حرب بالسفارات والبيانات.. أصداء الحرب الروسية الأوكرانية تنعكس بمصر

منذ الأيام الأولى للحرب الروسية الأوكرانية انتقل صداها إلى مصر، ودخلت سفارتا البلدين في مواجهات إعلامية مفتوحة لإبراز وجهة نظر بلديهما في الحرب وانتزاع موقف واضح من القاهرة صاحبة الثقل الإقليمي.
Field Marshal Abdul-Fattah el-Sisi of Egypt, left, met with President Vladimir V. Putin of Russia in Moscow - SOURCE: kremlin
السيسي (يسار) يرتدي معطفا أهداه إياه بوتين خلال لقائهما بموسكو عام 2014 (الرئاسة الروسية)

القاهرة- منذ الأيام الأولى للحرب الروسية الأوكرانية انتقل صداها إلى مصر، ودخلت سفارتا البلدين في مواجهات إعلامية مفتوحة لإبراز وجهة نظر بلديهما في الحرب وانتزاع موقف واضح من القاهرة صاحبة الثقل الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لكن القاهرة قررت مبكرا إعلان موقفها “المحايد”، وعدم وصف ما يجري بالحرب، عبر بيان مقتضب أعربت خلاله عن قلقها البالغ من التطورات المُتلاحقة اتصالًا بالأوضاع في أوكرانيا، من دون ذكر كلمة حرب، وتأكيد أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية، والمساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسيًا بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين.

الموقف المصري دفع سفراء دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي إلى إصدار بيان مشترك أمس الأول الثلاثاء، نشرته السفارة الأميركية بالقاهرة، لدفع مصر إلى تبني موقف واضح ومحدد من “العدوان الروسي” على أوكرانيا، وإصدار “إدانة واضحة للغزو” غير المبرر ودعم “وحدة أراضي وسيادة أوكرانيا”.

ومجموعة السبع ملتقى سياسي حكومي دولي، يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان.

وأفاد البيان بأن “محاولة روسيا زعزعة استقرار النظام الدولي سيكون لها صدى أيضا على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، بما في ذلك مصر”، مشيرا إلى أن “مصر تعاني بالفعل من جراء الاعتداء الروسي، فهي أكبر مستورد للقمح في العالم، وأوكرانيا من أكبر مصدري القمح، إن العدوان الروسي يعني ارتفاع أسعار القمح والسلع الغذائية في مصر وأفريقيا.

وتابع “نحن على يقين من أن الحكومة المصرية تتمسك بالمبادئ المتعلقة بالسلم والأمن والاستقرار والسيادة القائمة على القواعد الدولية”، مشيرا إلى أن مصر منذ عهد الرئيس (جمال) عبد الناصر دعمت مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية كأساس للنظام الدولي الحديث.

واختتم البيان بالقول إن الجمعية العامة للأمم المتحدة ستعقد جلسة عاجلة لمناقشة هذه المسألة. نحن نتطلع لأن يقوم الشركاء -بمن فيهم مصر- بالتمسك بالقواعد الأساسية الخاصة بميثاق الأمم المتحدة.

مسك العصا من المنتصف

البيان المشترك وضع مصر في موقف محرج، خاصة أنها تحاول “مسك العصا من المنتصف”؛ فهي تتمتع بعلاقات وطيدة مع روسيا على المستويين السياسي والعسكري من ناحية، ومن ناحية ثانية ترتبط بعلاقات وثيقة مع الجانب الغربي والأميركي؛ أكبر داعم لها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ويبدو أن تأييد طرف دون آخر أمر صعب المنال.

ولذلك صوتت مصر ضمن 141 دولة لصالح قرار صدر أمس الأربعاء عن الجمعية العامة “يأسف” للعدوان الروسي على أوكرانيا، ويدعو موسكو لسحب قواتها فورا، وهو القرار الذي عارضته 5 دول: روسيا وسوريا وإريتريا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية، في حين امتنعت 35 دولة عن التصويت.

لكن الحيرة المصرية بدت واضحة من جديد عندما أصدرت وزارة خارجيتها بيانًا مساء الأربعاء قالت إنه شارح لتصويت مصر في الجمعية العامة، لمصلحة قرار يطالب روسيا “بالتوقف فورًا عن استخدام القوة ضد أوكرانيا”، موضحة أنها فعلت ذلك “انطلاقا من إيمانها الراسخ بقواعد القانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة”، لكنها أكدت أيضا أن “البحث عن حل سیاسي سريع لإنهاء الأزمة عبر الحوار وبالطرق السلمية ومن خلال دبلوماسية نشطة يجب أن يظل نصب أعيننا جميعا”.

وبدا أن بيان الخارجية المصرية يحاول أن يغازل أو يسترضي الجانب الروسي، إذ أكد أنه “لا ينبغي أن يتم غض الطرف عن بحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة، والتعامل معها بما يضمن نزع فتيل الأزمة، وتحقيق الأمن والاستقرار”، كما عبر البيان عن رفض القاهرة “توظيف منهج العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف، من منطلق التجارب السابقة، التي كانت لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، وما أفضت إليه من تفاقم معاناة المدنيين طوال العقود الماضية”.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تصدّر وسم “احنا مع روسيا” الأكثر تفاعلا في مصر على موقع تويتر، مدعوما بمؤيدي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وحسب ما نقله موقع مدى مصر (مستقل) عن مصادر حكومية (لم يكشف عن هويتها)، فإن الولايات المتحدة طلبت مباشرة من مصر تقديم دعم لأوكرانيا حتى لو كان سياسيا فقط.

ورأت المصادر ذاتها أن القاهرة تعاني من وضع بالغ التعقيد والحساسية، فهي لا تستطيع أن تدير ظهرها للولايات المتحدة، ولا يمكن أن تتخلى عن العلاقة الطيبة التي تربطها بكييف، التي تعتمد عليها مصر في الحصول على نسبة كبيرة من وارداتها من القمح بأسعار معقولة.

 

حرب السفارات

وشهدت الأيام القليلة الماضية دخول سفارتي روسيا وأوكرانيا بالقاهرة في مواجهات إعلامية، إذ تنافستا على فرض رؤيتهما للحرب سواء عن طريق حساباتهما على مواقع التواصل الاجتماعي، التي توجه رسائل متكررة للأصدقاء المصريين ونقل الحوارات والأخبار، أو من خلال اللقاءات المباشرة مع وسائل الإعلام المصرية المحلية المختلفة.

فعلى الجانب الأوكراني، توقع القائم بأعمال السفير روسلان نتشاي أن تتخذ مصر موقفا شديدا من الحرب، قائلا “نحن سنتوقع ونرحب بأن الحكومة المصرية تتخذ موقفا شديدا يدين الإرهاب ضد أوكرانيا، وأن تعلن وقوفها ضد الحرب وضد غزو الأراضي الأوكرانية، هذا ما نريده من جانب الدولة المصرية وجمهورية مصر العربية”.

 

 

وعلى الجانب الروسي، خاطبت السفارة المصريين في بداية الحرب بالقول “أصدقاؤنا المصريون الأعزاء! لا تصدقوا التضليل الأوكراني، لقد تعلم نظام كييف الكذب من رعاته الأميركيين الذين يتقنون لغة الأخبار الكاذبة”.

ورأت السفارة الأوكرانية أن هذا الخطاب يحرض على الكراهية، ويدعو مواطني روسيا ومصر إلى دعم الحرب ودعم قتل السكان المدنيين، على حد قولها، وطالبت السلطات المصرية “باتخاذ إجراءات ضد الدبلوماسيين الروس بالقاهرة الذين ما كان ينبغي أن يصدر منهم هذا التحريض غير المسؤول على الإطلاق”.

 

 

 

 

وتحدثت الجزيرة نت إلى السياسي والبرلماني السابق محمد عماد صابر فقال إنه يستبعد أن تتخذ مصر موقفا مؤيدا لطرف على حساب آخر، وأضاف أن “مصر وغيرها من الدول العربية تفضل الحياد على التورط في تأييد طرف على حساب آخر والبقاء على مسافة آمنة من الجميع؛ لأنها لا تريد خسارة أي طرف، ويرتبط كل منهما بعلاقات قوية مع النظام المصري”.

وأكد صابر أن الولايات المتحدة لم تعد القطب القوي والوحيد في العالم كما كانت في العقود الماضية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بسبب سياساتها التي دفعت كثيرا من الدول إلى موازنة علاقاتها بين موسكو وواشنطن، وبالتالي لا أحد يريد أن يخسر “الدب الروسي” الذي يرمي بثقله في منطقة الشرق الأوسط مع تراجع دور “العم سام”.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *