الحكومة والنواب والحصاد المُر .. أجواء مَشحونة وانتحارٌ سياسيٌ مُبكّر

المهندس سليم البطاينة

بمقال لي تمّ نشره عشيّة تشكيل حكومة الدكتور بشر الخصاونة ذكرت أن الرئيس سيتفاجىء بعد فترة بواقع لم يكن يتوقعه وكل طموحاته ستذهب أدراج الرياح.. وبالتأكيد أنه بعد تلك الفترة من صموده في الدوّار الرابع صُدم وأحبط كثيراً واكتشف أنه وَرث أسوأ وضع اقتصادي في تاريخ المملكة.

وفي الأردن سَتكسب أي رهان يُطلب منك في أن تُحدد شخصاً واحداً بين الآف الأردنيين ممّن يشعرون بالرضا … فالخلاص الفردي وطلب السلامة والهجرة صار مطلباً وهدفاً لهم يعملون من أجله.

والحكومة هنا أخطأت مجدداً وعلى يد وزيرة الطاقة زواتي بتحدّي مشاعر الناس وأدخلت الحكومة في دوامة وألغاز وأحاجي إدارة ملف أسعار المحروقات الأخيرة .. فالمفروض كان تسكينها سعرياً خصوصاً في هذا الظرف المعيشي الصعب والمُتردّي.

فلم تأخذ الحكومة في عين الإعتبار الأبعاد السياسية والإجتماعية وغاب عنها استخدام الأسلوب السياسي الوقائي والإستباقي بوضع مجلس النواب بصورة وحقيقة الإتفاقيّات الموقّعة مع مجموعة البنك الدولي الأخيرة والتي هي عبارة عن برنامج مدّته ثلاث سنوات بدأ فعلياً منتصف هذا العام ومن أهم بنوده رفع أسعار المحروقات والكهرباء وأسعار المياه وخدمات الصرف الصّحي التي من الممكن أن تصل نسبتها حتى ٤٠٪.

فلا ضير للرئيس الخصاونة في أن تكون أوراقه مفتوحة وليس لديه ما يخفيه عن النواب ويضعهم بصورة تلك الإتفاقيات رغم أنه وللأسف غالبيتهم لم يسمعوا بها ولا يعرفون عنها شيئاً.

ولا يجرؤون على فتح المادة ٣٣ ب من الدستور والتي تعطيهم الحق الدستوري بإلزام الحكومة بعرض كافّة الإتفاقيات على مجلسهم لمناقشتها وأخذ موافقتهم عليها .. فالنسبة الكبيرة منهم في غيبوبة سياسية بوصلتهم مفقودة ودورهم مسلوب .. وهم حاضرين دائماً لكن غالبيتهم غائبين عن التأثير عن دَرك مصالح الأردن.

فإذا كثرت تماثيل الهواء فلا قيمة للصُراخ .. فالمجلس يَفتقد لتيار سياسي يمتلك قوة ضاغطة قادرة على إسماع الصوت.

والرئيس الخصاونة مطمَئن من جانب النواب وهو ليس مضطراً للذهاب بقدميه نحوهم ما داموا هم لا يَسعون لذلك.

وهُنا سأسرد قصة خروج الفرنسيين إلى الشوارع قبل أربع سنوات بدون تردد أو خوف ووصلوا مقر البرلمان الفرنسي وقاموا بإغلاقه بالإسمنت والطوب احتجاجاً على قيام الحكومة الفرنسيّة برفع الأسعار وقتها.

ولا أرغب هنا الإغراق في توصيف حالتنا الأردنية خصوصاً إذا ما قررت الحكومة النزول إلى الشارع حيث سترى العجب العجاب أحزان والآم ويأس وبؤس تظهر على وجوه الناس .. فمتلازمة الفقر وتفشي البطالة فاقت حدود المأساوية والشباب دخلوا سن اليأس ولم يعد يهمّهم الكرسي ولا من يجلس عليه بقدر ما يهمّهم من يسد رمق جوعِهم وفقرهم المُطقع.

فالمؤشرات مقلقة وغير مسبوقة ومحاولة البحث عن حلول دون تحليل للوضع القائم حَرث بلا فائدة والسّجال يزداد ويقرع كل يوم أبواب مغلقة .. والإجابات السهلة عادة ما تكون خاطئة .. فلا زلنا نرى حالة من الفردية تعيشها الحكومة بالتعامل مع الواقع.

فبُنية الحكومات في الأردن وللأسف لطالما كانت معرضة للأزمات بسبب ضعفها .. فأزماتها متوالدة وهي نتاج لسياسات فاشلة باتت حالياً أوسع من نطاقها وأبعد من مجلس النواب وازداد يقيني بأن هذه الحكومة ستكون مثل الحكومات السابقة تبحث في المجهول وعن مجهول.

ففي الأزمات التي تحدث داخلياً بين فترة وأخرى تتضحُ أنماطها وموازين القوى فيها وحركة الفاعلين الأساسيين بها .. وما هو الحقيقي منها وما هو المُفتعل ؟ فالخوف من أن تكون صناعة داخلية فهنالك نوعاً من الأزمات ناتج عن صراعات قوى خفيّة فيها خسارة كبرى لا نعرف نتائجها إلا بعد فوات الأوان .. والخسارة العظمى الدخول بها من الأساس.

وهنا نلحظ تراجعاً لدور النخبة عن الساحة والذي يثير تساؤلات كثيرة فهذا التراجع ترك فراغاً في حياة الناس وترك الساحة لنماذج دُمى سياسية شوّهت كل شيء في الفكر والسلوك.

عموماً انتهت أزمة كرسي الرئيس من حيث الشكل إلا أن ذلك لا يعني بأي حال نهاية الأزمات فقد صارت بالنسبة لنا من أهم أدوات الفعل السياسي .. والدولة تعرف جيداً سيكولوجية شعبها فقد عملت على تقسيمهم أفقياً وعمودياً .. والوقت الضائع يُحتَسب في لعبة المستقبل والتنبؤ بما قد يحدث يبدو مستحيل .. وأزمنة الغموض لا مكان لها في سماءٍ مفتوحة ولابد لها أن تنتهي.

والعلاقة السياسية مع مجلس النواب مُكلفة جداً وتحتاج إلى جُهد وطول بال .. وما حدث ليس سوى قشّة صغيرة لم تُحدث قصماً لظهر بعير الحكومة التي نال عدد من وزرائها نصيبه من سقطات وزلات اللسان.

وقبل أن أختم مقالي هناك أسئلة تدور في ذهني لا بد لي من طرحها : هل كانت الحاجة مُلحّة لعقد دورة استثائية ؟ وهل سَحْب قانون الإدارة المحلية من اللّجنة الملكية تسبب بمناوشات وتحرّشات خفيّة مع الحكومة ومجلس النواب ؟

فعلى حد علمي أنه لم تكن هناك رغبة بعقد دورة استثنائية لأسباب تتعلّق بعمل لجنة تحديث منظومة العمل السياسي لتسهيل مهمّتها بعيداً عن التحرشات والضغوطات الجانبية.

نائب اردني سابق

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *