المهندس سليم البطاينة
حماقات تُضاف إلى حماقات سابقة وشباب أفرزه عصر الإنهيارات والهزائم المتتالية حتى خنقه الإحباط وأنهَك رؤاه من الحلم والمستقبل.
بالتأكيد أنكم تذكرون قصة الشاب الرمثاوي قُتيبة الذي كتب على صفحته أنه يريد الهجرة وتَرْك الوطن بعد أن أصابه اليأس والإحباط بالبحث على فرصة عمل .. وحينها خاطبه رئيس الوزراء السابق الدكتور عمر الرزاز عندما قرأ تغريدته بجملته الشهيرة ( لا تُهاجر يا قُتيبة ).
وقتها كتبت مقالاً تم نشره في أغلب المواقع الإلكترونية المحلية كان عنوانه ( أُمزُط يا قُتيبة ).
اليوم لدينا قصة جديدة ورسالة من القهر لقضية أثارت جدلاً وتفاعلاً على مواقع التواصل الإجتماعي ، وهي قصة الشاب أيْهم قندح ومشروعه الريادي في المفرق.
وإليكم القصة …
أيْهم شاب في مقتبل العمر في العشرينات من عمره يرفض ثقافة العيب.
بدأ مشروعه الريادي بشراء بسكليت واشتغل خدمة توصيل ( ديليفري ) وكُل مشروعه ما كلفه مائة دينار .. وأيْهم عشان يكون شغله قانوني ولا أحد يعترض مساره راح على مكتب وزارة الصناعة والتجارة في المفرق عشان يسجل مشروعه ، سأله الموظف المُختص شو مشروعك حكاله أيْهم خدمة توصيل ديليفري أجابه الموظف والله ما عنا بند بهذا الإسم شو رأيك نسجل مشروعك ( خدمات لوجستية ومناولة وإمداد وتخزين ونقل ) ، طبعاً وافق أيْهم لأنه بده يشتغل صح وما بده وجع رأس.
طبعاً بعد فترة نجح مشروعه وأخذ جائزة من جلالة الملك والتقاه الملك وشجعه .. وانضم لأيْهم مجموعة من أصدقائه الشباب وصاروا يشتغلوا ويطلعوا مصروفهم ، ومنهم من هو على مقاعد الدراسة الجامعية والمدرسية ، وآخرون من الشباب من اشتغل معهم بعد الظهر عشان تحسين أوضاعهم.
لكن المفاجئة كانت بعد عدة أشهر حيث تلقى أيْهم اتصال هاتفي من ( هيئة تنظيم قطاع الإتصالات ) وأبلغوه أن مشروعك بده ترخيص من الهئية ورسوم ١٢٠٠ دينار كونك بتشتغل خدمة بريد.
تفاجىء أيْهم وقال لهم أنا شغال بوصّل سندويش ووجبات شاورما وفلافل وخضرة وجاج وأحياناً دواء من الصيدلية ، وعلى طول قاله الموظف يا حبيبي وقف شغلك وممنوع أنك توصل دواء هاي الشغلة بدها كمان ترخيص من ( مؤسسة الغذاء والدواء ) ، وعشان توصل ساندويش بدك وصل استلام وتسليم لكل وجبة وتواقيع وسجلات وتزويدنا بها شهرياً.
طبعاً الزلمة أصابه الإحباط لكنه واصل مسيرته كالمعتاد وإذا بالهئية تعاود الإتصال به بعد عدة أشهر وتبلغه أنه عليك رسوم ترخيص خمسة سنوات ومطلوب منك عشرة الآف دينار غير الغرامات وإلا سيتم منعك من العمل.
معاناة وقهر ولا أدري ماذا أقول لك يا أيْهم .. فالشباب أمثالك عليهم أن يتحملوا دون غيرهم التبعيات والإكراهات الناتجة عن أزمات الدولة ونتائجها العكسية.
والأردنيون باتوا يئنّون في صمت من وطأة الحياة القاسية عليهم .. وغالبيتهم أصبحوا فقراء.
والوطن يا أيْهم لم يعُد شعر في ديوان الكون ، ولَم يعُد الإتجاهات الأربعة .. ولم يعُد القلب والنبض والشريان .. والوطن يا أيْهم مُتعب منذُ سنين ولا نعرف إلى إين يُبحرُ فينا.
فالشباب أمثالك وبفعل فاعل أصبحوا أسيرون للخوف والأقرب إلى الضياع وكأن الحقيقة غائبة أو مجهولة.
وأنا أعلم أن قاموسكم مليء بالمفردات المقلقة والمُرعبة مثل الإحباط والفشل والطريق المسدود واليأس والتشاؤم .. لكنكم يا صديقي قادرون على تغير تلك المفردات إلى مفردات جديدة تحل محلها كالتفاؤل وتكرار المحاولة والنهوض من جديد بالعزم والإصرار.
فغيوم الخوف لن تحجُب مساحات النور بيننا وسنظل رغم الخوف عليكم أوفياء لحبنا القديم .. وربما صار مُلحا علينا الإعتراف أننا نواجه أزمات مؤسساتية مُركبة ومتعددة الأبعاد ذات خطورة استثنائية.
إنها مرارة تلوي اللسان فأحلام شبابنا تتدحرج من غرفة إلى أخرى وتُركل أحياناً والجميع يسأل إلى أين نحن ذاهبون ؟
فأُمْزُط وهاجر يا أيْهم قبل أن يُدمرك الشعور بالإحباط والإكتئاب .. فالصورة توحي باليأس ولا شيء يسرُ ولا خطوات تُطمئن وأحلامكم باتت ضرباً من الخيال مبنية على الرمال.
نائب اردني سابق
Source: Raialyoum.com