وبحسب الناشطة والكاتبة الكورية الجنوبية، هاوون جونغ، فإن الكثير من الكوريات الجنوبيات يعزفن عن الزواج والإنجاب، بسبب ما يعتبرنه “مجتمعا أبويا” ذا ثقافة ذكورية يميل إلى تحميل المرأة مسؤولية البيت الشاقة، والجزء الأكبر من مهام رعاية الطفل.
لكن قرار عدم الإنجاب يرتبط بعوامل أخرى كثير، تتداخل فيها اعتبارات اقتصادية واجتماعية وحتى نفسية.
وأضحت كوريا الجنوبية أقل دول العالم من حيث خصوبة المرأة، وصارت في هذا الوضع “الحرج” للعام الثالث على التوالي، بعدما بدأت هذا التقهقر الخطير منذ ثلاث سنوات.
وأضافت الكاتبة جونغ في مقال منشور بصحيفة “نيويورك تايمز”، أن أزمة الإنجاب تفاقمت في كوريا الجنوبية حتى أضحت دور حضانة الأطفال تتحول إلى دور لرعاية المسنين، بينما تراجع عدد التلاميذ في بعض المدارس من المئات إلى عناصر يمكن عدهم على رؤوس الأصابع.
وأوضحت أنه في نحو نصف المدن الكورية الجنوبية وعددها 228، تخشى المقاطعات والقرى أن تفقد الكثير من السكان وتتحول إلى “مناطق أشباح”، بينما تغلق مستشفيات الولادة، وسط انتعاش شركات تنظيم الجنائز بسبب تزايد الشيخوخة.
وفي منطقة سيوكسان الواقعة شرقي البلاد، لم يعد في مدرسة مقاطعة “غونوي” سوى أربعة تلاميذ فقط، في حين كان عددهم يصل إلى 700، فيما قبل، وتقول الكاتبة “عندما زرتهم آخر مرة، وجدت أنهم لا يستطيعون تشكيل فريق للعب الكرة”.
وتشير البيانات في كوريا الجنوبية إلى واقع يُوصف بالمخيف:
- في ستينيات القرن الماضي، كان متوسط الأطفال الذين تنجبهم المرأة الواحدة هو ستة، لكن بعد حملة في البلاد لأجل التحكم في الولادات، هبط الرقم بشكل كبير في غضون عشرين سنة فقط.
- تراجع معدل أطفال المرأة الواحدة في البلاد إلى أقل من 2.1؛ وهو المعدل والنصاب الذي تحتاجه أي دولة حتى تواكب تجديد المجتمع، نظرا إلى حصول الوفيات، والحاجة إلى مواليد جدد يحلون مكانهم.
- هبطت نسبة الخصوبة إلى 0.81 طفل للمرأة الواحدة بكوريا الجنوبية في سنة 2021.
- انخفضت نسبة الخصوبة إلى 0.79 طفل للمرأة الواحدة في الربع الثالث من عام 2022.
- أرقام الأمم المتحدة ترجع أن العدد الحالي لسكان كوريا الجنوبية وهو 51 مليونا سيتراجع إلى النصف بحلول أواخر القرن الحالي.
- في سنة 2022، قالت 65 في المئة من النساء الكوريات الجنوبيات إنهن لا يردن إنجاب أطفال.
وتشير الكاتبة إلى عدد من الأسباب التي تدفع الكوريات الجنوبية إلى العزوف عن الإنجاب وحتى الزواج:
- هناك استياء وسط النساء من ثقافة المجتمع التي تثقل كاهل المرأة، من خلال تحميلها مسؤولية رعاية الطفل، بحيث تشير الأرقام إلى أن المرأة تضطر لتقوم بهذه المهمة لساعات أطول مقارنة بما يبذله الرجل.
- الأوضاع المادية لها دور أيضا، بسبب غلاء مصاريف رعاية الأطفال، وارتفاع أسعار العقارات التي تحتاجها الأسر بشدة، في حين يعد هذا البلد الآسيوي من بين الأغلى في العالم.
- الطموح المهني للنساء وعدم قدرة الكثيرات منهن على التوفيق بين مقتضيات العمل من جهة، ورعاية الطفل من جهة أخرى.
- ضغوط العمل التي توصف بالقاهرة، لأن ساعات الدوام الطويلة لا تترك متنفسا لمن يعملون وتجعلهم غير قادرين على التفكير في بناء أسر.
- النساء يخشين العنف الأسري أيضا، فتختار الكثيرات منهن ألا يخضن غمار الزواج بالمرة، تفاديا لما قد يطالهن على أيدي الأزواج.