المهندس سليم البطاينة
بالتأكيد سيتبدّل المشهد السياسي والإستراتيجي في كل أرجاء المنطقة بعد خروج أمريكا المفاجىء من أفغانستان، فهي لم تسقط بيد طالبان لأن جيشها ضعيف التسليح والتدريب بل سقطت لأن أمريكا تريد ذلك.
ولا أعتقد أن الإدارة الأمريكية ساذجة وضعيفة التقدير وقصيرة النظر لتطوي ملف 20 عاماً من إحتلالها لأفغانسان وخسارتها ل 2400 قتيل وانفاقها مبلغ 750 مليار دولار لتذهب أدراج الرياح.
وفي تحليل للمشهد السياسي والعسكري نرى أن ما حدث ليس محض الصدفة، بل هو عمل دُبّر بليل تم التخطيط له مسبقاً وعلى أعلى المستويات الدولية في العالم .. وهو مخطط كبير بدايته معروفة لكن نهايته غامضة في علم الغيب لا يعرفها أحد .. وإن كانت بإعتقادي الشخصي أنها ستكون داخل إيران.
فعبر قطر وقبل خمس سنوات دخلت أمريكا بمفاوضات مع حركة طالبان دون علم إيران.. ومن دون علم الحكومة الأفغانية المنتخبة، وهذا يُدل أن السياسة الأمريكية بلا أخلاق ولا يوجد لها أصدقاء أو حلفاء على المدى الطويل.. والغموض في سياستها الخارجية هي سياسة بحد ذاتها هدفها إرباك كل الأطراف، والجانب المعلن في سياستهم الخارجية لا يعبر عن حقيقتهم.
وأنا شخصياً لا أريد الإستعجال في الحكم على ما جرى .. لكن بإعتقادي أن هناك أهدافاً غير معلنة وراء ذلك الإنسحاب كتوريط دول الجوار وإخراج الأفاعي من جحورها والمتواجدة في سوريا والعراق ولبنان واليمن وشرق الفرات وباكستان ونقلها إلى الأرض الأفغانية.
وبذلك تكون أمريكا قد حققت مكاسب استراتيجية نتيجة خلق فوضى تنغمس فيها دول الجوار الأفغانية .. فعلى سبيل المثال لا الحصر فحدود إيران مع أفغانستان نحو 1000 كيلو متر، وهذه المسافة الطويلة جداً كافية لإخافة النظام الإيراني ، خصوصاً في منطقة لا تعرف الهدوء حيث تبحث فيها القوى الصاعدة بلا كلل عن ثغرات بحثاً عن أدوار جديدة .. فعودة طالبان تُمثّل بالنسبة لإيران التهديد الأكبر .. والماضي لا يشهد لطالبان بالحكمة ، لذا تحملُ الأيام القادمة نوعاً جديداً من التحالفات الإقليمية والدولية مع الأقليات العرقية والشيعية ضد طالبان لوقف تمدّدها ، وهذا سيؤدي إلى حدوث مواجهة إقليمية أوسع على الساحة الأفغانية.
حيث يبدو لنا أن الخريف المقبل سيكون ساخناً إقليمياً بسبب خطط توزيع الأدوار الأمريكية الجديدة في المنطقة وما يمكن أن يترتب عليها من تطورات عسكرية على وجه الخصوص.
والواضح أن إيران وحلفائها في سوريا والعراق ولبنان واليمن هم الهدف الأكبر في جميع السيناريوهات الإستراتيجية العسكرية الأمريكية القادمة في منطقة الشرق الأوسط.
فما زال هنالك علامات استفهام حول انسحاب القوات الأمريكية وتركها لسلاحها وجميع معداتها .. فتلك العلامات منطقية تتقولب إلى حيرة مدهشة في ظل مشهد سيرالي ينطبق إلى حد ما مع المشهد في العراق.
وصانع السياسة الخارجية الأمريكية ليس ساحراً لكن لديه خطة لكل موقف ولكل دولة في العالم.
والسياسة الخارجية الأمريكية حالياً تتجه إلى شرق آسيا بما يسمى Asian Pivot الإرتكاز الآسيوي حيث ستصبح منطقة شرق آسيا منطقة ذات أولوية للسياسة الخارجية الأمريكية في ظل وجود صعود غير مسبوق للصين وتوسعها في بحر جنوب الصين.
والصين لها مشروع طريق الحرير وإيران لها تحالف مع الصين حول ذلك المشروع ولها تفاهمات مع روسيا حول المنطقة بشكل عام ومستقبل الغار ومياة المتوسط وبحر قزوين .. وأفغانستان بلد مغلق جغرافياً ليس له منافذ ساحليّة إلا عبر الدول المجاورة.
فمن غير المستغرب أن تشهد المنطقة عودة الخلايا النائمة ومظاهر الفوضى القديمة إضافة إلى استقطاب الشباب من المحيط الإقليمي لنصرة طالبان (دولة الخلافة الإسلامية) كما يسميها البعض.
عموماً إيران أمام مخطط خطير لا يمكن النظر إليه بسطحية ، حيث تُعد أحدى الدول المعنية بما يجري في الداخل الأفغاني ، فقد تغيّرت من حولها البنية الجيوسياسية وستفعل كل شيء ليبقى لها وجود على الساحة الأفغانية ولن تترك أفغانستان المجاورة لها بأن تنزلق منزلق معادي لها وستقوم بتدوير مقاتليها وميليشياتها من العراقيين والسوريين واللبنانيين والافغانيين من الهزارة (الطائفة الشيعية الأفغانية) .. وسحب لواء الفاطميين من سوريا حيث ستستخدمه كذراع لها في أفغانستان.
وطالبان ستمتص كل المليشيات المنتشرة في دول الإقليم والدول المجاورة لها.
على أيّة حال لن تظهر نتائج الإنسحاب الأمريكي المُفاجىء سريعة على أفغانستان .. فقد نشر موقع Defense One الأمريكي أن خروج أمريكا من أفغانستان سيخلق فراغاً وربما سيتسبّب في حروب على جبهات مختلفة وإن إيران وجيرانها مثل روسيا وأوزباكستان وطاجيكستان وتركمانستان وباكستان تُقاسمها الجغرافيا .. وأشار الموقع إلى تنافس دولي قادم بين باكستان والهند والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وإيران حول أفغانستان مما يعني حروباً بالوكالة ستشهدها الساحة الأفغانية.
نائب اردني سابق
Source: Raialyoum.com