ممارسة الرياضة في رمضان تصبح أحد العوائق أمام من يرغب في خسارة الوزن أو أمام هؤلاء الذين يمارسون الرياضة في المعتاد ولكنهم يعتقدون أن ممارسة الرياضة في رمضان سيقوم بسلب قوتهم وعضلاتهم. هذا الاعتقاد يجعل الكثيرون يميلون إلى التوقف عن ممارسة الرياضة في رمضان والاكتفاء باتباع نظام غذائي فقط. ولكن الحقيقة هي أنه ليس هناك أي داع من أجل أن يتوقف أحد عن ممارسة الرياضة في رمضان ! إذا تمكنا من معرفة ما يحدث داخل أجسادنا في رمضان ومعرفة الوقت الأنسب والتمارين المناسبة للقيام بها في رمضان ثم قمنا بجدولة أوقاتنا بشكل مناسب، فسيكون بإمكاننا الالتزام بممارسة الرياضة في رمضان كما كنا ملتزمين بها في غير رمضان. وإذا كنت مبتدئا، فإن ممارسة الرياضة في رمضان لا يجب أن يسبب لك أية مخاوف إذا كان أحد أهدافك في رمضان هذا العام هو خسارة بعض الوزن الزائد لديك. كل ما عليك فعله هو حسن التنظيم والوعي بما يحدث داخل جسدك وخلال اليوم كما أخبرتك، وهذه هي الأشياء التي سنتحدث عنها في هذا المقال وسنحاول إلقاء الضوء عليها من أجل الحصول على رمضان رياضي وأكثر صحة.
كيف تمارس الرياضة في رمضان بدون عناء؟
ما الذي يحدث داخل جسدك في رمضان؟
ما يحدث أثناء الصيام هو أننا نقضي عدة ساعات تتراوح في طولها من 12 إلى 16 ساعة تبعا للمنطقة التي تتواجد فيها. هذه الساعات قد تختلف من عام إلى آخر في الفصل الذي تأتي فيه، ولكن نظرا لأن رمضان هذا العام سيكون في الصيف –بل في عز الصيف- فلنركز أكتر على ما يحدث داخل جسدك وخصيصا في فصل الصيف.
- عندنا تبدأ في الصوم وتتعدى الثمان ساعات الأولى، فإن جسدك يكون فد نفذ منه مخزون الطافة الموجود في الطعام وأصبح يعمل على المخزون الاحتياطي الذي لديه. هذا المخزون الاحتياطي يتمثل في الدهون الموجدة داخل الجسد. وإذا كان الجسد لديه دهون زائدة عن الحاجة، فإن هذه الدهون ستكون الهدف الأول أثناء الحرق في وقت الصيام. وهذا أمر عظيم جدا فيما يتعلق بخسارة الوزن.
- على مدار الساعات التي تقضيها وأنت منقطع عن الطعام والشراب، فإن جسدك يكون منقطع أيضا عن أية وسائل تمده بالسوائل سواء من الماء والمشروبات أو سوائل من الموجودة في الطعام ذاته. هذا الحرمان يقود الجسد إلى الجفاف وبعض الإرهاق. ولكن لا تدعوا هذه النقطة تجعلكم تظنون أن كل شيء قد انتهي، فعلى إخباركم أيضا أن كمية السوائل التي تفقدها في اثني عشر ساعة من الصيام هي أقل من الكمية التي تخسرها خلال ساعة واحدة من التمرينات القلبية كالمشي أو ركوب العجلة. فبالرغم من أن الجفاف أثناء الصيام يعتبر مشكلة، إلا أن هناك أشياء أخرى أكثر بساطة تسبب مشاكل أكبر من تلك.
- نظرا لأن الوجبات التي تتناولها خلال اليوم أصبحت أقل ومتباعدة، فإن عملية الهضم أصبحت أبطأ من ما كانت عليه قبل رمضان والصيام. هذا الأمر يجعل عملية حرق الطعام والدهون أبطا، وبالتالي يجعل عملية خسارة الوزن أبطأ.
ما الذي نحتاجه من ممارسة الرياضة في رمضان ؟
كما ذكرت العديد من المقالات حول ممارسة الرياضة في رمضان ، فإن الهدف الذي نحاول الوصول إليه بعد معرفة ما يحدث داخل أجسادنا أثناء الصيام هي أن نحاول تسريع عملية الهضم -التي أصبحت بطيئة- قدر الإمكان، وأن نقوم بالمحافظة على العضلات الموجودة داخل أجسادنا وعدم فقدانها عن طريق عملية الحرق التي تحرق الدهون والعضلات جنبا إلى جنب، وكذلك أن نحاول الالتزام بعادة ممارسة الرياضة في رمضان ومحاولة الحفاظ على المدة أو القوة التي كنا نتمرن بها قبل رمضان. هذه الأهداف ليست صعبة أو مستحيلة كما أوضحنا سابقا، ولكنها فقط تستدعي أن نعرف جيدا الوقت المناسب من أجل التدرب فيه والطريقة المناسبة للتدرب بها، وما الذي يمكننا أن نمارسه دون مخاطر أو مخاوف. هذا الأمر سيتحقق ببعض التنظيم الجيد لليوم الخاص بنا في رمضان وبعض الصبر على تغييرات مواعيد ممارسة الرياضة في رمضان والتي ستحدث رغما عنا، والمثابرة للحفاظ على ذلك التغيير حتى نتمكن من العودة إلى النظام السابق عند انتهاء رمضان. وفي كل حال، فإن نظام الصيام قد تم إثباته كنظام صحي وفعال جدا في خسارة الوزن وتحسين الصحة بوجه عام، فربما ستود أن تبدأ التفكير في تحول نظام ممارسة الرياضة في رمضان هذا إلى نظامك الطبيعي في غير رمضان.
ما أنسب وقت من أجل ممارسة الرياضة في رمضان ؟
هذا السؤال يعد أحد أهم الأسئلة عندما يتعلق الأمر حول ممارسة الرياضة في رمضان . إذا حاولنا العودة إلى مبادئ ممارسة الرياضة عموما سنجد أن شروطها بسيطة وموحدة في معظم التمرينات المختلفة.
- لا تتناول طعاما قبل ممارسة الرياضة بحوالي ساعتين على الأقل. لأن ممارسة الرياضة على معدة لم تقم بهضم الطعام الموجود بداخلها بعد لن ينالك منه إلا الإصابة بالمغص والرغبة في القيء وتهيج للمعدة.
- احتفظ بزجاجة ماء معك طوال وقت التمرين واشرب الماء عندما تحتاج إلى شربه أو في كل فاصل بين تمرين وآخر لأن جسدك بحاجة إلى تعويض الماء الذي يفقده على هيئة عرق أثناء التمرين. جسدك بحاجة أيضا إلى الماء أثناء ممارسة الرياضة من أجل تهدئة درجة حرارته التي ترتفع أثناء التمرين وعدم إلحاق أي أذى بك.
- قم بتناول وجبة صحية بعد نصف إلى ثلاثة أرباع ساعة من التمرين. لكن احرص على أن تكون وجبة غنية بالكربوهيدرات أو البروتين وابتعد عن الوجبات الدسمة المليئة بالدهون أو المواد الكيميائية الضارة. الوجبة الصحية سيقوم جسدك بحرقها فورا بعد التمرين والاستفادة منها دون أن يقوم بتخزين أي شيء منها، وسيقوم بإمداد جسك بالطاقة اللازمة عوضا عن تلك المستنفذة منك في التمرين. الوجبة غير الصحية سيتم هضم جزء كبير منها أيضا ولكن بقاياها ستظل عالقة في جسدك ودهونك وشرايينك. هل تود أن يحصل شيء كهذا لك بعد مدة طويلة من ممارسة الرياضة؟! حافظ على مجهودك إذا.
لا زال هناك بالطبع مبادئ أخرى عند ممارسة الرياضة لكن دعونا نأخذ هؤلاء الثلاثة في عين الاعتبار الآن. بالنسبة للمبدأ الأول فهو متحقق في الصيام مسبقا حيث أننا نمضي الكثير والكثير من الساعات على معدة خاوية وبإمكاننا بدأ التمرين حينها على أية حال. ولكن المبدأين الثاني والثالث لا يتحققان إلا في الفترة بين المغرب والفجر حيث يمكننا شرب الماء وتناول الطعام. فما هي أنسب الأوقات من أجل ممارسة الرياضة إذا؟
في الغالب أنت تمكنت من تخمين الأوقات المناسبة الآن
- طبقا للمبادئ الثلاثة السابقة، فأنت عليك أن تنتظر ساعتين بعد موعد الإفطار لكي تبدأ تمرينك الرياضي. ساعتين بعد آذان المغرب يعني أنك لن تبدأ ممارسة الرياضة في رمضان إلا بعد الانتهاء من صلاة التراويح. هذا إذا هو أول وقت يمكنك ممارسة الرياضة فيه. تناول وجبة الإفطار الصحية المفيدة، اذهب لصلاة التراويح ثم ابدأ في ممارسة الرياضة.
- الوقت الثاني الذي يمكنك ممارسة الرياضة فيه هو قبل السحور مباشرة. في الغالب أنت لن ترغب أن يكون ممارسة الرياضة في رمضان يعتمد على الاستيقاظ في الثالثة فجرا، ولكن إذا كنت من هؤلاء الذين يستيقظون قبل السحور بوقت كاف فبإمكانك أن تستفيد من هذا الوقت في ممارسة الرياضة في رمضان .
- إذا لم يكن الوقتين السابقين مناسبين لك، فبإمكانك أن تمارس الرياضة بعد صلاة المغرب وقبل التراويح، ولكن هذا سيستدعي أن يكون إفطارك خفيفا جدا -حتى لا تتعرض للأضرار المذكورة في المبدأ الأول- ثم أكمل باقي إفطارك بعد الانتهاء من التمرينات.
- إذا لم يكن أي من تلك الأوقات يناسبك إطلاقا، فبإمكانك أن تلجأ لممارسة الرياضة قبل موعد الإفطار مباشرة بحيث يكون الانتهاء من ممارسة الرياضة مصحوب بالحصول على الماء والطعام. هذا الوقت ستكمن صعوبته في أنك لن تتمكن من تعويض الماء المفقود أثناء التمرين وجفاف حلقك أو تخفيف درجة حرارتك. لذلك لا تلجأ إليه إلا عند الاضطرار.
تذكر أن ممارسة الرياضة في رمضان أثناء الصيام بإمكانه أن يؤدي إلى تكسر في العضلة وخسارتها، كما أن التمرن أثناء جفاف الجسد بإمكانه أن يسبب ضعف ملحوظ في وظيفة العضلات. فما لم تكن مضطرا وواثقا من أنك ستشرب الماء فور انتهاء التمرينات، لا تجازف بالتمرن بعنف أو بشكل مرهق أثناء الصيام.
ما الرياضات التي يفضل ممارستها في رمضان؟
- كما أوضحنا في فقرة من الفقرات السابقة، فإن ساعة من التمرينات القلبية كالمشي وركوب الدراجة يقومان بإخراج ماء داخل جسدك أكبر من هذا الذي يخرج أثناء الصيام لمدة اثني عشرة ساعة كاملة. لذلك، سيكون من المنطقي أن نقلل التمرينات القلبية الطويلة في رمضان واستبدالها بتمرينات أخري أقصر مدة كتمرين الفترات المتفاوتة مثلا والذي يتضمن أن تمشي لمدة دقيقة ثم تجري بسرعة كبيرة لمدة دقيقة أخرى ثم تعود إلى المشي مرة أخرى، وهكذا لمدة 10 – 30 دقيقة. هذا النوع سيضمن لك فوائد التمرينات القلبية وربما نتائج أكبر، ولكن في وقت وكمية عرق أقل. بإمكانك تغيير نسبة المشي والجري حسب احتياجك وقدرتك.
- بإمكانك ممارسة أي نوع من التمرينات التي تريدها في الفترة التي تلي التراويح لأن هذا يضمن لك وقتا كافيا من أجل شرب الماء الكافي والحصول على الطعام والغذاء الكافي حتى وقت السحور. والمدة المناسبة هي من 30 – 40 دقيقة من التمرينات المختلفة.
- أفضل وقت للقيام ببعض التمرينات القلبية هي في الفترة ما قبل السحور، وتتراوح تلك الفترة أيضا من 30 – 40 دقيقة ويستحسن أن تمارس تمرين الفترات المتفاوتة ولكن اجعل التمرين بسيطا بعد الشيء، فمثلا امش لمدة دقيقتين ثم اجر لمدة دقيقة وهكذا من أجل الحصول على النتائج الأفضل.
- إذا كنت ترغب في لعب التمرينات القلبية ولا تملك وقتا قبل السحور، فإن ثاني أفضل وقت لتلك التمرينات هو في الفترة بعد المغرب بساعة وقبل التراويح ولا تنس أن يكون إفطارك خفيفا. قم بالتمرن من 30 – 40 دقيقة ولكن استعمل النوع القوي هذه المرة من تمرين الفترات المتفاوتة –أي دقيقة ودقيقة مثلا-
في نهاية هذا المقال، نود أن نؤكد على جميع القراء أن شهر رمضان والصيام لم يفرضا علينا من أجل أن نتعذب أو نصبح ضعفاء وغير قادرين على الحركة. فكما رأينا الأمثلة الواضحة من الرياضيين الذين يقومون برياضاتهم في رمضان، وحروب النبي التي خاضها في رمضان وهؤلاء الأشخاص الذين يعملون في وظائف حيوية وتتطلب جهدا كبيرا ولا يتوقفون عنها في رمضان، كلها دلائل على أن رمضان لم يوجد من أجل الإرهاق وإنما وجد من أجل حِكَم أعلى وأجل.