
القدس المحتلة– إلى الجزء الواقع خلف الجدار العازل والمعروف فلسطينيا بـ”بيت حنينا البلد”، اتجه عشرات الفلسطينيين القادمين من بيت لحم ورام الله والقدس تتقدمهم عائلة الراحلة شيرين أبو عاقلة للمشاركة في فعالية زراعة 300 شجرة زيتون تكريما لروحها.
وضمن برنامج زراعة المليون شجرة الثالث في فلسطين، انطلقت قبل أيام حملة “شجرتك بتحميهم” بهدف جمع تبرعات لزراعة 400 شجرة عن روح أبو عاقلة، لكن القائمين على الحملة تفاجؤوا بإقبال شديد على التبرعات ليصل عدد الأشجار إلى 4 آلاف خلال يومين.
ممثل منظمة العربية لحماية الطبيعة في فلسطين المهندس إبراهيم مناصرة قال إن اسم الحملة الأخيرة استوحي من الشجرة التي احتمت بها زميلة شيرين، الصحفية شذى حنايشة، وبالتالي كان اسم الحملة “شجرتك بتحميهم” منسجما مع هذه الرمزية.
مناصرة أوضح -للجزيرة نت- أن قيمة التبرع للشجرة الواحدة تبلغ 5 دنانير أردنية، وأن المتبرعين تهافتوا على المشاركة في حملة شيرين أبو عاقلة من كل من الأردن ولبنان والعراق وقطر والبحرين والكويت.

في بيت حنينا -مسقط رأس شيرين- زُرعت اليوم 300 شجرة زيتون ووزعت 1500 شجرة أخرى على مزارعي البلدة، على أن تستكمل فعالية زراعة الأشجار خلال الأيام المقبلة في كل من مدينة بيت لحم حيث تنحدر شيرين، وفي أرض مجاورة لمكان استشهادها في جنين وفي قطاع غزة، بالإضافة لزراعة شجرة زيتون رمزية في جبل الزيتون المطل على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة تخليدا لذكراها.
من كافة الفئات العمرية، انهمك المشاركون في زراعة الأشجار الصغيرة وريّها، ومن بينهم أنطوان أبو عاقلة -شقيق شيرين- الذي استهلّ حديثه للجزيرة نت بشكر كل من تبرع لزراعة آلاف أشجار الزيتون من كل الدول.
“هذه الشجرة رمز لوحدة الشعب الفلسطيني، وبقدر ما يهمني أن يبقى اسم شيرين حاضرا تهمني أيضا وحدة الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وأحزابه، وستبقى أراضينا شامخة وخصبة ومثمرة بهذه الشجرة المباركة”، أضاف شقيق الراحلة.

شيرين وشجرة الزيتون
زوجته ليزا أبو عاقلة تحدثت عن علاقة شيرين بشجرة الزيتون، قائلة إنها كانت تعشق الطبيعة والمزروعات ولشجرة الزيتون بالتحديد مكانة في قلبها، إذ زرعت شجرة في ساحة منزلها وحرصت على قطف ثمارها في موسم الزيتون، ثم كبس الثمار وتناولها.
بنبرة حزن عميقة، قالت ليزا إن هذه الفعالية تشبه شيرين لأنها كانت طيلة حياتها ملتحمة مع الأرض ومنتمية لها، وزراعة أشجار الزيتون اليوم تخليدا لذكراها هو اكتمال لمشهد الانتماء واللحمة.

ليس بعيدا عن والدتها انحنت لارين لزراعة إحدى الأشجار عن روح عمتها، وقالت إنها مصدر للفخر في حياتها وبعد رحيلها، “صوت شيرين لم يمت وسيبقى مزروعا في أذهان الجميع تماما كما ستتعمق جذور هذه الأشجار في الأرض يوما بعد يوم.. لا يمكن لأحد أن يكتم هذا الصوت ولا أن يقتلعه من قلوبنا”.
وصلت عزيزة أبو حمدة من البلد متأخرة، لكن بمجرد سماعها نداء عبر سماعات المسجد بالتوجه إلى قطعة الأرض التي ستزرع فيها الأشجار هبّت لتلبية النداء.
تلهث وتصر على إكمال زراعة شجرتها وهي تردد بين الحين والآخر “الله يرحمك يا شيرين.. والله لم تَمُتِ في قلوبنا”.

صوت الحق لن يموت
وعن مشاركتها، قالت “أحببت شيرين كما وطني؛ لأنها صوت الحق الذي لم يفرق يوما بين مسلم ومسيحي.. كانت معطاءة للأرض وأصحاب الأرض، وها نحن اليوم نزرع شجرة من تراثنا تخليدا لذكراها التي لن تموت”.
من رام الله، قدِم رئيس دير الروم الملكيين الكاثوليك، الأب عبد الله يوليو، للمشاركة في زراعة الأشجار بأرض محاذية للجدار العازل، وقال إنه لن يقال بعد اليوم إن الاحتلال اقتلع شجرة هنا وأخرى هناك، بل نزرع نحن بالمقابل الأشجار كما نزرع الأمل والرجاء في قلوب الناس رغم المآسي.

وأضاف “الوطن يبنى بدماء الشهداء، وجاء في الإنجيل أنه إن لم تسقط حبة القمح على الأرض لما نمت الثمار.. شيرين وكل الشهداء هم حبوب القمح الذين دفنوا في الأرض، ليعطوا مزيدا من الثمار ولهؤلاء المجد والخلود”.
تفرق الجمع وبقيت أعلام فلسطين واللافتات التي تحمل صور شيرين شامخة في أرض تبلغ مساحتها نحو 4 دونمات (الدونم= ألف متر مربع) زُرعت بحب شيرين وعطائها وانتمائها لقضيتها وأرضها.