ونظمت المؤتمر دار الإفتاء خلال الفترة من 7-9 يونيو الجاري، حيث يمثل أهمية استثنائية في ضوء مواجهة الفكر المتطرف وتفنيد الحقائق حول أيديولوجيا التنظيمات الإرهابية المشوهة.

وقال علام إنه تم الاستعداد، على قدم وساق لإقامة المؤتمر وخروجه بشكل يليق بمكانة دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، كمرجعية دينية لها قدرها وأهميتها في العالم الإسلامي، فضلا عن أهمية تحقيق الأهداف المرجوة، حيث أكد عدد كبير من كبار الشخصيات الدولية والمتخصصة في ملف التطرف حضورها ومشاركتها في فعالياته.

وأشار مفتي مصر إلى حضور ممثلين عمّا يزيد على 42 دولة، كما يجري الاستعداد بشكل جيد لعرض التجربة المصرية التي تتميّز بالثراء في مكافحة التطرف والإرهاب.

كيف يجري تعزيز الاستراتيجية المصرية لمواجهة التطرف؟

قال علام إن الرؤية المصرية تعتبر “التطرف بشتى صوره هو بمثابة المظلة “الفكرية” التي يتم الاستناد إليها من قبل التنظيمات الإرهابية الهدّامة في نشر رسائلها واستقطاب المؤيدين، ومن ثم لا تتوقف رؤية مصر فقط على أساس مكافحة التهديد المباشر للمواطنين داخل المجتمع، بل مكافحة مَن يتبنون الفكر المتطرّف ويخططون له ويقدمون له الدعم.

أهمية استثنائية لمؤتمر مواجهة الإرهاب

ونوّه مفتي الديار المصرية إلى أهمية المؤتمر الذي يأتي بمنزلة استجابة لواجب الوقت الذي يحتم علينا جميعا الوقوف في وجه ظاهرة عنيفة، محاربتها تستدعي تضافر كل الجهود من مختلف الأطراف.

وبدورنا في دار الإفتاء المصرية فقد أدركنا خطورة الفكر المتطرف مبكرا، وانتهجنا في ذلك أسلوب الرصد والبحث والدراسة للوصول إلى طرق الوقاية والمعالجة الصحية للظاهرة، وفي إطار ذلك استهدفنا ضبط الخطاب الإفتائي، وتحديث أدواته مواكبين حالة التطور التكنولوجي، فضلا عن تدشين مجموعة من المراكز البحثية التي تعد بمثابة أذرع رصدية وعلمية تساعد المؤسسة على بيان مختلف الظواهر ومعالجتها.

تأتي أهمية المؤتمر أيضا، بحسب علام، لتناوله تجارب الدول في محاربة التطرف وفق أربعة محاور أساسية هي: المواجهة الأمنية للتطرف والإرهاب، والمواجهة التشريعية، والجهود الفكرية في مكافحة التطرف والإرهاب، ودور المرأة في المكافحة، ومن بين هذه التجارب: تجارب الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وبريطانيا، والمملكة العربية السعودية والإمارات والأردن، وإندونيسيا، وهو الأمر الذى سيُسهم بدوره في وضع استراتيجية وتوحيد جهود المواجهة، وكذلك تعميق المناقشات العامة والأكاديمية المتعلقة بقضية التشدد بأبعادها المختلفة، ودعم عملية صنع السياسات الخاصة بعملية مكافحة التشدد.

ما هو مركز سلام وما أهدافه؟

وحول مركز سلام لدراسات التطرف وهو الجهة المنوط بها تنظيم المؤتمر، يقول علام إنه مركز بحثي وعلمي وفكري، يعمل تحت إشراف الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم ودار الإفتاء المصرية، ويُعنى برصد وتفكيك وتحليل ظاهرة التشدد والإرهاب باسم الدين، وقد جاءت فكرة إنشاء المركز لمواكبة الظرف الحالي الذي يعيشه العالم بأثره جراء الفكر المتطرف.

وتكمن رسالة المركز الأساسية، بحسب علام، في العمل على تعميق المناقشات العامة والأكاديمية والدينية المتعلقة بقضية التشدد والتطرف، ودعم عملية صنع السياسات الخاصة بعملية مكافحة التطرف وقاية وعلاجا.

معرض الشهيد.. مشروع فني لنبذ العنف برعاية الإفتاء

يقول علام إن المركز دشن، عددا من المشروعات البحثية الرئيسية متعددة الأهداف والأدوات، بهدف تعزيز جهود المركز في مواجهة التطرف وقاية وعلاجا، ومنها معرض الشهيد لنبذ العنف والتطرف، وهو معرض فني في الأماكن العامة؛ مثل الجامعات والمدارس والمراكز التجارية والدينية، ويعرض لأهم شبهات التطرف والرد عليها باستخدام التقنيات الحديثة والجرافيك والفيديوهات القصيرة والشاشات الإلكترونية التفاعلية التي توصل المفاهيم الصحيحة بطريقة إبداعية ومبسطة.

وكذلك أكاديمية سلام ‎لدراسات التطرف، وتهدف إلى تزويد الباحثين والمتخصصين بالمهارات الأساسية الأكاديمية والبحثية في مجال دراسات الإرهاب والتطرف، وهنا تعتمد الأكاديمية على مسارين أساسيين الأول: برامج تدريبية واستشارية والتي تقدم الأكاديمية مجموعة من المواد والحزم التدريبية التي تعمل على ثقل مهارات الباحثين والمختصين والصحفيين في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، والمسار الآخر: برامج أكاديمية (دبلوم – ماجستير) متخصصة.

كما يهدف المؤتمر إلى تدشين الذاكرة الرصدية والمكتبة الإلكترونية لدراسات التطرف، وهي ذاكرة متعددة اللغات، تهدف إلى رصد وجمع كلّ ما كتبته وأصدرته الجماعات التكفيرية والمتطرفة، كما تضم كل ما أنتج معرفيا وأكاديميا عن التطرف وجماعاته.

وكذلك تدشين برنامج منارات الإلكتروني لمواجهة التطرف والإرهاب، الذي يمثل قاعدة بيانات ضخمة في مجال الأفكار والشخصيات والجماعات المتطرفة والعمليات الإرهابية، ويجري تحديثه على مدار الساعة، وذلك عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي والربط الشبكي بين كل عناصر الظاهرة وأطرافها؛ بما يحقق الشمول في المعالجة المؤسسية في التناول والاستجابة.

 الإفتاء تلاحق الإخوان عالميا

وبالحديث عن زيارته الناجحة إلى بريطانيا، التي كشفت حقيقة الفكر المتطرف لجماعة الإخوان، وأهم الخطوات المقبلة، يقول علام إنه يجري العمل في الوقت الحالي من خلال دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، على كل الأصعدة لمواجهة خطر الجماعات المتطرفة ودحر الإرهاب داخليا وخارجيا، فضلا عن تبادل الأفكار والرؤى، والمشاركة في كل الفعاليات الدولية التي تسعى إلى اجتثاث الفكر المتطرف من جذوره.

ويتابع: “كذلك لدينا حرص متزايد على ضرورة التواصل مع القيادات الدينية ووسائل الإعلام العالمية لتصحيح صورة الإسلام في الوعي العام العالمي، كما سنستمر في إرسال البعثات العلمية إلى الغرب لتدريس العلوم الشرعية وتعليم القيم الوسطية وتقديم صحيح الدين للجاليات المسلمة في الخارج، والعمل على محاصرة الشبهات التي تثار حول الإسلام هناك، فضلًا عن استمرار جهودنا في تأهيل أئمة الغرب، وتصويب الصورة السلبية الراسخة في الغرب عن ماهية الدين الإسلامي ووظيفته، بعد عقود من تشويه جماعات التطرف والإرهاب له.”

وبالفعل قامت الإفتاء المصرية بتخريج دفعتين من أئمة بريطانية، ودفعة من أئمة دول روسيا الاتحادية، وكذلك أئمة إفريقيا ودول جنوب شرق آسيا على مدار السنوات الماضية.

ما جديد المواجهة؟

يقول علام إن دار الإفتاء المصرية بيت الخبرة في كيفية معاجلة قضايا التطرف وقضايا الإرهاب؛ وجهودنا لا تهدأ في مواجهة الأفكار المتشددة، وفي سبيل ذلك دشنت الدار مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، عام 2014، وهو أداة رصدية وبحثية لخدمة المؤسسة الدينية باعتبارها المرجعية الإسلامية الأولى في مجال الفتوى، حيث يقدم الدعم العملي والفني والشرعي اللازم والخطوات لتحقيق هذا الهدف، كما يقدم المرصد العون والدعم للمؤسسات الدينية والاجتماعية المصرية في مواجهة تلك الظاهرة وآثارها.

وتم تدشين مرصد الإسلامفوبيا عام 2015، ويختص برصد ظاهرة الخوف من الإسلام ومعالجتها، وتقديم كل التصورات والتقديرات الضرورية لمواجهتها، والحد من تأثيرها على الجاليات الإسلامية في الخارج، وتصحيح المفاهيم والصور النمطية المغلوطة عن الإسلام والمسلمين في الخارج، وقد خرج عن المرصدين مجموعة كبيرة من التقارير الرصدية التي ترصد وتعالج الظواهر والفتاوى الشاذة المنتشرة في ربوع العالم.

وتابع علام: “كذلك دشنا المؤشر العالمي للفتوى، وهو أول مؤشر من نوعه يتابع الفتاوى ويرصدها ويحللها في كل أرجاء العالم.. ويصدر سنويا عن وحدة الدراسات الاستراتيجية التابعة للأمانة العامة، وصولا إلى إنشاء “مركز سلام لمكافحة التطرف”.

تحديات تعييق استراتيجية مواجهة الإرهاب

وحول أبرز التحديات التي تواجه دار الإفتاء في ضوء العمل على مواجهة الأفكار المتطرفة وتنقية الفتوى، يقول علام إن “جماعات الظلام أنشأوا فهما جديدا للنصوص الدينية من وحي خيالهم لا علاقة له بالإسلام إلا اسمه، أما حقيقة ما يدعون إليه، ويمارسونه فهو مغاير تماما لما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة.”

ويضيف علام: “لا شك أن الدعوة لمواجهة الفكر المتطرف وتجديد الخطاب الديني جاءت وسط ظروف استثنائية ووقت شديدة الحساسية، وبدورنا فقد تحملنا في دار الإفتاء منذ عام 2014 أمانة هذه المسؤولية والدعوة الكريمة التي جاءت من السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، إلا أن البعض يرى في تجديد الخطاب الديني هدما للدين، وذهب آخرون إلى تقديس النص التراثي مع غياب كامل لدور العقل، مما أحدث صداما بين التراث والمعاصرة.”

ومن أبرز التحديات، بحسب مفتي مصر ما يتعلق، بالمفاهيم الخاطئة حول الجهاد والعلاقة مع غير المسلم وغيرها، فضلا عن التشويش الذي يمارسه غير المتخصصين، والذي تتعرض له صورة الإسلام في الغرب، وكذلك انتشار المعلومات الخاطئة دون رقيب على الفضاء الإلكتروني، وبث الشائعات. ومن ثم على المؤسسات الدينية في العالم كله ضرورة التعاون لتشكيل وعي جمعي يتطور في مواجهة الإرهاب ورفض التطرف.

برامج خاصة لمواجهة استقطاب الشباب

وحول البرامج الخاصة بتأهيل الشباب ومواجهة محاولات الاستقطابمن جانب التنظيمات المتطرفة، يقول علام إن دار الإفتاء لديها مجموعة من الإجراءات والفعاليات للتواصل مع الشباب لنشر الأفكار الصحيحة ومواجهة خطر استقطابهم، لذا فقد عمدنا إلى نشر الفكر الوسطي المستنير ونبذ أفكار العنف والتطرف عن الدين، والحرص على الوصول إلى صحيح الدين إلى جميع الناس من خلال أكثر من 20 صفحة ومنصة إلكترونية لدار الإفتاء المصرية باللغات المختلفة يتابعها ما يقرب من 14 مليون متابع.

كما عملنا على تفكيك الأفكار المتطرفة عبر الفضاء الإلكتروني، وكذلك عبر إصدار الكتب ونشر المقالات وإصدار فيديوهات الرسوم المتحركة وغيرها من الجهود، فضلا عن التواصل المباشر مع الشباب من خلال المجالس الإفتائية التي تعقدها الدار بشكل دوري في مراكز الشباب على مستوى محافظات الجمهورية بالتعاون مع وزارة الشباب، وأيضا عن طريق الندوات واللقاءات في مختلف الجامعات المصرية وأيضًا في الخارج، ولا شك أن تعزيز المسؤولية المجتمعية يعد معيارا مهمّا ومؤشرا على تطور المجتمع ونموه، وهي مهمة يجب أن تقوم بها المؤسسات التثقيفية والتعليمية المسؤولة عن تنشئة المجتمع خاصة فئة الشباب.

معركة فقهية عبر مواقع التواصل.. ما كواليسها؟

حركة وجود دار الإفتاء المصرية عبر منصات “السوشيال ميديا” تشهد تطورا ملحوظا، بحسب علام، حيث تحظى باهتمام وإشراف المركز الإعلامي بدار الإفتاء المصرية، ونهدف من خلال وجودنا عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى مواجهة المتطرفين والمتشددين من أعضاء التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، والتي تعمل بكثافة ولديها القدرة على اختراق مواقع السوشيال ميديا، نظرا لسرعتها في محاولات التجنيد والاستقطاب لعددٍ من الفئات العمرية التي توجد بكثرة عبر هذه الوسائل. ودار الإفتاء كانت سباقة في اختراق منصات التواصل الاجتماعي.

وتعد صفحة دار الإفتاء المصرية “العربية” على “فيسبوك”، هي النافذة الأكبر والأهم لدار الإفتاء المصرية، حيث نعمل على بذل قصارى جهدنا عبر الوجود من خلال كل منصات التواصل المختلفة لبث الوعي الإفتائي الرشيد وتصويب المفاهيم.

تعاون مصري عربي لمواجهة التطرف ما أبرز ملامحه؟

تعمل الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، على مد جسور التواصل مع كل مؤسسات ودور الفتوى في العالم كونها بمنزلة المظلة الجامعة للهيئات الإفتائية.

ويقول علام: “سواء في الدول الإسلامية أو لدى الجاليات المسلمة في كل أرجاء العالم، كما نحرص على ترسيخ الفتوى الصحيحة باعتبارها اللبنة الرئيسية لبناء فرد ومجتمع ودولة وأمة مستقرة وفاعلة بين الأمم، وكذلك نعمل على تقليل فجوة الاختلاف بين جهات الإفتاء من خلال التشاور العلمي بصوره المختلفة، ونشر قيم الإفتاء الحضارية في العالم.”

والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم أنشأتها الدار لتكون مظلة جامعة للمؤسسات والهيئات الإفتائية الوسطية، حيث تضم علماء ومفتين من 80 دولة من مختلف دول العلم، وقد وضعت استراتيجية لنشر صحيح الدين وضبط بوصلة الإفتاء ومواجهة الفكر المتطرف في الخارج، وتقديم كل أشكال الدعم الشرعي والإفتائي للمسلمين في الخارج، فضلًا عن كونها تأكيدا للريادة المصرية، ولدور مصر المهم عالميًّا.

ملامح خريطة التجديد في ضوء الجمهورية الجديدة

يقول علام إنه “من واقع خبرات دار الإفتاء المصرية ومن وحي مسيرتها التاريخية، فإنها تؤمن إيمانا راسخا بأن رسالة تجديد الخطاب الديني ضرورة حتمية حتى تؤدي المؤسسة الدينية العريقة واجب الوقت على الوجه الذي ينبغي، من أجل ذلك عكفت دار الإفتاء المصرية على صياغة رؤية استراتيجية لخمس سنوات بدأت منذ عام 2020.”

ويتابع : “الإسلام أرشد إلى السعي للارتقاء بحياة البشر جميعا، ويظهر ذلك في ثلاث وظائف جعلها الإسلام من مهمة الإنسان، وهي عمران الأرض، واستخلاف الإنسان فيها، ثم الإصلاح؛ ولعل مفهوم التنمية المستدامة الذي يأتي ضمن رؤية الدولة المصرية والجمهورية الجديدة، هذا المفهوم المعاصر والإسلامي قد تكامل مع رؤية الإسلام للارتقاء بحياة الناس، ففي عهد فخامة الرئيس السيسي تقدر الجمهورية الجديدة قيمة الإنسان، وتجعل من المواطن المصري الركيزة الأساسية للتنمية الشاملة والمستدامة”.

ويضيف: “ومن ثم كانت مبادرات فخامة الرئيس المتعددة في مجالات الصحة والتعليم ومكافحة الفقر والقضاء عليه من أعظم المنجزات التي تسعى نحو توفير حياة كريمة للمواطن المصري، باعتباره ركيزة أساسية في عملية التطوير الشاملة التي تقوم بها الدولة في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي”.