د. تمارا برّو
لم يمنع تفشي فيروس كورونا المستجدّ الصين والدول العربية من استمرار التعاون بينهما حيث حرص الجانبان على عقد المؤتمرات والمعارض الافتراضية التي تساهم في دفع علاقاتهما إلى الأمام.
أقيم معرض الصين والدول العربية الخامس افتراضياً وعلى أرض الواقع في مدينة ينتشوان عاصمة مقاطعة نينغشيا شمال غربي الصين التي تقطنها الأغلبية المسلمة من قومية هوي بين 19و 22 آب / أغسطس، وحمل المعرض اسم “تعميق التعاون الاقتصادي والتجاري والبناء المشترك للحزام والطريق”.
في رسالته بمناسبة افتتاح هذه الدورة للمعرض، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن الصين مستعدة للعمل مع الدول العربية من أجل البناء المشترك للحزام والطريق بجودة عالية ودفع الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية إلى مستوى أعلى، مضيفاً أن الجانبين واصلا تعزيز التنسيق الاستراتيجي وحقق البناء المشترك للحزام والطريق نتائج مثمرة.
يهدف المعرض إلى تعزيز التعاون بين الشركات العربية والصينية في مختلف المجالات، وتشجيع الاستيراد من الدول العربية إلى الصين، كما يوفر فرصة مناسبة للشركات لعرض أحدث تقنياتها ومنتجاتها وتبادل الخبرات.
وبحسب التقارير الاعلامية شارك في المعرض الذي أُسس عام 2013، ويقام كل سنتين، أكثر من 1000 شركة، ونظّمت الشركات المشاركة سلسلة من المعارض الافتراضية عبر تقنيات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية. وأثمرت فعاليات المعرض عن توقيع 277 صفقة بقيمة 24 مليار دولار أميركي، وتغطي مجالات تشمل المعلومات الإلكترونية والطاقة النظيفة والمواد الجديدة والأغذية الخضراء والتعاون في مجال القدرات والرعاية الصحية.
ونظراً لأهمية موضوع البيئة والتغيير المناخي خاصة في الوقت الراهن، فقد حرص المنظمون على أن تكون جميع مناطق المعرض عبارة عن أكشاك خاصة خضراء وصديقة للبيئة.
وعلى هامش المعرض عقدت فعاليات الدورة الرابعة لمؤتمر نقل التكنولوجيا والتعاون في الإبداع بين الصين والدول العربية بشكل فعلي وافتراضي، حيث ركزت على تعميق التعاون التقني الصيني العربي والتمسك بالابتكار والتشارك. وخلال المؤتمر أكّد وانغ تشي قانغ، وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني، أن وزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية تولي اهتماماً بالغاً للتبادل والتعاون بين الصين والدول العربية في الابتكار التقني، مضيفاً أنه في إطار خطة عمل “الحزام والطريق” للابتكار في العلوم والتكنولوجيا وبرنامج الشراكة العلمية والتكنولوجية الصينية العربية، تعمل الصين على تعزيز التعاون مع الدول العربية في مجالات التبادل الثقافي بين الشعوب والبحث المشترك ونقل التكنولوجيا وبناء حدائق التكنولوجيا وغيرها. وقال وانغ إن “الصين على استعداد لإجراء التبادل والتعاون الدولي الواسع والعميق في العلوم والتكنولوجيا مع دول العالم، ومن بينها الدول العربية.”
وأشارت هيفاء أبو غزالة، الأمينة العامة المساعدة لقطاع الشؤون الاجتماعية في جامعة الدول العربية، إلى أن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية تتوقع أن تجري الصين والدول العربية تعاوناً في مجالات تقنية النانو والتقنية الحيوية وتقنية الطاقة المتجددة والتقنية الزراعية وتقنية الأغذية العضوية والتقنية الطبية وغيرها. وأضافت أن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ستلعب دوراً أكبر في تعميق التعاون العلمي والتكنولوجي بين الصين والدول العربية، وستدعم بشكل كامل اختيار الطلاب والفنيين العرب وإرسالهم إلى الصين لتلقي التدريبات التقنية المعنية.
وتماشياً مع الاحتياجات الحالية للجانبين الصيني والعربي، أصبح الاقتصاد الرقمي والطاقة النظيفة محور تركيز الدورة الخامسة لمعرض الصين والدول العربية، ما أتاح فرصاً ومجالات جديدة لمزيد من التعاون. ويتوقع تقرير صدر في المعرض عن التعاون التجاري والاقتصادي الصيني-العربي لعام 2021 أن الدول العربية ستشهد زيادة في الطلب على البنية التحتية للمعلومات لسنوات.
ولما كانت بعض الدول العربية تفتقر إلى القدرات اللازمة لبناء شبكات اتصال، فإن ذلك يشكل فرصة للشركات الصينية التي لديها خبرة في التصميم الهندسي والبناء ولديها قدرات قوية لخدمة الأسواق الخارجية.
وساعدت شركة هواوي عملاق الاتصالات الصيني بعض الدول العربية في بناء بنية تحتية مثل شبكات الجيل الخامس ومراكز الذكاء الاصطناعي على الصعيد الوطني، وتطبيق التكنولوجيا الرقمية في الجمارك والموانئ لتسهيل التجارة عبر الحدود، وافتتحت أكبر متجر لها خارج الصين في المملكة العربية السعودية.
ولمّا كان تغيير المناخ من المواضيع التي تتفق الدول على التعاون لمكافحته، أصبح الاتجاه العالمي نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة، ويعد المعرض المقام حدثاً مهماً لاستكشاف فرص جديدة للتعاون في مجال تقنيات الطاقة الخالية من الكربون ومنخفضة الكربون مثل الهيدروجين واستخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه.
وقد شهدت العلاقات الصينية العربية خلال السنوات الأخيرة تقدماً كبيراً على جميع الأصعدة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، حيث إن الصين هي أكبر شريك تجاري للدول العربية إذ بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين والدول العربية 239.8 مليار دولار أميركي في عام 2020، وبلغت الصادرات الصينية إلى الدول العربية 1.123 مليار دولار عام 2020، بزيادة بنسبة 2.2 في المائة على أساس سنوي. أما رصيد الاستثمار الصيني المباشر في الدول العربية فقد بلغ 20.1 مليار دولار حتى نهاية عام 2020، في حين بلغ مجموع استثمارات الدول العربية في الصين 3.8 مليار دولار، تغطي العديد من المجالات، مثل النفط والغاز والبنية التحتية والتصنيع والخدمات اللوجستية والطاقة الكهربائية وغيرها.
ونظراً لأهمية دور الدول العربية في مبادرة “الحزام والطريق”، التي أعلن عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ في العام 2013 ، والمنفعة التي ستعود على المنطقة من جراء الانضمام إلى المبادرة، وقعت الصين وثائق تعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق” مع 19 دولة عربية وجامعة الدول العربية. كما عمدت الكثير من دول المنطقة، لا سيما الدول الخليجية، إلى مواءمة استراتيجياتها التنموية مع المبادرة، منها رؤية السعودية 2030، رؤية الأردن 2025، رؤية عمان 2040، رؤية قطر الوطنية 2030، رؤية الكويت 2035 ، ومشروع مدينة محمد السادس الذكية بطنجة المغربية، ورؤية مصر 2030.
وتكمن أهمية المنطقة العربية أيضاً لبكين، ولا سيما دول الخليج العربي، في كونها غنية بالنفط الذي تحتاجه الصين التي تعتبر أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، وثاني أكبر مستهلك له بعد الولايات المتحدة الأميركية. وتستورد الصين حوالي نصف احتياجاتها من النفط من الدول العربية إذ بلغ ما استوردته الصين من الدول العربية من النفط الخام حوالي 250 مليون طن خلال العام 2020. وتعدّ السعودية أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين في العام 2020 ، وبحسب بيانات الجمارك الصينية بلغت شحنات النفط السعودية إلى الصين 84.92 مليون طن أو نحو 1.69 مليون برميل يومياً بزيادة 1.99 % على أساس سنوي، والعراق ثالث الدول المصدرة للنفط إلى الصين بحيث بلغت شحنات النفط العراقية عام 2020 حوالي 60.2 مليون طن، وبلغت نسبة النفط العماني إلى الصين 37.838 مليون طن.
يسعى الجانبان الصيني والعربي إلى تطوير علاقاتهما وتوسيعها لتشمل مجالات جديدة عدا عن النفط الذي يبقى أهمها. وبحسب وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية الصادرة عام 2016 تحرص الصين على تطوير علاقاتها مع الدول العربية حسب معادلة 1+2+3 حيث تشكل الطاقة المحور الرئيسي للتعاون، ومن ثم مجالي البنى التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار، ثم المجالات الثلاثة ذات تقنية متقدمة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقات الجديدة، إضافة إلى التعاون في مجالات أخرى منها الرعاية الصحية والطبية والتعاون الزراعي.
الصين بحاجة إلى العرب كما أن العرب بحاجة إلى الصين، وبالرغم من المعوقات التي تواجه العلاقات الصينية العربية نتيجة لتدخلات بعض الدول ومحاولتها كبح تطور هذه العلاقات، إلا أنه يبدو أن هناك نية حقيقية لدى الجانبين في تعزيز علاقاتهما لما يعود بالنفع المتبادل.
باحثة لبنانية في الشأن الصيني
Source: Raialyoum.com