هل يحمل رئيس الحكومة المعين السيد أخنوش.. في جعبته وصفة سحرية فعالة وبرغماتية  لإخراج المغرب من أزماته السوسيوإقتصادية

د. طارق ليساوي

من يتابع كتاباتي طيلة الأسابيع الماضية سيلاحظ أني ركزت على انتخابات 2021 بالمغرب، بالرغم من أني لا أرغب في الانغماس كثيرا  في الشأن المغربي، نتيجة لأني أرى أن مشاكل المغرب و باقي بلدان المنطقة، لا يمكن تجاوزها في إطار الحل القطري، و إنما لابد من التكتل الإقليمي و لابد من توحيد الجبهة الداخلية محليا و إقليميا لمواجهة الخطر الأكبر القادم، و بنظري، هذا الخطر هو التغلغل الصيني في المنطقة اقتصاديا و ماليا، هذا التغلغل و إغراق الأسواق بالسلع الصينية،  يقتل التنمية المحلية و يلعب دور بالغ الأهمية في تعميق أزمات المنطقة ، لأنه بعيدا عن قضايا  الديموقراطية و حق الشعوب في تقرير مصيرها ، فإن الاشكال الحقيقي هو تنموي ، بمعنى خروج المنطقة من حالة الفوضى و اللاستقرار مرتبط بتحقيق إنجازات تنموية على أرض الواقع ، بمعنى خلق فرص عمل لشباب العاطل، الحد من نسب الفقر، رفع معدلات النمو الاقتصادي ، الحد من الغلاء و ارتفاع كلفة المعيشة، تحسين جودة السلع العمومية الصحة و التعليم هذه مطالب اقتصادية و إجتماعية بالدرجة الأولى…

و سيذكر القارئ و طلبة العلم و المختصين أن هذه المقالات كانت حبلى بالتوقعات و المخاواف، و ستصبح من ضمن المراجع التاريخية التي تحدتث بموضوعية و حيادية عن مخاطر المرحلة و منزلقاتها في بلدي المغرب…و ليس في ذلك مدح للذات أو نوع من التضخيم بل على العكس نأمل أن تكون توقعاتنا و مخاوفنا غير سليمة و خاطئة، لكن للأسف لا أتكلم من منطلق ذاتي أو تحليل إنطباعي ، فلست ضد أي شخص أو لون سياسي، بل إني أمقت الشخصنة و التسطيح و تمييع النقاش بنقله من الفكر إلى الأشخاص، و أرى أن هذه الاستراتيجة ” الشخصنة ” هي الأنجع  لقتل كل حوار بناء…البعض يدعوني إلى الكف عن الكتابة و بعضهم يدعوني للتفاؤل، و بعضهم يتهموني بالتحامل على شخص رئيس الحكومة الجديد السيد عزيز أخنوش، لأني قلت من هذا المنبر و قبل ان تعلن نتائج 8 شتنبر ” من الخيمة خارج مايل ” …

و السبب الذي يدفعني إلى عدم التفاؤل و عدم الانجرار وراء الأحلام الوردية ، بأن المرحلة القادمة ستكون مرحلة إنتعاش إقتصادي ووفرة في السيولة ، نابع من عملي  كرجل إقتصاد فدوري أن أحلل المعطيات و على ضوءها أتخد القرار، و لعل هوايتي المفضلة هو الاستثمار عالي المخاطرة و لكن مرتفع الربحية، عملا بالقاعدة الفقهية ” الغنم بالغرم”، و لعل هذا ما جعلني أستثمر في “الفكرة الجيدة” و إن كانت المخاطر مرتفعة..و عدم التفاؤل هو نتاج  لقراءتي للمشهد العام بالمغرب منذ 2016 و التراجع الكبير عن الالتزامات الدستورية و السياسية التي تعهد بها النظام بعد 2011، و سعيه الجاد نحو العودة إلى الوراء و تبني سياسات خاطئة من قبيل تكميم الأفواه و تغليب المقاربة الأمنية، على المقاربة التنموية في إدارة الأزمات و الاحتجاجات الشعبية بدءا من حراك الحسيمة و طحن “محسن فكري” و إنتهاءا بحراك الفنيدق و تطوان  و شعار المرحلة هو “طحن مو”  ..

حب الوطن لا يعني التطبيل و التزمير، بل هو إعطاء النصيحة الصحيحة و المحايدة لمن يهمه الأمر، ومن دون شك استقرار المغرب يهمنا جميعا و على الأخص من قرروا بناء مؤسسات اقتصادية في بلد هش، فعندما يقرر المقاول و رجل الأعمال الاستثمار في بلد ما  فهو يثق في مؤسساتها الوطنية و يربط مصيره بمصير البلد، ويؤمن بأن البلاد يتوفر فيها مناخ استثماري ملائم سيمكنه من جني أرباح المخاطرة و التنظيم و التشغيل..

و الواقع أني منذ قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني، و أنا أتابع بدقة المشهد السياسي و النقاش العام، وهناك وجدل سياسي حقيقي بين المغاربة و غضب في النفوس و خوف من المستقبل، و رفض لسياسات العمومية المتبعة، ظهر هذا بشكل جلي من خلال نسبة المقاطعين للانتخابات، دعونا من نسبة المشاركة 50 في المائة أو حتى 99 في المائة، هذه مجرد أرقام لن تغير من الحقيقة في شيء ، و سياسة “دخل سوق راسك”، و ل”تكلم يرعف” ، و “كول الخبز و سكت ” هي التي أوصلت البلاد و العباد إلى ما نراه تم تبنيها طيلة عقود و لم تفرز إلا سنوات الرصاص و عشرية التقويم الهيكلي…و القادم ربما أسوأ، في انتقاداتي أنا  معتدل و لست منبطح و بينهما فارق كبير،  أبتعد عن التمييع و التسطيح و التطبيل ، من دون شك هذا مبدأ و غير قابل للنقاش أو التفاوض، لكن أحاول أن أكون معتدل وواقعي في تحليلي…

لأني لا أنظر للمغرب من خلال الوضع الداخلي فحسب، المغرب بنظري ،  ضمن فضاء إقليمي يغلب عليه تيار معادي للإرادة الشعبية و الغطاء هو محاصرة الإسلاميين و الحرب على الإرهاب و هلم جرا من الشعارات، التي غايتها قتل إرادة الشعوب في تقرير مصيرها و التحكم في ثرواتها، قتل حقا لشعوب  في  إختيار حكامها و تبني نموذجها التنموي الذي بالقطع لن يكون سليما و فعالا و منتجا ، إلا إذا إستند و أستقى ركائزه من المبادئ و القيم الإسلامية السامقة. كنت أود أن يكون بلدي بعيدا عن هذه التجاذبات و التحالفات ، لكن للأسف البيترودولار له جاذبييه على ما أعتقد…و  الإستثمارات الخليجية لا غنى عنها لجلب العملة الصعبة…و نفخ خزائن البعض …

المغرب مهما نختلف أو نتفق مع رؤية النظام السياسي ، إلا أن للبلاد خصوصيتها فهناك نوع من الحكمة و التعقل تظهر عند الأزمات، هناك تعايش و تسامح هناك تفاهم و توافق و عقد إجتماعي بين الشعب و المؤسسة الملكية ، المغرب ليس بالبلد الصغير او حديث النشأة ، المغرب بلد له جذور و يكفي استحضار المرابطين و الموحدين و المرينيين و هلم جرا، المغرب لم يخضع منذ عهد الأدارسة لأي احتلال كامل لأراضيه طيلة هذه الحقبة ،  إلا بعد الحماية الفرنسية 1912 ..ما يثير تخوفي حقيقة هو الإرتماء في حضن أجندة غير مغربية و ليست مغاربية ، أجندة بعض حكومات الخليج التي تخشى من ثورة شعوبها ، و لذلك تحاول قمع شعوبها من خلال إفشال ثورات الربيع العربي و تحويلها إلى خريف و نموذج للخراب و الفوضى ، ترفض أن ترى نماذج للانتقال الديموقراطي السلمي ، و كان المغرب بعد 2011 نموذج يحتفى به في أغلب المراكز البحثية المرموقة، و نفس الأمر ينطبق على التجربة التونسية لكن يبدوا أن النموذجين يسيران بدورهما باتجاه تكرار سيناريو نظام  السيسي ، الذي جعل من شيطنة الاخوان سياسة دولة، و نتائج السياسة يدفع ثمنها الشعب المصري و الأمن القومي المصري…

و بالعودة للمغرب هناك رأي مفاده أن صعود شخصية ليبرالية و ثرية سيكون له بالغ التأثير في إطلاق النمو الاقتصادي و في خلق سيولة مالية و دورة اقتصادية حميدة نرجو ذلك حقا ، و في سياق النقاش مع بعض الزملاء  حول الازدهار الاقتصادي  القادم مع تولي السيد أخنوش رئاسة  الحكومة ، يمكن لي القول بموضوعية أن  هناك تفاؤل لدى البعض و خاصة  الطبقات الشعبية ، لأن بعضهم ربما لأنه شاهد كم هائل من السيولة تدور  في أيام الحملة،  كما أن  لدى بعضهم فكرة سطحية مادام رئيس الحكومة ملياردير سوف تنتهي جل مشاكل البلاد، كما لو أن الرجل سينفق ثروته لتسديد الدين العام الخارجي للبلاد، و هذه للأسف فكرة سطحية و شعبوية تم تضخيمها و الترويج لها .. أيها السادة في حالة المغرب حتى لو إفترضنا جدلا أن “جيف بيزوس”  مؤسس أمازون و ثروته 177 مليار دولار ، و  “إيلون ماسك” مالك تسلا و ثروته 151 مليار دولار، كانوا أولا مغربين و تم تعينهما الأول رئيس حكومة و الثاني وزير مالية .. لن ينجحوا في فك شفرة أزمات المغرب بالإعتماد على ثرواتهم الشخصية، و التي من المؤكد تفوق ثروات جميع أثرياء المغرب …لأن الإصلاح الإقتصادي يحتاج لحزمة من الإصلاحات و على رأسها إصلاح سياسي حقيقي يقطع مع زواج السلطان بالتجارة لأن هذا هو أصل الداء…أما التفاؤل على أساس أن الرجل ثري أسيدي الله  يبارك ليه و يزيوا ..

لكن بدل التفاؤل ينبغي معرفة مصير 17 مليار أولا ، خاصة و أن هناك شبهات تمس الرجل بإعتباره إمبراطور المحروقات، و ذلك بشهادة تقرير أعدته  لجنة تقصي الحقائق، فعندما كان  وزيرا للفلاحة و الصيد البحري و المياه و الغابات ، تبخرت 17 مليار نتيجة للتلاعب في أسعار المحروقات  و  إلى حد الساعة لا نعلم أين إختفت…أما و أنه أصبح رئيس الحكومة فالأمر  يدعوا إلى القلق ..و صدق من قال  “يا الطامع في الزيادة رد بالك من النقصان”.

للأسف سأقطع على هؤلاء الحالمين بالثروة أحلامهم الوردية الزائفة، وأذكرهم  بالحالة المصرية وصعود نجم الزعيم  و المنقد من الإخوان الجنرال السيسي.. فمثل هذه الاوهام و الأحلام و الوعود التي ليس لها أساس منطقي مثين، هي التي جعلت الغالبية تدعم أطروحة انقلاب السيسي على الرئيس المنتخب مرسي رحمه الله… أنظر اليوم لحال مصر بعد نحو سبع سنوات عجاف… و قد شاركت مؤخرا في برنامج حواري  بقناة فضائية عربية، حول  مصر و الدور الصيني في دعم سد النهضة…و قال لي أحد الضيوف  إن المجاعة و العطش ستقتل ملايين المصريين في السنوات القادمة… و اليوم من عارضوا حكم الإخوان خلال سنة واحدة،  يعتبرون تلك السنة بمثابة الجنة مقارنة بجهنم حكم السيسي الذي أفسد الحرث و النسل ..

لذلك، أرى أن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب مرتبط بداية بالإصلاح و التغيير السياسي فقواعد اللعبة السياسية في المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم لا تخدم التنمية ، فموارد البلاد تنفق في غير محلها و صياغة السياسات العمومية في مجمل القطاعات تتحكم فيها المصالح الفئوية و ليس المصلحة العامة لمجموع المغاربة…فالأولوية ليست تنفيذ إصلاحات جزئية تشمل الاقتصاد و التوازنات الماكرو-الميكروإقتصادية، فالمغرب في حاجة إلى إصلاحات جذرية كفيلة بخلق دورة تنموية حميدة، فالإصلاح السياسي و الدستوري و فق المنهجية الديمقراطية المتعارف عليها كونيا هو المدخل لتحقيق التنمية، و الإصلاح السياسي و الدستوري ينبغي أن يؤسس لعقد اجتماعي جديد بين الحاكم و المحكوم و أهم بنوذه الشعب مصدر السلطة (بعد الله جلا و علا طبعا) ، فاليوم البلاد في حاجة إلى فصل للسلط و تدعيم المراقبة و المساءلة على كل المسؤوليين العموميين، وتقييم انجازاتهم وتفعيل عنصر الثواب و العقاب…

وهذا هو العنصر المفقود في بلادنا، فبدلا من محاسبة ومساءلة الذين تبث تورطهم في قضايا فساد، يتم تعيينهم في مناصب أكبر من التي كانوا فيه، و بدلا من وقف نزيف الأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج و تقارير منظمة الشفافية العالمية تقدر حجم هذه الأموال الساخنة التي تخرج من المغرب بطرق شرعية وغير شرعية بملايير الدولارات سنويا …يتم الاستمرار في سياسة غض الطرف عن هذا النزيف المالي لان في ذلك مصلحة لأصحاب الكراسي و المكاسب…

إن أجندة التنمية في البلاد مرتبطة بتدعيم المساءلة والمحاسبة والتقييم، و هذه الضوابط تقتضي سلسلة لا متناهية من الإصلاحات منها تدعيم الحريات السياسية والفردية وتعزيز دور وسائل الإعلام و الحق في الحصول على المعلومة ، و تدعيم دور القضاء المستقل و النزيه، ووضع قوانين فعالة و عامة تطبق بشفافية وعلى الجميع دون استثناء..

و هذه الإصلاحات و السياسات العمومية الرشيدة مرتبطة بوجود حكومة رشيدة ومعبرة على إرادة الناس، و هو العنصر الغائب فعليا في التجربة المغربية منذ عقود، فوجود حكومات فعالة منبثقة عن إرادة الناس يعد لوحده مدخلا رئيس لتحقيق دورة تنموية حميدة ، ويكفي في التجربة المغربية أن نذكر ثلاث محطات رئيسية في تاريخ الحكومات المغربية والتي استطاعت إلى حد ما إثارة نقاش تنموي عمومي، و تفاديا للإطالة سنوضح ذلك بتفصيل في مقال موالي إن شاء الله تعالى.. و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..

إعلامي وأكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية والسياسات العامة..

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *