الدكتور عارف بني حمد
يشعر الاردن بنشوة غير عادية بعد إعادة ترتيب وتفعيل العلاقات الأمنية والإستراتيجية مع الولايات المتحدة، وكذلك بعد توقيع إتفاقية التعاون الدّفاعي بين البلدين وبدء سريان العمل بها في 22 آذار 2021 . وعاد الأردن للعب دور إقليمي متميز في قضايا الأقليم وخاصة القضية الفلسطينية وبعض قضايا الإقليم ومكافحة الإرهاب ، بعد محاولات تهميش دوره ومحاولة عزله في عهد إدارة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب بالإشتراك مع إسرائيل وبعض الدول العربية ، نظرا لمواقف الأردن من صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية ورفضه تجييش المنطقة لإستبدال الصراع مع إسرائيل بالصراع مع إيران فقط، لأن أولوية الأردن القضية الفلسطينية، بينما أولوية بعض دول الخليج إيران . وقد جاءت قضية الفتنة ومحاولة زعزعة نظام الحكم في الأردن ضمن هذا الإطار . وجاء تفعيل الدور الإقليمي الأردني والإعتراف بأهمية موقعه الجيو إستراتيجي في الأمن الإقليمي وإستقرار الشرق الاوسط ، في أعقاب الزيارة الناجحة لجلالة الملك للولايات المتحدة ، وكانت أول زيارة لزعيم شرق أوسطي للقاء الرئيس جو بايدن. وأعادت الزيارة التأكيد على أن الأردن هو طرف إقليمي هام وفاعل في قضايا المنطقة، وأكدت على الدور الأردني الحيوي والاستراتيجي في إستقرار المنطقة .
وعلى ضوء تطور الأحداث الأخيرة في أفغانستان وإنسحاب الولايات المتحدة المثير من أفغانستان بعد إحتلاله لمدة 20 عاما وتخليها عن حلفائها ، وتراجع ثقة حلفاء أمريكيا في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط بمصداقية أمريكيا بالإعتماد عليها في حفظ أمن وإستقرار حلفائها . بات على صانع القرار بالأردن بعدم وضع كل بيضاته في سلة واحدة بالإعتماد على العامل الخارجي (الدعم الأمريكي فقط ) في حفظ أمنه وإستقراره، لأن السياسة الأمريكية لم تعد موثوقة ومحكومة بتغير الإدارات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي مع تغير الأولويات والأهداف الإستراتيجة الامريكية ومصالحها في العالم ، مع الإشارة الى ما عاناه الأردن خلال فترة إدراة ترامب من عزل وتهميش . وعلى الأردن أيضا الأخذ بعين الإعتبار إحتمال عودة الجمهوريين للحكم في أمريكا بعد ثلاثة أعوام ، بالنظر الى حملة الإستياء داخل أمريكيا من إدارة بايدن لإنسحابها المذل من أفغانستان .
فمن الطبيعي أن تقوم الدول بتشبيك علاقاتها الدولية والإقليمية لضمان مصالحها، ومن المهم أيضا أن ترتبط الأردن بعلاقة تحالف بقوة عظمى ، لكن مطلوب أيضا توثيق علاقاتها مع قوى دولية وإقليمية أخرى والإبتعاد عن سياسة المحاور الإقليمية لضمان مصالحه ، في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة ، وسعي الإدارة الأمريكية الجاد لإعادة ترتيب العلاقة مع إيران بالعودة للإتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015 ، وما قد يترتب عليه من نتائج بتعزيز دور إيران الٌإقليمي وإعادة دمجها في الأمن الإقليمي على حساب المصالح الخليجية والسعودية على وجه التحديد . وعلى ضوء ذلك مطلوب من الأردن إعادة ترتيب علاقاتها الإستراتيجية والإقتصادية مع السعودية في هذه الفترة وإستغلال ضعف السعودية الإقليمي والدولي وخشيتها من توقيع صفقة أمريكية – إيرانية على حسابها . وكذلك توثيق العلاقات مع تركيا .
وبالتزامن مع العامل الخارجي الذي يعطيه الأردن الأهمية الأولىفي حفظ أمنه وإستقراره ، مطلوب من صانع القرار بالأردن التركيز على العامل الداخلي وهو الأهم في حفظ النظام وإستقرار الدولة، لأن العامل الخارجي لم يحم أنظمة حليفة للولايات المتحدة في العالم (نظام شاه إيران وأنظمة حسني مبارك وزين العابدين وعلي عبدالله صالح وآخرين ). بينما العامل الداخلي أنقذ حكم الراحل الملك حسين طيب الله ثراه خلال حرب الخليج الأولى عام 1990 من حصار الولايات المتحدة ودول الخليج ومصر وسوريا للأردن لرفضه المشاركة بتدمير العراق ، حيث كان الشعب الأردني بكل قواه خلف الملك .
ويتطلب العامل الداخلي تعزيز الجبهة الداخلية وتحقيق إنفراج داخلي، خاصة وأن موسسة الحكم والأجهزة العسكرية والأمنية حاليا في أقوى أوضاعها وحالاتها . وذلك من خلال الآتي :
-
تحقيق إنفراج داخلي من خلال إصدار عفو ملكي شامل عن جميع سجناء ومعتقلي الرأي والنشطاء السياسيين بالخارج والسماح لهم بالعودة للبلاد دون إجراء أمني أو قانوني بحقهم، وكذلك إعطائهم فرصة للمشاركة بالعملية السياسية ضمن سقف الدستور والقوانين الأردنية . وهذا يتطلب إستكمال تسوية ملف النشطاء السياسيين بالخارج والإتصال مع هذه العناصر( بإستثناء العناصر الذين إتصلوا بإسرائيل للإستقواء على الدولة الأردنية )، ودراسة حالة كل عنصر من هذه العناصر على حدى ومعرفة الأسباب التي دفعتهم لمغادرة الأردن والمظالم التي تعرضوا لها، تمهيدا لإحتوائهم وإعادتهم للأردن وإعادة تأهيلهم ومنحهم الضمانات اللازمة بعدم الملاحقة القانونية، لكي يعملوا وينشطوا من داخل الأردن وتحت سقف الدستور والقانون. وهذا هو النهج الهاشمي الحكيم في الحكم بالعفو عند المقدرة ، ولنا بحكمة جلالة الملك الراحل الحسين طيب الله ثراه قدوة ، الذي عفا عن كل من تأمروا عليه سواء بمحاولات الإنقلاب وغيرها وأشركهم بالسلطة وبعضهم تولى مواقع وزارية ورسمية وسيادية حساسة.
فالدولة القادرة والقوية هي التي تتعامل مع كل مواطنيها كأبناء، من ينحرف منهم يتم معالجته وإحتوائه وإعادته الى الطريق الصحيح، وهذه كانت سياسة الحسين رحمه الله .
-
معالجة مشكلتي الفقر والبطالة بحلول عملية فورية ، وخاصة مشكلة الشباب خريجو الجامعات ( 80 ألف خريج سنويا ) الذين يشكلون عبئا على عائلاتهم ، ويشعرون بالإحباط وبفقدان الأمل بالمستقبل ، مما يزيد من حالة السخط العام على الدولة ومؤسساتها .
-
الإستمرار بمسار الإصلاح السياسي وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية ، والإسراع بإجراء إنتخابات برلمانية وتشكيل حكومة جديدة وفقا لنتائج الإنتخابات ، فالأردن بحاجة الى برلمان قوي وحكومة قوية يساعدان جلالة الملك لمعالجة الأزمة الإقتصادية ، والتفرغ لمتابعة مصالح الأردن الوطنية في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة .
وحمى الله الأردن قيادة وشعبا
أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك
Source: Raialyoum.com