أقرأ كيداً ذكورياً على تويتر، ونميمة نسويّة على فيسبوك، وأشاهد فضائح قديمة على يوتيوب، وأتلصّص على “سيرين عبد النور” في انستغرام. في صباحات أخرى أكون أكثر جديّة، أشربُ قهوة إيطاليّة، أنظر من النافذة لأنبهر أنّ السماء زرقاء، وأنّ حركة السيّارات تسير بشكل صحيح في الاتجاه المعاكس، أدخّنُ سيجارة وأفتعلُ سرحاناً عميقاً، وأكتبُ كيداً ونميمة وأكون شاهداً على فضيحة.
أستمع في الطريق إلى إذاعة عربيّة تعلِّقُ على خبر الساعة. لا تهمُّ التفاصيل، أمّا العنوان فمكتوب بخمسة ألوان، عرفتُ ذلك من مخارج الحروف، وطبقات صوت المذيعة، وضحكة خفيفة سُمِعت قبل نهاية الموجز. أنا أيضاً لي موقف من خبر الساعة، أوقفتُ السيارة على جانب الطريق السريع، وعلّقتُ مندّداً وشاجباً مثل أيّ “جامعة”، ووضعتُ وجهاً أحمر تعبيراً عن غضبٍ أردته أن يكون “ساطعاً”.
ما زلتُ في الطريق إلى عمل يمكن تأجيله إلى الغد. أحرِّكُ بعبث مؤشر المذياع. كان هناك برنامج إذاعي مشهور هو “ما يطلبه المستمعون”، وصار فيما بعد تلفزيونياً “ما يطلبه المشاهدون”، في وقت كان فيه كل شيءٍ بيد “الدولة”، فلما يكونُ مزاجها رائقاً تتيحُ لنا، نحن المستمعين أو المشاهدين، ساعة لتلبية طلباتنا، وهي أغنيات مصوّرة عن.. وللحبّ. تأتيني في هذه اللحظة إشعارات من يوتيوب لأغنيات كان يحظرها التلفزيون.. عن وللخبز.
لديّ رصيد كافٍ من الوقت، أعيدُ فتح فيسبوك بعدما كنتُ اتخذتُ قبل ربع ساعة قراراً حازماً، لا رجعة فيه، بإغلاقه لساعتين وربع الساعة. أشاركُ في النميمة النسويّة، بصفة مستمع، ثمّ “أنخرطُ” وأبدي رأياً حاداً في شأن ليس من شأني، وآخذُ دوري في تناول السكّين لقطع أذن الجمل عندما وقع، ويبدو أنّي أكلتُ لحماً نيئاً قيل إنّه لأخي، وواصلتُ الثرثرة حتى فاض النيل.
وصلتُ مضارب تويتر، كان الوطيسُ حامياً. ارتديتُ خوذة كان أبي اشتراها لحرب لم تقم أوزارها. أطلقتُ رصاصاً حياً أسفل الوسم المتداول، وانضممتُ إلى أبناء عمومة بعيدة، ضدّ غرباء مفترضين، وذممتُ وقدحتُ وشتمتُ وحقّرتُ ما يعادل عقوبة ربع قرن من الحبس الانفراديّ، وواجهتُ المغرّدين المناوئين بالحظر، فألقيتهم بجرّة واحدة في مقبرة جماعية أسفل الحساب، وفي استراحة الغداء، جلستُ في ظلّ التغريدة المثبّتة، وتمضمضتُ بالماء والملح.
أنا الآن بين جدران انستغرام الملوّنة. نساء ونساء، عرب وروم وفرس. أدخلُ على أصابع كفيّ إلى حساب نجمة لبنانية تُداعب كلبها الضخم، وتمنح المعجبين قُبلاً في الهواء، أفترضُ أنّ واحدة قد وصلتني. تبكي ممثلة مصرية في فيديو مباشرٍ على أمرٍ لا يبدو واضحاً، لكنه بالتأكيد يستحقُّ التأثر، فأضعُ قلباً مشطوراً. أمشي على أصابع كفّي، أدخل مفتوناً إلى غرفة “نيكول كيدمان”، لكنّي أخجلُ من إبداء الإعجاب لفرق الطول بيننا!
وهذه استراحة المساء. وفي التسعينيات أيضاً، كانت “الدولة” تتكرّمُ بمنحنا فرصة للضحك بعد كآبة مسلسل الثأر الصعيديّ، فيجمع لنا تلفزيون الدولة مقاطع مضحكة ومحفوظة لسعيد صالح ويونس شلبي، وغرائب حول العالم، ويختم ربع ساعة “التشميس” الليليِّ بأغنية إيقاعيّة لسميرة توفيق، الفائدة منها أنها تخبرنا أن الوقت قد تجاوز العصر والمغرب. أدخل يوتيوب لأسمع وأشاهد كلّ الحروب التي جرت أثناء عرض المسلسل الصعيديّ!
ما تفعل كلّ مساء؟.
ما تفعل كلّ صباح؟
أقرأ كيداً ذكورياً على تويتر، ونميمة نسويّة على فيسبوك، وأشاهد فضائح قديمة على يوتيوب، وأتلصّص على “سيرين عبد النور” في انستغرام. في صباحات أخرى أكون أكثر جديّة، أشربُ قهوة إيطاليّة، أنظر من النافذة لأنبهر أنّ السماء زرقاء، وأنّ حركة السيّارات تسير بشكل صحيح في الاتجاه المعاكس، أدخّنُ سيجارة وأفتعلُ سرحاناً عميقاً، وأكتبُ كيداً ونميمة وأكون …
Source: alghad.com