د. رامي عياصره
اعلنت مؤخرا حركة طالبان حكومتها الانتقالية المنتظرة ، ترأسها الملا محمد حسن أخوند ونائبه الشخصية البارزة في الحركة الملا عبد الغني برادر رئيس المكتب السياسي ، وقد ضمت الحكومة على عديد من الشخصيات البارزة في قيادة الحركة مثل الملا محمد يعقوب مجاهد وزيرا للدفاع و الملا عبد الحكيم شتي وزيرا للعدل ، والملا هداية الله بدري وزيرا للمالية.
هذا بالاضافة لعبد الحق وثيق رئيسا للمخابرات ومحمد إدريس رئيسا للبنك المركزي.
وقد اعلنت طالبان منذ اعادة سيطرتها على افغانستان ومغادرة القوات الأمريكية انها عازمة على قيادة البلاد الى مرحلة من الاستقرار والتنمية وحسن الجوار واقامة العلاقات المتوازنة مع دول العالم على اساس الاحترام المتبادل.
افغانستان دولة مثقلة بالمشكلات ودون الحد الأدنى من التنمية بالرغم من وجود الولايات المتحدة الأمريكية فيها منذ عشرون عاما ، فلا هي نهضت بالشعب الافغاني ولا هي نجحت في اقامة نظام سياسي متماسك يقدم نموذجا ديمقراطيا ينسجم مع شعارات الولايات المتحدة الأمريكية التي تتشدق بها امام العالم. لقد كانت هزيمة مدوية لامريكا وسقوطا متعدد الجوانب والأبعاد لها.
لكن الشئ الأهم والاعمق من اعلان تشكيل الحكومة الجديدة في افغانستان هو معرفة النظام السياسي الافغاني الذي هو في طور التشكل حاليا في ظل حكم طالبان ، ما هو شكله؟ وما هي ابرز ملامحه؟
وهل ستتعاطى دول العالم معه وتعترف به وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها وحلفائها ؟
كيف ستتعامل معها دول الجوار التي لها مصالح تنموية واقتصادية في إعمار افغانستان واستثمار مواردها الطبيعية؟
اعتقد أننا أمام ولادة نظام سياسي مذهبي مؤدلج يشكّل فيه ملالي طالبان ابرز ملامحه، بمعنى ان النظام السياسي الافغاني قيد التشكل هو نظام ملالي ديني سني ملتزم بتطبيق الشريعة الإسلامية كما اعلنته حركة طالبان مراراً وتكراراً تحت اسم “إمارة افغانستان الاسلامية” على رأسها رئيس حركة طالبان الملا هبة الله آخوند زاده وهو سيشكل مرجعية لكل مفاصل الدولة والحكم ، فهو شخصية متمرسة في المسائل القضائية والدينية التي عمل بها فترة طويلة في الحركة قبل مبايعته زعيماً لها بعد مقتل الملا اختر محمد منصور بغارة أميركية عام 2016م .
النظام السياسي الافغاني الجديد سيكون النظام القضائي ابرز ملامحه الذي سيقوم على الحكم بالشريعة الإسلامية وهي مسألة ستكون محل ترحيب من الشعب الافغاني لكنها ستكون محل انزعاج على مستوى المجتمع الدولي، اذا ما اضفنا لها مسائل حقوق الإنسان و الحريات العامة ومسألة حقوق المراة وحقوق الأقليات فانها محل جدل بين منظومة عادات وتقاليد وانماط المجتمع الافغاني وبين معايير المجتمع الدولي، وبينهما فرق كبير.
الأهم في المرحلة القادمة لتثبيت حكم طالبان هو بناء جيش وطني يعلو على الفصائلية والمليشياوية، و قد تعمد طالبان الى بناء قوة عسكرية خاصة اشبه بحرس ثوري افغاني تكون ابرز وحدات طالبان العسكرية المقاتلة هي عموده و قوامه.
اعتقد بأن طالبان تعي حجم المخاطر التي تحيط بها داخلياً وخارجياً ، وستكون متيقظة على المستوى الامني والعسكري الذي من المفترض بعد كل سنوات القتال أنها تتقنه.
على مستوى السلطة التشريعية لا تميل طالبان الى اجراء انتخابات كما يعرفه النظام الديمقرطي الغربي لتشكيل برلمان ، لكن الأقرب لتفكير الحركة هو تشكيل مجلس شورى ( ليوجيرقا ) يجمع شيوخ العشائر والشخصيات البارزة والمؤثرة في المجتمع الأفغاني ، لكن الحركة قد تلجأ لاجراء انتخابات لاحقاً تحت الضغط الدولي ولو بمستوى الولايات الافغانية بالبعد البلدي والخدمي وما شابه ذلك وقد تستوعب الحركة مثل هكذا خطوة بهوامش معينة، لكنها اليوم لا تشكل لها اولوية بطبيعة الحال.
وهناك مسألة ضبط الأمن الداخلي بالاضافة الى استمرار المؤسسات الحكومية والادارية قائمة وفاعلة، هذا شئ مهم يحتاج الى انجاز ترتيبات سريعة لتثبيت حالة الأمن والاستقرار بالاضافة للانتهاء من تشغيل مطار كابل عن طريق تركيا ومساعدة قطر .
يبقى السؤال الأهم: هل سيقبل المجتمع الدولي هذا النظام الديني الجديد ؟ وما هو موقف دول الجوار الافغاني؟
اعتقد ان حركة طالبان اذا ما تمكنت من نسج نظام سياسي يقبله الشعب الافغاني ويلتف حوله داخلياً فان المجتمع الدولي ليس له خيار غير قبوله ولو على غير رغبة منه مع ممارسة الضغوط عليه لتغيير سلوكه مستقبلاً بما ينسجم مع معايير النظام الديمقراطي الذي يتبناه الغرب.
فكما قَبِل المجتمع الدولي نظام الملالي الشيعي في ايران منذ عام 1979م، لماذا لا يقبل نظام الملالي السني في افغانستان؟!
ولو على قاعدة القبول بالأمر الواقع.
اما حسابات دول الجوار الافغاني فحساباته ومصالحه مختلفة عن حسابات ومصالح المجتمع الدولي ، فباكستان دولة لها امتداد قوي ديمغرافي واستراتيجي وتداخل جغرافي كبير مع افغانستان وهي اكبر المستفيدين من حالة الاستقرار فيها وستكون الدولة الاقرب لنظام طالبان السياسي خاصّة مع التصريحات الايجابية لعمران خان رئيس الوزراء الباكستاني تجاه عودة طالبان للحكم وسيطرتها على كابل.
الصين هي الأخرى لها مصلحة ببناء علاقة حسن جوار مع النظام السياسي الافغاني الجديد لتكسب من خلال قوتها الاقتصادية الناعمة ساحة مهمة خرجت منها غريمتها الولايات المتحدة الأمريكية مهزومة ما يشكل نصراً من نوع معين للصين.
ايران بالرغم من توجسها من نظام طالبان إلا انه ليس لها مصلحة بمعاداته او الدخول معه في حالة صراع او توتر بأي مستوى من المستويات.
تركيا من الدول التي لها تأثير في العالم الاسلامي وهي تعمل جاهدة لحجز موقع متقدم للاستثمار في موارد افغانستان الطبيعية.
قطر لعبت دوراً في غاية الأهمية وكسبت ثقة طالبان بوقت مبكر عندما احتضنت الدوحة محادثات التفاوض بين طالبان والولايات المتحدة وصولاً الى ابرام اتفاق الدوحة عام 2020م الذي مهّد للانسحاب الامريكي. ثم لاحقا كان لها دور في جهود إجلاء الامريكيين واتباعهم من كابل، وهي اليوم تعتبر همزة الوصل بين الامريكيين والغرب وبين حركة طالبان.
قطر لم تدخل ملف إلا وحققت نجاحاً ملحوظاً فيه، كل ذلك يصب في تثقيل وزنها السياسي ويعلي من شانها في المجتمع الدولي ويكسبها الاحترام والتقدير.
اذن نحن أمام ولادة نظام ملالي سني جديد الى جوار نظام ملالي شيعي قديم، يترقب العالم سلوكه وكيفية تعاطيه مع مختلف القضايا والمسائل وفي أي المحاور الدولية سيكون. وهل ستكون افغانستان محلا لاحتضان الجماعات المسلحة ” الارهابية ” بالمنظور الغربي وتكون منطلقاً له؟
كل هذه المسائل ستكون معايير للحكم على نظام طالبان السياسي ولكيفية التعامل معه.
كاتب وباحث أردني
Source: Raialyoum.com