بعد الهجوم على حفيظ الدراجي.. الرياضة ينبغي أن تظل بعيدة عن السياسة

عبدالسلام بنعيسي

يتعرض الصحافي الرياضي الجزائري حفيظ دراجي في وسائل التواصل الاجتماعي، لهجومٍ كاسحٍ مُشنٍّ عليه من طرف صحافيين مغاربة. البعض من هؤلاء الصحافيين يشتغل في نفس الوسيلة الإعلامية التي يشتغل فيها حفيظ دراجي، ألا وهي بين سبورت، والبعض الآخر يشتغل في مؤسسات إعلامية مغربية، وسبب الهجوم يعود إلى تدوينات ينشرها الصحافي الجزائري يهاجم فيها، بانتظام، الدولة المغربية، وينعتها فيها بأوصاف قدحية، فتحركت قريحة صحافيين مغاربة، وباشروا الردَّ عليه، بعبارات نابية، تعكس حجم الشعور بالألم الذي ينتابهم وهم يقرؤون تدويناته التي يجدونها مسيئة لبلدهم المغرب..

كم كنا نتمنى لو أن الرياضة، وعلى رأسها الصحافة الموازية لها، ظلت بعيدة عن الجو السياسي المشحون الذي يطبع العلاقات بين البلدين الشقيقين المغرب والجزائر. وظيفة الرياضة هي التقريب بين الأمم والشعوب، وتهذيب الخلافات السائدة بينها، للمساعدة على تطويقها وحلّها. ما يجمع الشعبين المغربي والجزائري أكبر بكثير مما يفرقهما، ومهمة صحافي رياضي يعلق على مباريات رياضية هي العمل من أجل توطيد العلاقات بين المغاربة وأشقائهم الجزائريين.

عدد الذين يتابعون مباريات كرة القدم أكبر بكثير من عدد متابعي خطب السياسيين وتصريحاتهم الصحافية، يفترض أن لدى الصحافي الرياضي الذي يعلق على هذه المباريات جمهورا واسعا، ولاشك في أنه له تأثيرا كبيرا على هذا الجمهور، الأمر الذي يحتم عليه ضبط تصريحاته، وعدم الإدلاء بها بشكل عشوائي، فالكلمة مسؤولية وتترتب عليها تبعات.

لا تتوقف مهمة الصحافي الرياضي في التعليق على المباريات وتحليلها، ما يصدر عنه يصبح له مفعول تربوي وبيداغوجي وسياسي ملحوظ، تأثير الصحافي الرياضي، خصوصا إذا كان يشتغل في وسيلة إعلامية ذات انتشار واسع من نوع بين سبورت، وبات مشهورا، يكون أقوى من تأثير كبار المحللين السياسيين وكتاب الافتتاحيات في الصحف السيارة، ولذلك يتعين على صحافي رياضي من هذا القبيل أن يكون دقيقا في جميع ما يصدر عنه، وأن يتحاشى الزج بنفسه في عالم السياسة المليء بالمقالب، والمناورات، والدسائس، والحساسيات، وأن يلتزم جانب التحفظ والتريث في كتاباته، وحتى في تصريحاته الإعلامية، فكل ما يقوله أو يكتبه، يحسب له، إن كان كلاما لائقا، ومحترما، وإيجابيا، ويحسب عليه إن كان كلاما سيئا، ومسيئا لغيره، ولمحيطه.

العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر متوترة منذ ما يقارب النصف قرنٍ من الزمن، ولكلا الجهتين، المغرب والجزائر، مجموعة من الإعلاميين الذين يكتبون في السياسة، طبقا للتوجيهات، وبما يزيد العلاقات المتردية ترديا على تردٍّ، وليست هناك حاجة لإضافة الصحافيين الرياضيين إلى معمعة الصراع بين الدولتين. يتعين أن تظل الصحافة الرياضية بعيدة عن هذه الأجواء المكفهرة التي تخنق أنفاس المغاربة والجزائريين. الرياضة تعني التسامح والتقارب والتواد، إنها وسيلة من الوسائل القليلة المتبقية التي لا تزال تحفظ للشعبين إمكانية التواصل، والاحتكاك، والتقارب بينهما، ولا يجوز ضرب هذه الوسيلة، وتلويث فضائها، وتعكيره بالمشاحنات السياسية القائمة بين البلدين.

في عزِّ الخلافات القائمة بين المغرب والجزائر، خاض المنتخب الجزائري لكرة القدم مباريات عدة ضد نظيره المغربي في الدار البيضاء، ومراكش، والرباط، وكانت الجماهير المغربية تخصص له استقبالات حارة يتفاجأ الجزائريون بها. وكان اللاعبون الجزائريون يتصرفون في المغرب بروح رياضية، ويلعبون المباريات دون تشنج، ولا يشعرونك أنهم معبؤون نفسيا ضد أشقائهم المغاربة. تجري المباريات وتنتهي في ودٍّ واحترام، تطبعها الروح الرياضية العالية، مهما كانت النتائج التي تسفر عنها.

وأنا أتابع تعليقا رياضيا في قناة الجزيرة الرياضية على ما أظن، أذكر أن اللاعب الدولي الجزائري الشهير رابح مدجر، في معرض تعليقه على إحدى مباريات كرة القدم، أثنى على اللاعب الدولي المغربي ميري كريمو ونوَّه بكفاءته، وبتميزه كمهاجم يجيد تسجيل أهداف رائعة. لقد تأثرت بهذه الشهادة في حق كريمو من طرف مدجر. بدا لي أن اللاعب الجزائري المرموق والمتألق في زمانه لم يجد أي غضاضة في الثناء على لاعب مغربي من جيله.

تحدث مدجر من منطلق الرياضي المشبع بالقيم الرياضية النبيلة، ولم يتكلم بوازع المتأثر بالسياسة الخارجية لبلده تجاه المغرب. لا تزال هذه الشهادة الإيجابية من جانب مدجر في حقِّ كريمو عالقة، بشكل إيجابي، في ذهني ووجداني، منذ سنوات إلى اليوم، ولاشك في أنها عالقة في أذهان ووجدان كثيرين من المغاربة.

وحين فاز المنتخب الجزائري لكرة القدم ببطولة إفريقيا للأمم في الدورة الأخيرة، خرجت الجماهير الرياضية في عدة مدن مغربية تعبر عن فرحتها بهذا الفوز الجزائري وكأنه فوزٌ للمنتخب المغربي، فهذه الروح الرياضية الأخوية هي التي يجب الحرص على صونها، لأنها تشكل نقطة ضوء منيرة في هذا الظلام المطبق على شعوب المنطقة المغاربية.

يعني هذا أن بإمكان الرياضة وصحافتها أن تلعب دور التقريب بين الشعبين، ومهمة الصحافيين الرياضيين، سواء المغاربة أو الجزائريون، هي العمل على جسر الهوة التي تفصل بين الدولتين، لا صبَّ الزيت على النار المشتعلة بينهما. المنطقة في حاجة إلى التهدئة وإعلاء صوت الحكمة والعقل، وتجنُّبِ المزيد من إثارة الغرائز الهائجة. للرياضة جماهيرية واسعة، ولا يجوز شحن أهلها الكُثُر بالخطابات السياسية التي تحرض على النفور والتباعد والكراهية، فهذا فعلٌ مخالف لماهية الرياضة، ولا يخدم مصلحة الشعبين، الجزائري والمغربي..

لدينا ما يكفي من الأطراف المحلية والخارجية التي تعمل جاهدة على إذكاء حمى الخلافات بين الدولتين الجارتين، والمهمة الملقاة على الصحافة عموما، والصحافة الرياضية على الخصوص، هي الإبقاء على أواصر العلاقات قائمة بين الشعبين الشقيقين، وجذوة الأخوة مشتعلة بينهما، والعمل من أجل تمتينها وتقويتها، لتجنيب المنطقة السقوط في قعر الهاوية التي يراد لها أن تندحر إليها. الرياضة ينبغي أن تظل رياضة، والسياسية ينبغي أن تظل سياسة، وأن لا يتمَّ الخلط بينهما، لأن في الخلط بينهما، إفسادا، للرياضة ولصحافييها، بالسياسة..

كاتب مغربي

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *