تجربتها مع السجن لا تتوقف عند ما رافقها من مصادرة للحرية و تعذيب و اعتداء على الكرامة الانسانية فقد شاءت الاقدار ان تفقد في رحلتها الاولى والدها الذي لم يكتب لها وداعه ثم امتحنت بفقدان ابنتها البكرذات الثلاثين ربيعا التي توفيت اثرنوبة قلبية ولم يسمح لها الاحتلال وبرغم كل ضغوطات ومطالب المنظمات الحقوقية الدولية بوداعها الوداع الاخيربدعوى انها تشكل خطرا على امن اسرائيل ….واكثر من ذلك فقد كانت خالدة علمت بوفاة ابنتها وهي تتابع الاخبار وسط الزنزانة و تمكنت رغم ذلك من تسريب رسالة مؤثرة في تابينها …
التهمة الانتماء لتنظيم محظور وهي تهمة تلاحق كل من رفض الاحتلال و تصدى له حتى وان كان طفلا في المهد.
صحيح ان خالدة جرار غادرت سجنها و استعادت حريتها ولكنها ستظل تحمل المها ومعه تحمل حلمها المؤجل مع الحرية … لم تكن سهى في استقبالها يوم اطلاق سراحها و لكن كل عائلات الاسرى و الاسيرات كانوا هناك .. في محنتها لم تنسى خالدة جرار رفيقاتها في الاسر و خرجت لتصرح امام العالم و هي تدرك انهم يتربصون بها لاعادة سجنها انها تركت خلفها اسيرات يتطلعن الى الحرية ..و تضيف خالدة جرار بلكنتها الفلسطينية “نحن الفلسطينيين -من فُقدوا وأُسروا واستشهدوا نحن نعي جدًا معنى الإنسانية وهي مفاهيم لا يعي مغزاها الاحتلال وبالتالي هو لا يستوعب معنى فقدان أم لابنتها والتعنت في وداعها رغم اقتراب موعد خروجي من الأسر، وبالتالي أيضًا فهو يستمر بارتكاب الجرائم يومًا بعد يوم حتى في أصعب اللحظات التي يمر بها الإنسان…
وحين سئلت عن شعورها بالندم لنشاطها الذي رمى بها في سجون إسرائيل وحرمها وداع ابنتها، أجابت “نحن لا نعترف أصلًا بمفهوم الندم، نحن نناضل من أجل حرية شعبنا، الاحتلال هو المجرم، هو من انتزعني عنوة وبقوة السلاح واقتادني داخل زنزانة محكمة الإغلاق استقبلت فيها نبأ وفاة ابنتي في واحدة من أصعب لحظات حياتي”…….كل من شاهدها يومها قال عنها كانت خالدة جرار جبل بكل ما تحتمله هذه الكلمة من معاني الصبر و الثبات و الارادة و الاصرار على الحياة ..نحن نبكي لاننا اكثر انسانية ..كانت رسالة خالدة جرار امرأة من طينة خاصة قد لا تختلف عن كل نساء فلسطين و كل المناضلات من اجل الحرية و لكنها استحقت بطاقة اعتراف بانها امرأة من طينة خاصة ..
كاتبة تونسية
Source: Raialyoum.com