}
حقا “الحاجة أم الاختراع”، ولم لا يكون الأمر كذلك ؟! والإنسانية منذ فجر التاريخ تكتشف المكتشفات، وتخترع الاختراعات؛ طلبا للوطن السعيد، والعيش الرغيد، فركب الإنسان الخيول؛ ليوفر الوقت والجهد، ثم اكتشف القوة البخارية، فصنع القطارات، وكان وقودها الفحم الحجري آنذاك، ثم ازداد تسارع عجلة التطور العلمي والحضاري، فصنعت السيارات، وكان ولا زال وقودها الغالب من مشتقات البترول، أو ما يسمى (الوقود الأحفوري) .
ظل الوقود غير المتجدد -الفحم والبترول ومشتقاتهما- هاجسا ينتاب المعنيين، وذلك في الجوانب التالية :-
أولاً : أنه وقود غير متجدد، أي أنه قابل للنضوب بين الفينة والأخرى، وهذا ما دعا الكثيرون للاهتمام بتخزينه، وعمل الدراسات على معدل الاحتياطي المحلي والعالمي، بل وأصبح خاصة بعد حرب أكتوبر عام 1973م ميزانا من أهم موازين القوى الدولية .
‘);
}
ثانياً : أنه ملوث للهواء من الدرجة الأولى، خاصة وأنه تنبعث عن احتراقه أكاسيد وغازات سامة، أثبت العلم الحديث مدى ضررها على البيئة بكافة عناصرها الحيوية .
ثالثاً وأخيراً : أن هذا الوقود يعتمد استخراجه على موارد مادية وبشرية؛ مما يزيد من تكلفته المادية، فيصل للمستهلك بأسعار باهظة في أغلب مناطق العالم، فضلا عن أنه قطب قوي من أقطاب معادلة الاقتصاد العالمي والدولي، فتجري عليه أغلب عمليات الاحتكار، والتخزين، وغلاء الأسعار وغيره ؛ مما زاد في تكلفته على الجمهور .
لهذه الأسباب ولغيرها رأينا من يتجه إلى الإفادة من الوقود غير المتجدد، بحثا عن بدائل أخرى تكون رخيصة نسبيا، ومتجددة (لا تنضب)، ونظيفة ، فظل العلماء والباحثون يعملون الليل والنهار، حتى هداهم التفكير واستخدموا البدائل التالية -وبكفاءة عالية- :-
- الكهرباء .
- الطاقة الشمسية .
- الماء .
- الهواء وغيرها .
ونحن هنا بصدد الحديث عن السيارات التي تعمل بالهواء، وقد لمع في هذا المضمار في السنوات القليلة الماضية مخترعان، أولهما: مصري، والآخر: فرنسي . واسمحوا لي أن أقدم الفرنسي؛ ليحلو الحديث عن المخترع المصري، أما الفرنسي فهو (جي نيجر)، الذي عمل على تطوير اختراعه منذ عام 1977م، وجدير بالذكر أن اختراعه الجديد قد حمل اسم (إير بود) (air bode)، وقد يطلق عليه أحيانا اسم (mini cat)، وهي سيارة تعمل بالهواء المضغوط، تنتج احتكاكا من غازات الكربون لمحرك قياسي، وتصل سرعتها إلى أكثر من 45 كم في الساعة، وبإمكانها السير لمسافة حوالي 105 كم -أي ما يعادل 70 ميلا- بإعادة شحنها لمدة دقيقة واحدة، والأفضل أن كلفتها نحو 4500 دولار فقط .
يذكر أن هذه السيارة يصنع جسمها من الزجاج الليفي المعروف بـ (الفايبر جلاس)، ويعتقد نيجر أنه أقوى وأخف من الحديد الصلب المستخدم في صناعة السيارات، ويخزن الهواء المضغوط تحت ضغط عال في خزانات بلاستيكية حرارية مقاومة للتحطم، وهي محاطة بغلاف من نسيج كربوني، ويطلق الهواء عبر كباسات في المحرك لإدارة العجلات، وخلافا للأنظمة الحالية، فإن هذا الوقود لا يعمل إلا باردا بل مثلجا، ما يعني أنه سيقدم خدمة التكييف المجاني للركاب .
وهناك مضخة علوية للسيارة لإعادة تعبئة الخزان ليلا، كذلك طور نيجر مضخة هواء عالية الضغط، تستطيع ملءالخزانات بغضون دقيقة، وهذه الخزانات تعمل بالكهرباء النظيفة – هيدرولوجية أو رياح أو شمسية – ؛ ما يجعل نواتج عادم سيارة الهواء خالية تماما من التلوث .
هذا واستطاع نيجر أن يبيع مخترعه في أمريكا اللاتينية، والولايات المتحدة الأمريكية، وعدد من الدول الأوروبية، وهو يأمل أن تستخدم تقنيته هذه في تشغيل الطائرات مستقبلا .
أما المخترع المصري فهو أحمد محمود ترك، 33 سنة، مواليد ومقيم بعزبة راتب بالمنوفية، وقد سمى سيارته باسم (Air Moto) (إير موتو) بمعنى (الموتور الهوائي)، والجديد في اختراعه أنه يعتمد على الهواء، ولا شيء سوى الهواء، أضف إلى ذلك، أنه باختراعه هذا يستطيع تبديل وقود أي موتور مصنوع مسبقا ببعض التعديلات على الموتور؛ ليصبح موتورا هوائيا من الدرجة الأولى .
يجدر بالذكر أن أحمد واجه مشاكل عدة قبل أن يحصل على براءة الاختراع، منها :-
أولاً : الرتابة القاتلة، وهي ما يعرف بـ (الروتين) .
ثانياً : قلة الممولين للمخترعات الوطنية .
ثالثاً وأخيراً : كثرة ورود الطامعين بقصعة المخترعين العرب، فقد سال لعابهم لتقنيته الحديثة، وأغروه بالمال وغيره لقاء أن يبيعهم مخترعه، فأبى عليهم ذلك، مع ما يحفّ رفضه هذا من مخاطر -على حد قوله- ، لكنه يقول: “أنا أشعر من الآن أنني معرض لكثير من المخاطر؛ بسبب رفضي بيع الاختراع، إلا أن الأمر لا يهمني كثيراً، لأن العمر واحد وبيد الله وحده، كما أنني لا أخاف من الموت أبداً، خاصة بعد ظهور اختراعي للعالم، وضمان تحقيقه في مصر، لا يهمني أي شيء، ومهما جاءني من تهديدات، لن تغير شيئا من موقفي” .
أخيراً، فالنجاح وليد الفشل، والإصرار بصيص الأمل، والجد بريد الفرح، ومن آثر الراحة فاتته الراحة، ومن أدمن الطرق يوشك أن يفتح له .