ومن بين الحلول التي تلجأ إليها الدول في هذه الحالة، رفع سن التقاعد، وهي الخطوة التي تعتزم الحكومة الفرنسية القيام بها عبر جعل سن التقاعد 64 عاماً بحلول عام 2030 بدلاً من 62 عاماً في الوقت الحالي، واصفة قرارها بالإصلاحي.
ويختلف سن الإحالة إلى التقاعد بين دولة وأخرى، وهو يتراوح حالياً بين 55 و70 عاماً، حيث يتجه الكثير من الدول نحو إعادة تقييم السن الأنسب للتقاعد، خصوصاً أن “متوسط العمر الصحي” أي عدد السنوات التي يعيش فيها الأفراد بصحة جيدة ارتفع بدوره، وهذا ما حوّل الشخص المتقاعد في نظر الحكومات، إلى شخص يصرف الأموال دون إنتاجية تذكر.
خطوة إصلاحية
يقول الخبير الاقتصادي، دانيال ملحم، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الهدف الأساسي لرفع سن التقاعد هو التوفير بالإنفاق، وزيادة مداخيل صناديق التقاعد ورفع الإنتاجية، التي تنعكس ارتفاعاً في النمو على المدى الطويل، وهو ما يعتبر مفيداً للاقتصاد بشكل عام.
وأشار إلى أن الحكومات تصف خطوة رفع سن التقاعد بالإصلاحية، كونها تخفف من التكاليف المالية المترتبة عليها، وتحول الفرد إلى شخص منتج كما أنها تحافظ على الكتلة العاملة في سوق العمل عند مستويات مرتفعة.
ويشرح ملحم أن خروج العامل مبكراً من سوق العمل، يحوله إلى عنصر مكلف بالنسبة للدولة التي عليها أن تخصصه براتب تقاعدي، قد يستمر لفترة طويلة جداً تصل إلى 20 عاماً مثلاً، خصوصاً مع تطور صحة الانسان وارتفاع متوسط عمره.
وقال إن التكاليف لا تتوقف عند هذا الحد، بل تمتد لتشمل أيضاً أنظمة الرعاية الصحية، ومن هنا فإن الدول باتت تحاول التخفيف من هذه التكاليف من خلال إلزام الناس بالعمل لفترة أطول طالما انهم يتمتعون بصحة جيدة.
العمر الأنسب للتقاعد
ويرى ملحم أن سن الـ 65 عاماً هو العمر الأنسب للتقاعد بالنسبة للاقتصاد، فالفرد حتى هذا العمر، يستطيع ومن خلال إنتاجيته أن يساعد الاقتصاد أكثر مما يكلفه.
وأشار إلى أنه ليست هناك علاقة مباشرة بين رفع سن التقاعد والتضخم، إلا أن استمرار الفرد بإنتاجيته يعزز من صلابته المالية خلال فترة التضخم.
من جهته يقول إبراهيم مهنا وهو خبير اكتواري ومختص بصناديق التقاعد في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن سن التقاعد يرتبط بمتوسط أعمار الناس، ولذلك فإن أنظمة التقاعد التي تأسست منذ عدة سنوات، كانت مبنية على فكرة أن يعيش الفرد لمدة تصل إلى عشر سنوات بعد سن التقاعد، وبالتالي فإن خطة عمل صناديق التقاعد، تم تصميمها وفقاً لمبدأ أن يقوم العامل بتمويلها من خلال الاشتراكات، خلال فترة عمله التي قد تصل إلى 40 عاماً، ليستفيد لاحقاً من معاش تقاعدي تصل مدته لعشر سنوات.
نزيف مالي
وبحسب مهنا فإن طول عمر الانسان بعد التقاعد، تسبب بنزيف مالي لصناديق التقاعد، التي بات عليها دفع رواتب تقاعدية لفترة تجاوزت ما هو مخطط له سابقاً.
وقال إن هذا ما دفع بعض الدول إلى التدخل واتخاذ قرارات تؤمن استمرارية عمل هذه الصناديق، عبر رفع سن التقاعد ما يدعم الاشتراكات ويخفف من دفع الرواتب التقاعدية.
وأشار إلى أن الكثير من الدول قامت بربط سن التقاعد بالعمر المتوقع عيشه، فكلما تبين أن متوسط عمر الإنسان يرتفع يتم رفع سن التقاعد أوتوماتيكياً.
ويرى مهنا أن خطوة رفع سن التقاعد مفيدة للاقتصاد، وهي تتيح الاستفادة من الأشخاص الذي يملكون خبرة طويلة في سوق العمل، واستمرار الاعتماد عليهم كأشخاص منتجين في المجتمع.