ما هو الأحسن لشعوب المغرب العربي.. سياسةٌ تقرّبُ بينها.. وتساعد على تنميتها.. أم سياسة تباعدها عن بعضها.. وترعى تشرذمها.. وتبديد ثرواتها؟

 

عبد السلام بنعيسي

يشكِّلُ إعلان الجزائر إغلاق مجالها الجوي أمام جميع الطائرات المدنية والعسكرية المغربية خطوة إضافية أخرى في مجال تصعيد التوتر القائم والمتفاقم بين الدولتين الجارتين المغرب والجزائر. فلقد اجتمع المجلس الأعلى للأمن برئاسة الرئيس عبد المجيد تبّون وقرر الغلق الفوري للمجال الجوي الجزائري على كل الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، وكذا التي تحمل رقم تسجيل مغربي ابتداءً من لحظة الإعلان عن القرار.

لقد اتُخِذَ القرار ودخل حيّز التنفيذ بشكل فوري، ولا نعلم ماذا تخبئ لنا الأيام القادمة من قرارات على غراره، قد يتم اتخاذها والإعلان عنها من طرف السلطات الجزائرية، دون تحديد الأسباب المباشرة التي تستدعيها، عدا الحديث في العموميات، عن استفزازات، وقرارات عدائية صادرة عن المغرب تجاه الجزائر.

مهما كانت المبررات التي تتذرع بها الدولة الجزائرية كأسباب لتصعيد خلافاتها وصراعاتها مع المغرب إلى هذا المستوى العالي الذي ينذر بتفجير المنطقة برمتها، فإن السبب الحقيقي للتصعيد الذي لا تعلن عنه الجزائر يكمن في الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية، وفتْحَ دول عديدة عربية وإفريقية وآسيوية قنصليات لها بمدينتي العيون أو الداخلة.

 لقد أنفقت الجزائر مئات المليارات من الدولارات في تسليح البوليزاريو، وفي الترويج لها، وفي مساعدتها على شنِّ اعتداءاتها على المغرب، وكان الهدف من وراء ذلك هو نزع الصحراء المغربية عن وطنها الأم، ولكن جميع المحاولات الجزائرية باءت بالفشل، وكل الأهداف التي كانت ترمي الجزائر الوصول إليها تبدت لها بأنها سرابٌ لا غير.

فوضعية الستاتيكو التي تعيشها الأقاليم الصحراوية ميدانيا على المستوى العسكري، وحركة الإنماء المتصاعد التي تشهدها الصحراء، ومساهمة ساكنتها في الحياة السياسية، بما فيها الاستحقاقات الانتخابية، سواء الجماعية أو البرلمانية، ومع التغيير الديمغرافي التي تعرفه المنطقة بفعل تنقل الأفراد بين جهات الوطن، والتزاوج والانصهار الاجتماعي.. كل هذه المعطيات تؤشر على أن الأمور تتجه صوب تكريس مغربية الأقاليم الصحراوية وتثبيتها واقعيا، وبشكلٍ لا رجعة فيه..

يضاف إلى ما سلف، وجود إجماع مغربي متماسك وقوي على التشبث بمغربية الأقاليم الصحراوية، وهناك التفافٌ وطني واسع حول الملك بخصوص مغربية الصحراء، ويجوز القول، إن المؤسسة الملكية هي التي تقف في صفِّ الشعب المغربي في تمسكه بوحدته الترابية، وأبانت مجريات الأحداث أن الشعب المغربي مستعدٌّ لتقديم كل التضحيات التي تستلزمها معركة عدم التخلي عن صحرائه، فلا يعقل أنه بعد حوالي نفس قرن من الجهد والعرق والتعب والدم للدفاع عن مغربية الصحراء أن يتم التفريط فيها تحت أي مبرر من المبررات، فهذا من سابع المستحيلات.

فالنغمة التي يرقص عليها المغاربة، هي أن المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، ولا أحد بمقدوره تغيير هذا الواقع. ومقولة إجراء الاستفتاء بغاية فصل الصحراء عن المغرب باتت متقادمة، ومجلس الأمن صار يدعو منذ وقتٍ بعيدٍ إلى حلٍّ متفاوض عليه، ومقبول من جميع الأطراف.

أمام هذه الحقائق العنيدة ليست لدى الجزائر خيارات كثيرة لفرض إجراء ما تسميه استفاء في الصحراء وتطبيقه في الميدان،  لديها خيار واحد هو أن تتحرك بجيشها، وتقتحم الأقاليم الصحراوية بالدبابات والمدافع والقنابل، وعلى هدير قصف الطائرات، وأن تستولي على الصحراء، وتطرد منها القوات المسلحة الملكية، وأفراد القوات المساعدة والأمن المغربي، وجميع المغاربة غير المنحدرين من الأقاليم الصحراوية، وأن تترك في تلكم الأقاليم الأشخاص الذين تعتبرهم صحراويين فقط ، وأن تنظم لهم استفتاء تسميه استفتاء تقرير المصير، وأن تعلن عن نتيجة الاستفتاء المتمثلة في رغبة الساكنة في الاستقلال، وتؤسس لهم دولة الجمهورية العربية الصحراوية التي تعترف بها حاليا قبل تأسيسها..

هذا هو الخيار الوحيد الذي تمتلكه الجزائر لكي تنفذ السياسة التي تبتغيها في المنطقة. إذا كان بوسعها القيام بذلك فلتتفضل بتنفيذه، وإذا كان تطبيق هذا الخيار مستحيلا، وهو كذلك، فإن على السلطات الجزائرية مراجعة سياستها هذه، والتخلي عن المكابرة والمعاندة والقبول بالجلوس على طاولة التفاوض مع السلطات المغربية لإيجاد الحلول المتوافق عليها بين الطرفين، وبالإمكان العثور على الحلول لكافة المشاكل إذا خلُصت النوايا.

ليس من مصلحة الشعبان المغربي والجزائري حدوث استقطاب دولي حول منطقة المغرب العربي، تَشدُّدُ كل دولة في موقفها هو الذي يؤدي إلى استفحال الاستقطاب الدولي والحضور الأجنبي في المنطقة. اصطفاف أمريكا وبريطانيا وربما استراليا والكيان الصهيوني إلى جانب المغرب سيؤدي إلى اصطفاف أوروبا وروسيا والصين إلى جانب الجزائر، وبطبيعة الحال فإن هذا الاصطفاف ليس في مصلحة المغرب والجزائر، لأنه يتم على أرضهما، وكل دولة منهما تقدم التنازلات الكبيرة، لكسب ود الجهات الأجنبية على حساب المصالح الوطنية لشعبين شقيقين يجمعهما المصير الواحد المشترك، مهما باعدت بينهما القرارات المرتجلة المتخذة من طرف نخبتهما السياسية التي تحكمهما…

منذ ما يقرب من الخمسين سنة والمنطقة تعيش في أجواء التوتر، وخيراتها وثرواتها تُسْتَنْزَفُ في صراع غير مجدي، والإمعان في تصعيد التوتر والتوغل فيه، لن يؤدي إلى أي نتيجة تفيد البلدين الجارين، بل سيزيد في استنزاف ثرواتهما، وارتهانهما للخارج. فلماذا لا تبادر النخبة الحاكمة فيهما لاستبدال سياسة التوتير، والتأزيم، والهدم، والتدمير، بسياسة أخرى، قوامها الحوار، والتضامن، والتعاون،  والبناء والتشييد؟؟؟ ما هو الأخْيَرُ والأحسن لشعوب المغرب العربي؟ سياسة تقرّبُ بينها، وتساعد على تنميتها وتطويرها، أم سياسة تباعدها عن بعضها، وترعى تشرذمها وتبديد ثرواتها؟؟؟

كاتب مغربي

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *