‘);
}
الغزل في العهد العباسي
تطور الغزل في هذا العهد تطوراً بارزاً خاصة مع تعدد مظاهر اللهو والترفيه فأقبل الشعراء على متع الدنيا يلتمسونها في كل جوانب حياتهم، ففي هذا العصر ضعف أثر الدين، و الأخلاق وشاع الفسق بين العامة والخاصة فتعدى الغزل حدوده التقليدية وفقد الحب قيمته الحقيقية ، انطلق الشعراء يتغزلون بجرأة كبيرة جعلتهم يسخرون من كل القيم ومن كل الشعراء العذريين، وكان الانهيال على الخمر و انتشار الجواري و الغلمان والمغنيين دافعاً للابتعاد عن العفة و الحشمة . [١]
كثر الغزل في هذا العصر كثرة مفرطة حتى ليمكن أن يقال إن جميع الشعراء عنوا بالنظم فيه ، وهي عناية اعدّته لكي يزدهر ازدهاراً واسعاً، إذ تداوله أفذاذ الشعراء وساقوه بعقلياتهم الخصبة الحديثة وما أوتوه من التوليد في المعاني القديمة واستنباط كثير من الخواطر و الأخيلة الجديدة. [١]
و قد مضى الغزل يجري في نفس التيارين اللذين اندفع فيهما منذ عصر بني أمية ونقصد هنا تياري الغزل الصريح والغزل العفيف، و كان التيار الأول أكثر حدةً وعنفاً بسبب انتشار دور النخاسة و ما كانت تموج به من إماء وقيان روميات وخراسانيات وغير خراسانيات . [١]
‘);
}
دور المرأة في الغزل
نلاحظ أن المرأة التي هي مدار الغزل تغيرت في هذا العصر ولم يعد يهم الشاعر أن تكون عربية حرة فقد تغزل في الإماء اللواتي كثرن في هذا العصر، وكنّ يخالطن الرجال ويمارسن الغناء، ومع اختلاف طبيعة المرأة اختلفت طبيعة الشعر وطبيعة الغزل بصورة خاصة. [٢]
من أشهر شعراء الغزل في العصر العباسي
بشار بن برد
لقد كان بشار من أقدر شعراء عصره على إنشاء الغزل والتفنن في تفتيق أكمامه وتوليد معانيه، ولقد سبقت الإشارة إلى أن عمى بصره كانت واحداً من الأسباب التي جعلته يقول ألواناً جديدة من الشعر لم تجري على ألسنة شعراء قبله، هذا فضلاً عن تفرغه وفراغه وغشيان العديد من النساء مجلسه ومحادثتهن إياه ومكاتبته لبعضهن فجرى الشعر عذباً على لسانه متفجراً من معين ملكته الفياضة كما يتفجر الماء الزلازل عن سر الينابيع، ومن ثم جرى عزله على كل لسان حتى حفظه الناس ولم يبقى بالبصرة غزل ولا غزلة إلا ويجري شعر بشار على لسانه.
يقول بن برد:
أُنسٌ غرائرُ ما هممن بريبةٍ
-
-
- كظباءِ مكة صيدهنّ حرام
-
يُحسبن من أُنس الحديث زوانياً
-
-
- ويصدّهن عن الخنا الإسلامُ
-
إن هذين البيتين من أدق و أرق ما وصفت به المرأة الشريفة الممراحة التي يُظن بها الانحراف لمجرد كلمة طريفة تقولها أو جملة مرحة تصدر عنها . [٣]
ومن أهم الشعراء في هذا العصر أيضاً: محمد بن أمية الذي كان يهوى جارية تسمى خدّاع رآها تغني ببعض دور النخاسة فشغف بها شغفاً شديداً واتصلت زياراته لها وبادلته حباً بحب، ولقيته ولكنها ظلت تدافعه عن نفسها وكثيراً ا كانت تعده الزيارة ولا تزوره، وهو يقول لها دائماً إني أحبك إني أنتظرك ، ومن مثل قوله: [٤]
ربَّ وعدٍ منك لا أنساه لي
-
-
- أوجب الشكر و إن لم تفعلي
-
أقطع الدهر بظنٍّ حسنٍ
-
-
- و أجلّي غمرةً ما تنجلي
-
كلما أمّلت يوماً صالحاً
-
-
- عرضَ الكروه لي في أملي
-
و أرى الأيام لا تدني الذي
-
-
- أرتجي منك وتُدني أجلي
-
المراجع
- ^أبتشوقي ضيف ، تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول، صفحة 370.
- ↑سراج الدين محمد ، الغزل في الشعر العربي، صفحة 44.
- ↑مصطفى الشكعة ، الشعر و الشعراء في العصر العباسي، صفحة 158.
- ↑شوقي ضيف ، تاريخ الادب العربي العصر العباسي الاول، صفحة 372.