عبد السلام المساتي
كلما اقتربنا أكثر من الإنتخابات التشريعية والجماعية 8 شتنبر، كلما تضاعف يقيننا بأن تجربة حزب العدالة والتنمية الإسلامي قد وصلت إلى محطتها الأخيرة، وأنه ما عاد بامكان الحزب أن يشكل نقطة قوة في أضلاع مثلث السلطة في البلد بعد ولايتين لهما ما لهما وعليهما ما عليهما. فالحزب يصل هذه الانتخابات منهكا بصراعاته الداخلية التي بدأت تظهر للعلن، على عكس ما كان عليه الأمر سابقا، فقد ظلت صراعات الحزب على مدى سنوات حبيسة جدران مقراته وهو ما جعله أقوى في مواجهة الخصوم الذين كانوا يواجهون حزبا دون نقط ضعف، فالمعلومات المتوفررة عنه كانت هي ما تريد قيادته للآخرين أن يعرفوه.
نقطة التحول الكبرى في مصير الحزب كانت هي الوقوف في وجه السيد عبد الإله بن كيران وفشله في تشكيل الحكومة وتعويضه بالسيد سعد الدين العثماني الذي نجح في تشكيل الحكومة بنفس الشروط التي رفضها سلفه بن كيران، لتبدأ عندها الصراعات تطفو على السطح، وهي الصراعات التي بلغت أوجها مع فشل الحكومة، التي يرأسها السيد العثماني، في تدبير التبعات السوسيواقتصادية للأزمة التي أحدثها كوفيد 19، وتحول الحزب في نظر المغاربة إلى آلية للتجويع بحكم أن كل الإصلاحات والقرارات المتخذة في هذه الفترة كانت تضر بالمواطن البسيط بالدرجة الأولى لأنها تتم على حسابه.
هذه الصراعات تزايدت أيضا بعد الإعلان عن نتائج الإنتخابات المهنية التي تراجع خلالها الحزب بشكل ملحوظ مما جعل العديد من المنتمين للحزب يقدمون استقالاتهم، ومعلنين هجرتهم نحو أحزاب أخرى، وآخر هذه الإستقالات كانت ما وقع في مدينة أسفي حيث استقال 49 عضوا على رأسهم عمدة المدينة.
وإذا ما نحن تأملنا هذه التجربة سنجدها لا تختلف كثيرا عن تجربة حزب الإتحاد الإشتراكي اليساري، الذي وإن اختلفت بنيته واختلفت الطريقة التي كان ينظر بها إلى السلطة عن نظرة الإسلاميين، إلا أن المصير الذي سقط فيه الحزبين هو نفسه تقريبا، نفس الأخطاء، ونفس التبعات. فعلى غرار بن كيران الذي خدعه رفيق دربه العثماني، عبد الرحمن اليوسفي سنة 2002 تفاجأ هو الآخر برفاقه يشاركون في الحكومة التي اختير لقيادتها التقنقراطي إدريس جطو، والتي كان من المفروض أن يرأسها السيد اليوسفي بحكم تصدر حزبه للانتخابات التشريعية حينها. حينها أيضا بدأت النزاعات والصراعات داخل حزب الوردة بعدما أعلن اليوسفي رحمه الله اعتزاله السياسة ومغادرته البلاد.. وهي الصراعات التي تراكمت سنة بعد سنة، ومحطة بعد محطة ليحدث الإنقسام الكبير يوم انتخاب السيد إدريس للشكر كاتبا أولا للحزب، وها هو ما يزال على رأس الحزب بعد اعادة انتخابه لفترة ثانية على رأس الحزب برغم كل الضرر الذي أحدثه. فللأسف نقولها كما قلناها عديد المرات، كل ما يحدث للحزب مؤخرا سببه المباشر هو كاتبه الأول. فخلال انتخابات 2016 بالكاد استطاع الحزب أن يحصد 20 مقعدا محتلا الرتبة السادسة وهي النتيجة التي صدمت حينها الكثير من المتعاطفين مع الحزب، لكنها قطعا لم تكن صادمة لمتتبعي الشأن السياسي في البلاد لأنهم كانوا على دراية تامة بالحالة السيئة التي كان يوجد عليها التنظيم الداخلي للحزب، بحكم أنه مر بالعديد من محطات الصراع التي أنهكته وأوصلته للانتخابات منهارا.
لا أعتقد أن الأمر تغير كثيرا اليوم مادام المسبب الأول لهذه الصراعات باق في منصبه بأعلى هرم الحزب. فاللاتوافق الحاصل على السيد إدريس لشكر هو السبب الرئيس للخلخلة التي تصيب الاتحاد الاشتراكي حتى وإن حاول المتعاطفين مع الزعيم إنكار ذلك علنا، ما داموا يحاولون الإستفادة بطريقة ما، فإنهم يهمسون به لبعضهم في جلساتهم الخاصة. لذلك نتوقع أن لا تختلف نتائجه هذه المرة عن سابقتها إن لم تكن أكثر سوءا,
هذا الوضع الذي يوجد عليه حزب الإتحاد الإشتراكي اليوم، قد يكون نفسه الوضع الذي سيوجد عليه حزب العدالة والتنمية غدا.. فالإسلاميين لم يستفيدوا شيئا من تجربة اليساريين ومشوا على خطواته وكأنهم عمي، أو لعله سحر السلطة ما يجعلون لا ينتبهون للهاوية واكتفوا برؤية الأزهار على جنبات الهاوية.
كاتب مغربي
Source: Raialyoum.com