المغرب الذي نريد: بين أمال السيد أخنوش وتطلعات غالبية المغاربة

د. طارق ليساوي

ليعلم القارئ المغربي و خاصة من يتهمني بالتحامل و التشاؤم أني أتردد كثيرا في الكتابة عن الشأن المغربي ، ليس خوفا من احد ، فالحمد لله لا أخشى إلا رب العالمين،و إحقاقا للحق لم أتعرض يوما لمضايقات بسبب الرأي المعارض، و لدي أصدقاء و زملاء في رأس هرم السلطة و تربطني بهم علاقات جيدة و أناس على درجة كبيرة من النزاهة و الدراية و نظافة اليد، فليس الكل فاسد،  وعندما  انتقد فأنا لست ضد أشخاص و إنما منهجية إدارة،  ترددي في الكتابة خاصة منذ إندلاع جائحة كورنا، راجع  لظروف الأزمة التي تمر بها البلاد،و أرى أن الظرفية تقتضي مرحليا الابتعاد عن الجدل و الخصام ونقد السياسات العمومية و التدابير المتخذة اقتصاديا و إجتماعيا، لأن أولوية الأولويات في الظرفية الراهنة هو حفظ صحة الناس و تجنيب البلاد كارثة إنسانية خاصة في ظل بنية تحتية صحية هشة ووضع تنموي في غاية الهشاشة، كما أني كأكاديمي يؤمن عن علم بأن الدولة القطرية بالعالم العربي تجربة فاشلة، و لا تقود إلا لمزيد من الفشل خاصة في ظل أنظمة سياسية عاجزة عن تحقيق مكاسب لبلدانها و شعوبها، وأن الحل –بنظرنا- يتجاوز حدود البلد الواحد و يقتضي سياسات إقليمية موحدة أمنيا و إقتصاديا و تجاريا،خاصة في زمن كورونا و ما بعدها، فالعالم يشهد تحولات عميقة، و أن مواجهة هذه التحولات الكبرى لايمكن أن يتم بنفس الوجوه و العقليات و بنفس السياسات العمومية التي فشلت في تحقيق نتائج إيجابية في ظروف عادية، فكيف الأمر في ظل ظرفية عالمية غير مسبوقة…؟

ولعل عودتي للكتابة هي نتاج طبيعي لترأس السيد أخنوش للحكومة ، و انا سبق لي أن إنتقدت أطروحته القائمة على التوسع في المديونية و دعم المقاولات الخاصة وهذا التوجه   دافع عنه في مقاله “المغرب الذي  نريد بعد الجائحة” ..

ومما أثار إنتباهي في مقاله و الذي يعد بحق خريطة طريق للمرحلة القادمة ، و لعل وصوله للحكومة  هو بداية الغيث، فقد قال : ” الوقت الراهن ليس مناسبا للتقشف: إذ أن مستوى الدين في لحظة ما لا يهم، بقدر ما يهم منحى الدين على المدى المتوسط والبعيد. كما أن لجوء الدولة إلى الاقتراض من أجل التغلب على أزمة خارجية، لا مفر من تداعياتها، أمر جد طبيعي. فلحسن الحظ، يتمتع المغرب بمقومات جيدة ومالية عمومية متينة، وذلك بفضل سنوات من التدبير العقلاني والاستباقي، وهذا يتيح لنا مجالا لتعبئة المزيد من الموارد، إن لزم الأمر..”كما يقترح السيد أخنوش أنه يجب أن يتوقف ذلك الخطاب، الذي يولي الأسبقية لمداخيل الدولة ويضع على كف المعادلة الاختيار بين إنقاذ الدولة أو المقاولات، فبالنسبة له، الترويج لسياسة تقشفية يعتبر خطأً جسيما…ويؤكد أنه من أجل تنظيم مرحلة الخروج من الأزمة لن يكون أمام الدولة من خيار سوى الرفع من مستوى المديونية وتحمل المخاطر، ومواكبة الفاعلين حتى يتمكنوا من تخطي المرحلة…

من الطبيعي أن تتوجه الدولة إلى دعم المقاولات المتضرر و مساعدتها للخروج من الأزمة، فهذا إجراء طبيعي و بموجب أسلوب المقارنة الذي إعتمده السيد “أخنوش”، فإن الصين خصصت منذ تفشي الوباء في شهر يناير 2020 أزيد من 100 مليار دولار لدعم الشركات العاملة في الصين و التخفيف من مديونيتها المرتفعة، وتوفير السيولة الضرورية لمواجهة ظروف الحجر الصحي، و انخفاض الطلب الخارجي. نفس الأمر قامت به أمريكا و بلدان الاتحاد الأروبي و بلدان أسيا و تركيا و ماليزيا و بلدان الخليج..فهذا تدبير لابد منه بل ندعو المغرب إلى رفع الاعتمادات الموجهة لدعم الشركات المتضررة، لكن هذا الدعم ينبغي أن يكون ذا عائد إجتماعي و إقتصادي مجزي ..

لكن المقارنة ينبغي أن تكون شاملة و لا تشمل تقديم الدعم للمقاولات أو التوسع في المديونية، فهذه البلدان الكبرى وفرت دعما “مجزي” للأسر ووزعت إعانات نقدية و عينية مهمة لتشجيع الناس على البقاء في بيوتهم،صحيح أن المغرب إتخد تدابير لدعم الفئات الهشة ، لكن هل من المعقول أن تكفي 100 دولار لأسرة تتكون من 4 أو 5 أشخاص في الشهر؟ فهل تكفي 20 دولار لمعيشة مواطن في شهر ؟ و هل أقل من دولار يكفي لتغطية الإحتياجات اليومية للمواطن؟ كان من الممكن تحقيق نتائج أفضل لو تم رفع هذه المخصصات، لأن ذلك سيعزز الطلب الداخلي، و هذه الأموال سيتم إعادة تدويرها في الإقتصاد المحلي، و هذا أفضل أسلوب و أكثر فعالية لدعم المقاولات و قطاع الانتاج، لأنه يعزز الطلب الداخلي و يخلق دورة حميدة تشجع الإنتاج و التوظيف على المدى القريب و المتوسط..

كما أن دعم المقاولات لا ينبغي أن يكون دعما عشوائيا ، فالمقاولات الصغرى و المتوسطة لها الأولوية في الدعم لأن قدرتها على الولوج لسوق الإئتمان أقل من الشركات الكبرى، كما أن الدعم ينبغي أن يتجه نحو الحفاظ على العمال و تفادي فصلهم و ليس مجرد إنقاذ أرباب العمل من الإفلاس، و هو الأمر الذي فطنت له الصين و أمريكا و أروبا، و إستفادت في ذلك من تجربة أزمة 2008 إذ أن الإعانات التي تم تقديمها للشركات و المؤسسات لم تمنع من إفلاسها بل تم ضخ هذه الاعانات في جيوب القلة ..و هذا ما يحصل في المغرب للأسف..و الله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون…

* إعلامي و أكاديمي متخصص في الإقتصاد الصيني و الشرق آسيوي أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة..

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *