د. طارق ليساوي
بينما يشهد المغرب انتشارا غير مسبوق في ارتفاع عدد الوفيات و الإصابات بفيروس كوفيد-19 و سلالاته المتحورة ،يتنافس 32 حزبا في الانتخابات العامة، والتي تشمل انتخابات مجلس النواب ومجالس الجماعات والمقاطعات ومجالس الجهات والمقرر إجراؤها في الثامن من سبتمبر/أيلول، ومن بينها 11 حزبا تقدمت ببرامج انتخابية. وبصفتي أستاذا للعلوم السياسية و السياسات العامة فإني أحاول قدر من الموضوعية العلمية، قراءة برامج الأحزاب المشاركة و إلى حدود كتابة هذا المقال لم أطلع إلا على برامج الأحزاب التي لها قدرة على تحقيق نتائج تبعا لنتائجها السابقة، و الملاحظة العامة أنها قشور برامج و شعارات فضفاضة تغيب عنها الدقة الواقعية…
فمثلا يقول برنامج “التجمع الوطني للأحرار” ، إذا ما تصدر الحكومة سوف يعتني بفئة المتقاعدين ممن تجاوزت أعمارهم 65 سنة، ولا مدخول لهم، تخصيص تعويض شهري لهم. إلى جانب التخطيط لتوفير مليون فرصة عمل.
وركز برنامج حزب “الحركة الشعبية” على إرساء “أسس العدالة الترابية” من أجل النهوض بالقرى، ومكافحة الفوارق الاجتماعية، وإدماج الأبعاد الثقافية والبيئية في المسار التنموي، ومعالجة البطالة وتوظيف الشباب، واستخدام التكنولوجيات الحديثة، وتحسين أوضاع ذوي الإعاقة.
من جانبه، دعا برنامج “الاتحاد الاشتراكي” إلى ضمان الحق في خدمة صحية عمومية ذات جودة عالية، وفي سكن مناسب، وتعزيز تكافؤ الفرص، وتوسيع الطبقة الوسطى، واعتماد نظام جباية عادل، وتطوير الاستثمار الوطني بما يمكن من رفع نسبة النمو ويزيد فرص التشغيل.
وأعلن حزب “الأصالة والمعاصرة” عن 9 أولويات للعمل خلال السنة الأولى للحكومة المقبلة، منها ضمان حق الجميع في الولوج إلى مدارس عمومية، والحصول على الرعاية الصحية، والسكن، وصون كرامة المسنين.
ويقوم البرنامج الانتخابي لحزب “العدالة والتنمية” على “تعزيز الموقع السياسي والإستراتيجي والإشعاعي للمغرب في محيطه الإقليمي والجهوي والدولي” إضافة إلى “تحسين المناخ الديمقراطي والسياسي والحقوقي، وتعزيز كرامة المواطن” واستحداث “جيل جديد من الإصلاحات من أجل العدالة الاجتماعية”.
و الواقع أن هذه الأحزاب باستثناء حزب الأصالة و المعاصرة كانت مشاركة في الحكومة، فلماذا لم يتم تحقيق هذه الوعود ، أم أن الحكومة هي رئاسة الحكومة؟
فمركز السلطة و صناعة القرار الحقيقي في المغرب ليست بيد الحكومة أصلا، فهي لا تملك الصلاحيات والسلطة الحقيقية لتغيير الأوضاع المجتمعية المختلفة، و ليس لها كامل حرية التصرف واتخاذ القرار داخليا وخارجيا…فالوزارات الوازنة و المؤثرة بيد وزراء تكنوقراط ، فمن سيحاسب هؤلاء التكنوقراط الذين لا وجود لهم في الدول الديموقراطية…
و لأوضح ذلك، ماهي الأجوبة التي تقدمها أحزاب الحكومة في ما يخص تدهور العلاقات الدبلوماسية مع الجار الجزائر و فيما قبل مع إسبانيا، ماهي برامجهم لخلق جوار جغرافي ملائم للتنمية..؟ ما موقفهم من اعتقال نشطاء حراك الريف و جرادة و اعتقال أصحاب الرأي و التضييق على حرية الرأي و التعبير..؟
نعم ستشهد الفترة القادمة توجها بإتجاه تنزيل بعض الإصلاحات الاقتصادية و الإجتماعية، لأن الماسكين بالأمور يدركون أن المغرب على وشك الإنفجار فمن يحلل وضع المغرب منذ 2016 يلاحظ توالي دورة الإحتجاجات الشعبية و توسعها أفقيا و عموديا بدءا بحراك الريف مرورا بحراك جرادة و حراك الفنيدق و تطوان، فالمغرب برميل أزمات يحتاج لشرارة لينفجر…السلطة و القصر يدرك ذلك و لعل تركيز العاهل المغربي على ما أصبح يسمى بالميثاق الوطني من أجل التنمية أو النمودج التنموي الجديد، يدخل ضمن هذا الإدراك بأن الإستقرار و السلم الإجتماعي أصبح هش…
لكن أعتقد من خلال تتبع المشهد السياسي و الهجوم الممنهج على حزب العدالة و التنمية و أمينه العام سعد الدين العثماني، و محاولة تلميع حزب الأحرار و أمينه العام السيد عزيز أخنوش، توحي بأن إرادة الماسكين بالسلطة، تفضل أن تكون حزمة الإصلاحات التي تندرج في إطار الميثاق الوطني من أجل التنمية، تتم بأيادي مقربة من القصر و لتنسب الإنجازات للمؤسسة الملكية ، و ليس بأيادي ينظر إليها على أن لها أجندتها الخاصة و مشروعها السياسي الخاص .. و تحاول نسبة الإصلاحات لحزبها، و هو ماظهر من خلال تصريحات سابقة للسيد بنكيران حول دعم الأرامل و إصلاح التقاعد و صندوق المقاصة…
لكن حذاري من العودة بالمغرب إلى الوراء و تحديدا ماقبل تفجر حراك 20 فبراير، ففي تلك الفترة كانت الجهود تتم على قدم و ساق لتقوية المولود الجديد حزب البام بزعامة صديق الملك…على كل لسنا ضد أن يتولى الملك مباشرة جهود التنمية، أو يعين شخصية تكنوقراطية أو شخص مقرب من القصر، لكن علينا بالمقابل أن نؤكد على أن من يتحمل المسؤوليه عليه أن يخضع لسوط المحاسبة…لذلك أعتقد أن منصب رئاسة الحكومة لن تقرره صناديق الإقتراع و الله أعلم… الله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون..
إعلامي و أكاديمي متخصص في الإقتصاد الصيني و الشرق ٱسبوي ، أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة…
Source: Raialyoum.com