مسرحية الانتخابات المغربية: هذر المال العام في تنظيم انتخابات لا فائدة منها…

 

 

مصطفى العمراني الخالدي

التصويت والادلاء بالرأي في الاستحقاقات واجب وطني يمليه الضمير على كل مواطن غيور في أفق تنمية وازدهار الوطن ،لكن إذا كانت الإنجازات لا ترقى إلى المستوى المطلوب مع هيمنة نفس الوجوه على المشهد السياسي كاخطبوط يسترزق من هذه المنافسات فإن المواطن يتولد لديه اليأس وفقدان الثقة لا سيما أن بعض الوجوه قد ثبت في حقهم انزلاقات خطيرة مثل خيانة الامانة أو ملفات فساد ومع هذا تجدهم في الصفوف الأمامية للمترشحين، فهذا يزيد عزوفا للمواطن على الادلاء بصوته ،ناهيكم عن استعمال المال لكسب أصوات الناخبين وتبقى البرامج أقوال ولا تجسد على أرض الواقع…

في المغرب تواصل الهيئات السياسية، ممثلة في مرشحيها للجماعة والجهة والبرلمان، تنظيم حملاتها الانتخابية بزيارة المواطنين بمنازلهم في القرى والمداشر النائية والجبلية من أجل إقناعهم بالتصويت عليهم والتوجه إلى صناديق الاقتراع بشكل مكثف للإدلاء بأصواتهم…يصلون إليهم للمناطق النائية لربح أصواتهم بعد غياب دام لخمس سنوات،حيث يعاني خلالها المواطن جميع انواع التهميش ،منها ابسط المتطلبات على سبيل المثال الطرق والإسعاف و التطبيب..المواطن اليوم واع بأن من قطع مسافات على طرق غير معبدة أو بواسطة الدواب ليس من أجل المصلحة العامة، بل من أجل المصلحة الخاصة…

المواطن لا يمكنه وضع ثقته في منتخب اختفى عن الأنظار لمدة خمس سنوات وعاد ليظهر من جديد في الانتخابات الحالية، فلا نقبل أن يعتبرنا المنتخبون سلعتهم الرخيصة، يلجؤون إليها كل ولاية انتخابية للفوز بكرسي في المجلس الجماعي أو الجهة أو البرلمان.

من يزور القرى النائية لإقناع المواطنين مرة واحدة في خمس سنوات مثله مثل من يدفع عن كل صوت مقابلا ماليا، كما أن كل الوعود التي سبق للهيئات السياسية تقديمها لساكنة الجبال بقيت معلقة دون تنفيذ، بينما ظلت الساكنة تنتظر ما لا يمكن أن يتحقق إلا في الأحلام والخيال.

ما نشاهده في كل محطة انتخابية من طرف بعض ممثلي الأحزاب السياسية يمكن وصفه بأنه “نفاق اجتماعي وسياسي محض”، لدا فالأحزاب السياسية تساهم بشكل كبير في عزوف المواطنين عن التصويت ومقاطعة الانتخابات بسبب غياب الكفاءة وضعف التواصل..

الافت أن هناك احتمالا كبيرا أن يقاطع المواطنون الانتخابات الحالية، لغياب رؤية تنموية واضحة المعالم في البرامج المقدمة من طرف الهيئات السياسية..

ان أكبر مشكل يعترض العملية الانتخابية الحالية هو النفوذ الاقتصادي والمالي، كما أن تكوين المناضلين أصبح عملة نادرة. الأحزاب تقصي وتهمش الكفاءات، رغم الرهانات التنموية الكبيرة…نفس الأشخاص يترشحون منذ مدة ، لكن الغريب شكلهم ثابت لا يتغير ، لا تبدو عليهم آثار الشيخوخة . هذا حزب البقاء يبقى أعضاؤه شباباً … الغريب في الأمر هو ان نفس الوجوه تتشرح للانتخابات و تفوز رغم سخط المواطنين عليهم. السؤال هو لمادا و كيف تنجح؟

وجوه فوق حلبة الصراع الانتخابي للظفر بكرسي الانتخابات ليس إلا..وجوه عمرت عشرات السنين كقادة احزاب ولو أمد الله في عمرهم مئات السنين لما تزحزحوا قيد أنملة عن كرسي الحزب كأن رحم نساء هذه البلاد لم تلد الا هذه الكانات المعمرة والتي لا يزحزحها عن القيادة الحزبية والعمل البرلماني الا الموت …يتشدقون بشعار فتح الباب في العمل الحزبي والبرلماني للشباب وفِي الواقع يتخذون من الشباب مطايا للخلود في مراكز قرار الأحزاب او الحكومة … هذه الكائنات المعمرة وجوهها التي اصبحت تدعو للامتعاض والتقزز هي من تتصدر اللوائح الانتخابية في المشهد الانتخابي وهي التي تحتكر وكيل اللوائح اما الباقي فهم أرانب سباق هم من يستقطبون الاصوات لوكلاء اللوائح الانتخابية… سئمنا هذه اللعبة القذرة التي لا تعكس الديمقراطية الداخلية للأحزاب …عندما ترى هؤلاء يتسرب إليك الياس والحزن .تخيلوا معي ان ناخبا مثلا خسر الملايين من جيبه ليصل إلى السلطة أهذا سوف يفيد ام سوف يستفيد….

كرهنا وفقدنا الثقة في العمل الحزبي والأحزاب وهذا سبب عزوفنا الحزبي والانتخابي …

لا توجد أحزاب ذات قيمة مضافة في المغرب ولن توجد لأن البيئة والظروف لا تسمح بذلك. إن أحزابنا صنعت كديكور لتؤثت المشهد السياسي دون أن تؤثر فيه، يمكن إعتبارها نوع من الريع أو كما يسميها البعض دكاكين سياسية تفتح مرة كل خمس سنوات في وجه الشعب حتى يمنحها الشرعية وتغلق بعدها حتى تستنزف رصيدها منها لتعاود الكرة من جديد وبنفس الأساليب القديمة دون خجل. إن إصلاح السياسة في بلدنا لن يستقيم دون تغيير قواعد اللعبة السياسية…

البعض لا يقنع بما أعطاه الله من مال وجاه و يبحث عن السلطة. لا أعرف بصراحة نوايا هكذا اشخاص. ماذا سيفعل برئاسة الحكومة؟ هل سيخرخ المغاربة و خصوصا الطبقة الهشة و العاطلين من الفقر؟ لا أظن لان الإنسان كلما كسب درهما طمع في الحصول على مائة.إن لم يكن ينوي استغلال منصبه لأجل تجارته و مشاريعه فما قيمة رئيس الحكومة و هو ينعم في النعيم و لديه ما يمكن أن تعيش به أمة كاملة…. لكن لا ينهي طموح البشر إلا التراب.

الاحزاب مجرد كراكيز تحرك من خلف الكواليس.. سواء تغيرت وجوه المنتخبين ام لم تتغير. فدار لقمان ستبقى على حالها …الاحزاب المخزنية وزعماءها عملة لوجه واحدة ولا ثقة فيها لانها لا تخدم قضايا الشعب الكبرى كالتعليم والصحة والسكن والشغل والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .هذه الاحزاب المخزنية وجميع من يدور في فلكها يشاركون منذ الاستقلال المشروط في المسرحيات الانتخابية التي تكلف الملايير من اموال الشعب لأجل الحفاظ على المنظومة الفاسدة التي تحتكر المال والثروة والسلطة للتحكم في مصير الشعب والوطن. اما الاحزاب والبرلمان والحكومات فمجرد ديكورات…

الانتخابات مجرد بيع الوهم وانتاج مسرحيات ومهازل يستهزأ بها من الشعب ويتم النصب عليه من طرف سلطات التحكم ومن لوبيات الفساد السياسي من جهة اخرى في اطار توافق المصالح !! اما المواطن والشعب فاخر ما يفكرون فيه …

والمحرك الرئيسي في كل هذا هو السيطرة والتحكم وكسب الولاء من جهة والريع والافلات من العقاب من جهة اخرى…

منذ 1956 ونحن نرى هده الانتخابات كأنها عرس موسيقى بلا برامج… وعندما تنتهي 5 سنوات يأتون مرة أخرى بوجه جديد لكي تعطيهم صوتك و لم يقوموا بأي عمل .

الجميع يعرف ان القاعدة الشعبية منعدمة لأغلب الاحزاب خصوصا تلك التي خلقتها ام الوزارات !!

المواطن المغربي ادرك ان الاحزاب السياسية في المغرب هي سبب تخلفه ورجوعه سنوات ضوئية الى الوراء. المواطن اصبح يعي جيدا ان النظام الملكي هو المتحكم في كل دواليب السلطة، فليس بمقدور أي حزب كيفما كانت ارضيته الإيديولوجية و تصوراته السياسية احداث تغيير حقيقي للأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية. ان الخطاب الانتخابي هو مجرد أوهام و خرافات، لذلك المواطن المغربي يريد التغيير الحقيقي وليس الصوري…

مركز السلطة و صناعة القرار الحقيقي في المغرب ليست بيد الحكومة، فهي لا تملك الصلاحيات والسلطة الحقيقية لتغيير الأوضاع، و ليس لها حرية التصرف واتخاذ القرار داخليا وخارجيا…فالوزارات الوازنة و المؤثرة بيد وزراء تكنوقراط ، فمن سيحاسب هؤلاء التكنوقراط الذين لا وجود لهم  في الدول الديموقراطية…

الحكومات السابقة و الحالية و القادمة لا تملك من الأمر شيء و برامج الأحزاب مجرد هذر للوقت و للموارد، فكافة الاحزاب ال 32 المشاركة اليوم في مهرجان الانتخابات لا برنامج لهم ، لأن برنامج الحكومات الثلاث القادمة ( 2021-2035) تم تسطيره واعتماده سلفاً تحت إسم ”الميثاق الوطني من أجل التنمية”…

لا فائدة في الانتخابات و الاستمرار في تدوير نفس الوجوه السياسية ، بل إن أغلب هذه الوجوه التي تحملت مسؤولية إدارة الشأن العام محليا أو وطنيا تحوم عليها شبهات فساد، و بعضها متابع في قضايا اختلاس المال العام، و لازالت القضايا تنظر أما المحاكم المختصة، و بعضها متهم بالتلاعب في سعر البنزين و اختلاس ملايير الدراهم من جيوب المغاربة…و هذا ما يدفعنا إلى طرح الأسئلة  التالية: أليس من العبث استنزاف مالية الدولة في عمليات انتخابية مستهلكة ومكشوفة…!!و ماهي القيمة المضافة لأحزاب “الباكور والزعتر” في ظل وجود ما يعرف ب “الميثاق الوطني من أجل التنمية”..!

المدخل الطبيعي لحل هذه الأوضاع لا يتم عبر إجراء انتخابات دورية و مؤسسات شكلية ، و إنما بضرورة القطيعة مع النموذج المعتمد منذ الاستقلال في تدبير قضايا الوطن على المستوى المركزي و المحلي، و إبعاد الإدارة البيروقراطية و الأسلوب الأمني في تدبير قضايا التنمية …فمحاربة الفقر و خلق فرص الشغل لا تتحقق بالقبضة الأمنية ، و لا تتحقق بالشعارات الانتخابية ، و إنما بضرورة القيام بإصلاحات جذرية و جادة، و كقاعدة للانطلاق يمكن التوافق بين جميع مكونات الشعب المغربي على الرؤية الملكية و النموذج التنموي و تعميق النقاش العام حولهما بمشاركة جميع مكونات الشعب المغربي، و عرض هذه الرؤية لإستفتاء شعبي…وان يكون الشعب قادرا على ممارسة المحاسبة و بالتالي سيحصل التطور لا محالة..

بعد كل هذا لماذا ننتخب و لماذا نهدر الاموال العمومية في انتخابات عقيمة لا تخدم مصالح الشعب. فلا للتصويت على الكراكيز يوم 8 شتنبر حتى لا تحكم على نفسك بالبؤس المؤبد…

انني مع مقاطعة الانتخابات تصويتا و ترشيحا، فالسلطة في المغرب و غيره من البلدان العربية مصدر لتكديس الثروات، وتحقيق المكاسب المالية و التجارية العاجلة في غياب تام لمبدأ المحاسبة و المساءلة…

في الاخير… نفس السيناريو الشعب سيقاطع الإنتخابات وستجده مهتم بالنتائح وسيسهر الليل لمعرفة من الفائز ليس فقط في مقاطعته وإنما في باقي ربوع البلاد. إنه مشهد متناقض لمقاطعين كأنهم ينتظرون نتائج قمار الخيول… فالإنتخابات أصبحت فقط فرجة…الشعب مدعو فقط للإنتخابات والتلقيح وغير هذا فأنت مجرد رقم في لجنة الإحصاء….

محامي مغربي بانجلترا

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *