من الكلام الدارج الذي نسمعه باستمرار عن أن الحب بعد الزواج يموت أو على الأقل يصاب بالفتور، وكثيرًا ما نسمع مقولة مثل أن “الحب شيء والزواج شيء آخر”، ولا ريب أن هناك الكثير من الأسباب التي تجعل الحب يتضاءل بعد الزواج ويفقد كثير من حرارته وسخونته وكل تلك الرومانسية الحالمة التي كانت تغلف العلاقة العاطفية قبل الزواج فجأة نجدها قد تهاوت وتحطمت على صخرة الواقع وأن الزواج أصبح روتين ممل يفتقر لأي حرارة أو سخونة ويصبح شيء بارد لا طعم له ولا معنى في استمراره أو توقفه، ولذلك نرصد في هذا المقال أسباب موت الحب بعد الزواج وكيف يمكننا استعادته مرة أخرى.
ما هي أسباب موت الحب بعد الزواج ؟
لابد أن هناك أسباب لموت الحب بعد الزواج، سنستعرضها في النقاط التالية:
الصورة المثالية الحالمة
وهي الصورة التي يرسمها كل من الزوج والزوجة عندما كانا مرتبطين عن الحياة الرومانسية الجميلة الخالية من المشكلات والمصاعب والتعقيدات، وأنهما سيعيشان في حالة عاطفية سامية لا يعكر صفوها أي مشكلة أو ينغص عليهما حياتهما أي أزمة مهما كانت، وأن الحب بعد الزواج سيدوم بشكل تلقائي طالما كانا موجودًا قبل الزواج وأنهما لا يحتاجا لبذل جهد كبير من أجل بقائه بينهما، بل وجودهما سويًا في منزلٍ واحد سوف يجعل الأمور أفضل، ويزيد جذوة الحب اشتعالاً، وبالطبع الاصطدام بشكل الحياة الواقعي بعد الزواج وابتعادها عن الصورة الحالمة المثالية التي رسمها كل في خياله تجعلهما يصابان بالإحباط مما يزيد الأمر سوءًا ويجعل الحب يقل بعد الزواج والعاطفة بينهما تفتر.
البقاء سويًا كل الوقت
وقت الارتباط قبل الزواج، كنت تستيقظ صباحًا لتجد “رسالة صباحية” في انتظارك، تزيد العاطفة بينكما قوة وتزكي جذوة الحب وتجعلها تتقد أكثر وأكثر، تذهب إلى عملك أو إلى دراستك كي تتصيد ربع ساعة أثناء العمل أو الدراسة تستطيع الاطمئنان فيه على شريك علاقتك هذا، منتظرًا بفارغ الصبر اللقاء الأسبوعي أو النصف شهري بينكما، وكلما تباعدت المدة الزمنية بين اللقاءات كلما ازددت حرمانًا وازددت شوقًا وبلغ الشوق عندك مداه، ولم تعد تستطع صبرًا، وعندما يحين اللقاء تتمنى أن تستبقيه، أن تظلا سويًا أطول فترة ممكنة، وإن أمكن.. أن تظلا مع بعضكما طوال الوقت، وتتمنى في هذه اللحظة تحديدًا أن تذهبا سويًا إلى منزلٍ واحد وتناما في أحضان بعضكما، وهذا بالطبع إطلاق شرارة الصورة المثالية الحالمة عن الزواج، وأن الحب بعد الزواج سيدوم بسبب هذه الأمنية، ولكن للأسف.. الحب يقويه الحرمان، ووجودك بعيدًا عن شريك علاقتك هذا هو وقود الحب بينكما وهو ما يجعله مشتعلاً وملتهبًا دائمًا، أما أنك تستيقظ لتجد نفس الشخص بجوارك كل يوم، تذهب للعمل فتجده يتصل بك ليسألك لم تأخرت، تعود للمنزل لتجده في انتظارك أو تجلس أنت في انتظار لتأتي وتجلسان باقي اليوم سويًا وتنامان لتستيقظان في الصباح وهكذا، فأي عاطفة ستظل متقدة مع شخص وصلت معه لحالة من “الإشباع”، بحيث أنك قد تشبعت بوجوده بالكامل؟ لذلك الحب بعد الزواج قد يخفض من قوته التواجد سويًا طوال الوقت.
الانخراط في المشاكل اليومية المعتادة
قيل قديمًا أن الحب بعد الزواج يفتر بسبب المشاكل اليومية المعتادة والانخراط فيها والتفكير في منزل الزوجية وكيفية سد حاجاته وكيفية توفير أهم جوانب الأمان وأهمها جانب الأمان المادي، وبالطبع في غمرة البحث عن إشباع الجانب المادي وتوفير كافة مستلزمات منزل الزوجية يتم إهمال الجانب العاطفي والإنساني، وتصبح الأسرة شخصان يعيشان من أجل شراء بعض السلع، ظنًا منهما أنهما في حالة اكتفيا بالمعيشة الجيدة التي لا ينقصها الأساسيات، والمستوى المادي الذي يوفر لهما العيش بيسر دون ضيق أو حاجة، فهما بذلك قد أديا واجبهما، أما واجب كلاً منهما تجاه الآخر فقد تناسياه في غمرة الانخراط في المشاكل اليومية المعتادة ومحاولة حل الأزمات التي تعرض لهما ومحاولة إيجاد بدائل وعلاج للمشكلات التي تواجههما، وهذا عندما يحدث، فإنه يشكّل ضغطًا على نفسية كلاً منهما إذن فمن الطبيعي أن يضعف الحب بعد الزواج وينسيا الهدف الأسمى من الزواج وهو الحفاظ على حبهما الذي لطالما ظل موجودًا فقد وجدت معه المودة والاستقرار والسكن والألفة والمحبة التي تشبه شجرة نرويها بالتعاضد والحب والحنان فتنمو وتكبر وتورق فروعها ونجني ثمارها. مقابل هذا فإن انخراطنا في مشاكلنا اليومية ومحاولة تأمين حياتنا من الجانب المادي هو الغاية والهدف وهذا بالطبع من أهم الأسباب التي تؤدي إلى موت الحب بعد الزواج.
إلقاء كل شخص المسئولية على الآخر
لا ريب أن أجواء ما قبل الزواج لا زالت تسيطر على عقول ما بعد الزواج، وبالتالي، الشخص الذي كان يدفع كل مرة تخرجان فيها، والشخص الذي كان يحل كل مشكلة تقعان فيها، الشخص الذي ربما كان يتحمل العلاقة بأكملها، هو بنفسه الذي ينتظر بعد الزواج أن يرتاح قليلاً وقد حان الوقت لتحمل الطرف الآخر جزءًا من المسئولية والطرف الآخر يريد أن يكمل هذا الشخص مهمته ويتحمل المسئولية بعد الزواج كما كان يتحملها قبل الزواج، وينقلب الأمر إلى تواكل، وبالتالي يضيع الحب بعد الزواج ويتلاشى ولا يمت بأي صلة لهذه العاطفة المتقدة التي كانت قبل الزواج والتي ظنا أنها ستكون موجودة بسبب حرص كل طرف على الآخر ومحاولة ألا يزعجه أو يغضبه وبالتالي كل منهما استند على محبته في قلب الآخر واستغلال هذه المحبة، وبالتالي عندما تصبح الحياة صعبة ويؤتي التواكل ثماره بأن يطرح الضغط العصبي والجو المتوتر الدائم في المنزل، يذهب كل شخص لإلقاء مسئولية هذا الضغط العصبي وهذا التوتر على الآخر بدلاً من محاولة أن يقف مع النفس وقفة ويحاول أن يحاسب نفسه على ما أخطأ فيه ويحاول حل المشكلة بعقلانية ومنطقية، ويكاد يكون السبب وراء ذهاب الحب بعد الزواج إلى غير رجعة هو إلقاء مسئولية الأخطاء على الطرف الآخر بكاملها، وتبادل الاتهامات ومحاولة تبرئة النفس بالكامل، وهذا ما يضر الزواج ويفني الحب بعد الزواج وقد يؤدي إلى ذوبان المشاعر تمامًا.
الملل والروتين
ربما من أهم الأسباب التي تؤدي إلى فقدان الشغف في الحياة عمومًا هو الروتين اليومي الممل وهو أن تفعل نفس الأشياء وتقابل نفس الأشخاص وتأكل نفس الطعام وتنام في نفس السرير وتسكن في نفس المنزل، تتحول إلى آلة بشكل أوتوماتيكي تصدأ روحك وتشعر أنك ستنتهي دون أي شعور بانتعاش بداخلك، والحب بعد الزواج أيضًا يتأثر بالملل والروتين، خصوصًا إن كان بداخلك الكثير والكثير من الحيوية والرغبة في التجديد وتجربة أشياء لم تجربها من قبل ولكن هذه الأشياء بفضل تأسيس بيت وأسرة وترتب عليه تحمل مسئولية البيت والأسرة ستجد نفسك منسحقًا في دوامة الروتين القاتل وبالتالي الحب الذي كان قبل الزواج، والذي كان مصدرًا للتحفيز وتنشيط الرغبة في الحياة انتهى، والحب بعد الزواج أصبح روتينًا مملاً لا معنى له. لذلك أحد أهم أعداء الحب بعد الزواج هو الروتين الممل والقادر على قتل كل العواطف الحية، وإخماد جذوة كل المشاعر الملتهبة بين الزوجين.
عدم اهتمام كل شخص بنفسه أو بالآخر
الحب بعد الزواج يموت بسبب نقص الاهتمام، مسلمة لا شك فيها. ربما تذكر كيف كنت قبل الزواج؟ سواء زوج أو زوجة.. كيف كنت مهندمًا تهتم بنفسك وبأناقتك وبنظافتك الشخصية، نوع العطر ونظافة الملابس وتناسقها وغير ذلك، كنت مثالاً للشخص الذي يحلم بالزواج به أي إنسان ظنًا منه أنه سيأتي بالسعادة لمجرد وجوده ولكن للأسف، الشخص المهندم صار شخص أشعث قليل الاهتمام والاعتناء بنفسه، الشخص الأنيق صار يفتقر لأي حس أناقة كان يتمتع به من قبل، الشخص المهتم، صار شخصًا مهملاً لا يعبأ بأي شيءٍ كان لأنه كان يفعل ذلك كوسيلة من وسائل الجذب أما الآن فالوضع تغير تمامًا، فقد ضمن الشخص الذي كان يسعى لجذبه ولم يعد هناك داعي للاهتمام أو الاعتناء بالمظهر أو الجوهر.
أما الاهتمام بالشخص نفسه فصار في ذيل قائمة أولوياته، الحنان المتدفق الذي كان قبل الزواج شيئًا ضروريًا أصبح بعد الزواج رفاهية لا معنى لها، حتى العلاقة الحميمة أصبحت روتين ممل لا معنى له يؤدى فقط لمجرد أداء الواجب أو سد الخانة، فكيف يستمر الحب بعد الزواج في جو كهذا؟ وكيف ينمو ويترعرع وينتعش؟
إن عدم الاهتمام يخنق الحب كما أن الاهتمام والتعامل بمبدأ كما لو كنت في بداية العلاقة هو ما ينعش الحب ويقضي على الملل والروتين ويحافظ على الحب بعد الزواج، ولكن من يعي لهذا؟ ومن ينفذه!؟
شعور كل شخص بأنه المظلوم
الحب بعد الزواج لا يستمر، هذه نقطة يدركها كل من الزوج والزوجة، شخصين فقط كانا يحبا بعضهما البعض جدًا قبل الزواج وكانا ينظران للزواج كبوابة للسعادة الأبدية ومفتاح لحياة الاستقرار والسكينة مع الظهير العاطفي والحب الذي لا ينتهي مع الشخص الذي لطالما حلم بقضاء باقي العمر معه، إذن ماذا حدث جعل هؤلاء الشخصين والذي كانا روحًا واحدة موزعة في جسدين رغم إدراكهما للمشكلة يغفلان عن أسبابها وحتى لا يملكان الجرأة والشجاعة لفتح هذه المسألة ومحاولة حلها، كيف تحولا إلى زوجين ملولين لا يجرؤان حتى على مواجهة مشاكلهما ومحاولة حلها؟ أين ذهبت الرومانسية وأين ذهب الحب؟
ربما إجابة هذا السؤال تكمن في شعور كل طرف من الطرفين في أنه هو المظلوم وأن الطرف الآخر بإهماله وعدم اهتمامه وتحجر مشاعره هو المسئول عن تلاشي الحب بعد الزواج، وبالتالي هو عليه وحده أن يصلح هذه المشكلة وأن يبادر بحل الأزمة، ما دون ذلك فهو ليس مضطرًا سوى بالتمادي في الأسلوب الفاتر البارد الذي يتعامل به حتى يحس الطرف الآخر بما أذنب فيه وتسبب في إيقاع الظلم عليه ويقوم بحل المشكلة ورفع هذا الظلم وإعادة الحب مرة أخرى إليهما، وهو المسئول وحده عن كل هذا. وطالما أن كل شخص يفكر بهذه الطريقة المتصلبة وبهذا العناد فليس هناك حب سيعود، بل المزيد والمزيد من الفتور والبرود والملل في العلاقة الزوجية.
فقدان التقدير والاحترام
لا ريب أن الحب بعد الزواج وفقدان التقدير والاحترام بينهما علاقة طردية بحيث أن كل منهما سبب ونتيجة للآخر وفقدان التقدير والاحترام يأتي في مرحلة متقدمة قليلاً من بداية تلاشي الحب بعد الزواج، وبعد أن كان التقدير والاحترام يغلف العلاقة العاطفية إلا أنه بعد الزواج يتلاشى هذا الحب والاحترام ويصل الأمر إلى كراهية الزواج ذاته بسبب وجود هذا الشخص، وفقدان التقدير يأتي أيضًا للتقليل من حجم المسئوليات التي يتحملها كل طرف في بيت الزوجية وانعدام التقدير لمجهوداته التي يقوم بها وبالتالي فإن الأمر يؤدي إلى عدم التفاهم وفتور المشاعر تجاه هذا الشخص، ولا يؤدي هذا إلا إلى تهاوي علاقة المودة والرحمة بين الزوجين وانهيار كل ما كان يمت لما قبل الزواج بصلة وانتهاء الحب بعد الزواج تمامًا، وأي علاقة تخلو من التقدير والاحترام سواء كانت علاقة صداقة أو حب أو حتى علاقة عمل فإنها منتهية لا محالة، فما بالك بعلاقة بين زوجين يتشاركان مسيرة الحياة، ويؤسسان معًا بيتًا للعيش المشترك؟ لذا فقدان الحب والاحترام كارثة كبرى تتسبب وتنتج في نفس الوقت عن اختفاء الحب بعد الزواج، وندعو الله أن لا يصل الأمر بأحد إلى هذه الدرجة.
الندم على قرار الزواج وشعور أنه كان يجب عليه أن يتروى قليلاً
في وقت لاحق من تضاءل مساحة الحب بعد الزواج بين الزوجين، وتفشي عدم التفاهم والملل والفتور بدلاً من الحب والمودة والتفاهم، وبما إن هذا الشخص كنت تحبه من قبل وكنت تكن له كل الحب والمودة والحنان وتقدره وتحترمه وكان هو أمنيتك من العالم بكامله ومجرد فكرة أن تعيشا سويًا في مكان واحد من الأحلام التي كنت تسعى لتحقيقها بحرص شديد، الآن أصبحت تفكر بأنك قد تسرعت في الزواج من هذا الشخص وربما قد تسرعت في اتخاذ قرار الزواج مطلقًا وأنه لو عاد بك الزمن للوراء ربما ستأخذ فرصة للتفكر بروية أكثر من ذلك، وستأخذ الوقت اللازم لتقليب الموضوع على جميع جوانبه وأنك لن تأخذ قرارًا بالزواج بهذه السرعة إلا بعد أن تختبر جميع حالاته وتكون مستعدًا بالكامل لاتخاذ هذه الخطوة والذي بدا لك الآن أنك لم تكن مستعدًا إطلاقًا لاتخاذها.
ويترتب على هذا أن مساحة الملل والفتور تزداد وقد تتحول إلى كراهية نحو شريك الحياة الزوجية لأنه هو نتيجة قرارك المتسرع هذا وربما بسبب ضغط منه قد وافقت أو قررت السعي في اتخاذ هذه الخطوة دون تفكير أو دون استعداد نفسي ومعنوي لها.
وهذه للأسف مرحلة متأخرة جدًا من الشقاق وانعدام الحب بعد الزواج لا أراها الله لأحد، خصوصًا عندما يكونا حبيبين بسبب الإحباط الذي تخلفه هذه الحالة وعدم الثقة لا في الحياة ولا في الحب كمبرر طبيعي للزواج وإنشاء أسرة.
وبعد أن سردنا في السطور السابقة الأسباب التي تؤدي لاختفاء الحب بعد الزواج وذهابه إلى غير رجعة نستعرض في السطور التالية الطرق التي يمكن أن نتفادى بها هذه الأسباب أو نعالج مشكلة اختفاء الحب بعد الزواج. كيف نحافظ على الحب بعد الزواج؟
النظرة الواقعية للأمور
من أهم أسباب استمرار الحب بعد الزواج هو النظرة الواقعية للأمور والوعي التام بأن الزواج ليس حبًا في حب أو رومانسية في رومانسية أو أنه ليس به مشاكل أو أزمات على الإطلاق أو أنه مثله مثل العلاقات العاطفية، وأن الحب والتفاهم الذي كان يغلف العلاقة أثناء الارتباط قبل الزواج ستستمر بنفس الإيقاع بعد الزواج، وهذا خطأ كبير ويعتبر المسئول الأول عن حالة الإحباط التي تسود الحياة الزوجية وتعمل على تلاشي الحب بعد الزواج، ولحلها يجب الوعي بحجم المسئولية التي هم بصددها، والتحدث سويًا بشأن تفاصيل الحياة الزوجية ولا خجل في ذلك، ومحاولة وضع خطة أو تصور ما لهذه الحياة في ضوء المعطيات التي لديهم من معطيات مادية أو نفسية أو شخصية أو عملية، والعمل على تقريب وجهات النظر والتنازل عن الصورة المثالية التي نرسمها في أذهاننا في سبيل الاتفاق على طريقة للعيش المشترك، هذه تعتبر إحدى الركائز الأساسية لاستمرار الحب بعد الزواج.
المحافظة على استقلالية كل فرد
الخطأ الكبير الذي يقع فيه معظم الأزواج والزوجات ويعتبر إحدى أهم أسباب تلاشي الحب بعد الزواج هو أن كل طرف يريد أن يمحو شخصية شريكه في الحياة الزوجية، ومحاولة إنشاء شخصية تعد انعكاس لشخصيته أو صب كلا شخصيتهما في بوتقة واحدة تكاد تكون شخصية واحدة في جسدين بحيث يعمل كل فرد على إنجاح العلاقة الزوجية وإفناء ذاته وأحلامه وأفكاره في الحفاظ على منزل الزوجية، وهو بهذه الطريقة لا يكاد يكتب بيده شهادة وفاة العلاقة الزوجية، فمحاولات التطويع هذه فضلاً عن أنها تأتي بنتائج عكسية إلا أنها أكثر ما يجعل الفرد توّاقًا إلى الفرار من هذه العلاقة أو هذه الرابطة التي تود تقييده وتكبيله بأغلال لا فكاك منها ولا فرار ولو حتى تحت مسمى “الزوجية”، ومحو شخصية الإنسان من أسوأ ما يمكن أن يتعرض إليه والضرب بأحلامه وأفكاره ورغباته وهواياته وعلاقاته عرض الحائط مقابل إنجاح العلاقة الزوجية ولأن ذلك سيأتي بنتيجة عكسية فإن ذلك سيؤدي إلى إفشالها.
لذلك: لابد من المحافظة على استقلالية كل طرف من أطراف العلاقة الزوجية وعدم الاعتداء على استقلالية وخصوصية أي شخص من هذه الأشخاص وخصوصًا العلاقات الشخصية والأحلام والهوايات، بل يجب تنميتها والحفاظ عليها حتى يشعر كل طرف أن الزوجية تدفعه للأمام وتجعل حياته خارج إطار الزوجية تزدهر لا العكس، مما يلقي بظلاله على الحياة الزوجية أيضًا ويجعلها مثالاً للمحبة والتفاهم ويعمل على استمرار الحب بعد الزواج.
تقاسم المهام والتشارك في حمل أعباء المعيشة
كما أشرنا سابقًا إن إلقاء كل طرف من الأطراف المسئولية على عاتق الآخر هو أهم أسباب اختفاء الحب بعد الزواج ويخلق التواكل الذي يجعل كل طرف معتمدًا على الآخر وبالتالي يخلق توقف المياه السائرة وينتج عن ذلك المشكلات والشقاق بين الزوجين، ولا عيب في أن نتقاسم المهمات ونتشارك حمل أعباء المعيشة، أولاً سيعلم كل شخص ما هي حقوقه التي له أن يحصل عليها والواجبات التي عليه أن يؤديها، وفي نفس الوقت متعة مشاركة الحياة مع من تحب، متعة لا تفوقها متعة، ولا ريب أنها تخلق جوًا من المودة والألفة وتعمل على إبقاء الحب بعد الزواج لفترات طويلة، وطالما استطعنا السير على خطة تقاسم المهام الزوجية والتشارك في حمل أعباء المعيشة سويًا سواء على المستوى المادي أو المعنوي أو البدني، فإن الحب سيستمر حتى النهاية ولن يذهب أبدًا بعيدًا عن هذا المنزل المؤسس على الحب والتعاون والمودة والتشارك، لا على التواكل وإلقاء المسئوليات واعتماد كل طرف على الآخر.
التفاهم والقدرة على حل المشاكل بعقلانية
إن استمرار الحب بعد الزواج لا ينفي أبدًا عدم وجود مشاكل أو سير الأمور بمثالية وبطريقة يغلب عليها الدفء والحب والحنان، لابد أن نعي أننا بشر، وأننا لنا زلات وسقطات وعيوب وأخطاء ولدينا مواقف كثيرة نسيء فيها التصرف ويخوننا ذكاءنا فيها كثيرًا، وكل هذه الأشياء سوف تؤدي إلى حدوث المشاكل، ولابد أن نتوقع أنه سوف يحدث مشاكل لا محالة، ولكن يجب أن يكون لدينا النضج الكافي للقدرة على التفاهم الذي سينتج عنه حل المشاكل بعقلانية والابتعاد عن العناد والمراهقة وتفهم أننا من الممكن أن نخطئ ويجب أن يكون لدينا الشجاعة للاعتراف بأخطائنا والاستعداد لإصلاح الخطأ إن أمكن أو الوعد بعدم تكراره، وهذا يدل على التفهم والتقدير من جهة ومن جهة أخرى تستطيع أن تتخذه كمنهج لحل المشاكل التي نتعرض لها في حياتنا الزوجية ومواجهتها بشجاعة لأن هذا هو الحل الأمثل دون شك.
التجديد والإقدام على تجربة أشياء جديدة
لابد أن الحب بعد الزواج يتلاشى ويحل محله الملل والروتين، ولابد أن الملل والروتين كما أشرنا إحدى أهم أعداء الإنسان في كل شيء تقريبًا، ولذلك للتغلب على هذا الوحش الكاسر المسمى الملل والروتين، ولكسر ركود هذه الحياة الرتيبة يجب أن تتفقا على صنع شيء جديد ولو مرة واحدة في الشهر، الذهاب إلى مكان جديد أو تجربة شيء جديد أو لعب لعبة معًا أو محاولة صنع شيء ما سويًا، لا شك في أن هذه الأمور سوف تقضي على الملل والروتين، ولابد أن الحب بعد الزواج سوف يزدهر عما كان قبل العلاقة خصوصًا مع ازدياد حالات التفهم والتفاهم مع الشخص الذي تزوجته وميله أيضًا إلى حب التجريب والاكتشاف والإقبال على الحياة، إلا إذا كنتما ترتاحان في حالات البيتوتية والركود والروتين الممل، هناك الكثير من الناس يميلون إلى الحياة الرتيبة ويخشون من التجديد أو تجربة أشياء لم يجربونها من قبل، ففي هذه الحالة لا تصلح لكما نصيحة التجديد وكسر الملل والروتين.
اهتمام كل شخص بنفسه وبأناقته وصحته
كما أشرنا سابقًا أن أحد أهم المشكلات التي تواجه الحياة الزوجية وهو أن كل طرف يركن إلى أنه قد ضمن الآخر وبالتالي يهمل في نفسه وفي صحته وفي أناقته ولا يهتم حتى بنظافته الشخصية مما يلقي بظلاله السيئة على الحياة الزوجية ككل، ولكن الحياة الزوجية المزدهرة فعلاً هي التي يهتم فيها كل شخص بنفسه وبأناقته وبنظافته كما لو كان لا زال في مرحلة التعارف، هذه هي النصيحة الذهبية، وهي إن أردت أن يدوم الحب بعد الزواج فيجب عليك أن تتعامل كما لو كنت في مرحلة التعارف والإعجاب، وهي المرحلة التي تسعى فيها بكل قواك أن تجتذب الطرف الآخر إليك وتجعله يعجب بك بوسائل عدة.
اهتمام كل شخص بالآخر وتقديره واحترامه
لابد أن الاهتمام بالذات يأتي في مرتبه أعلى منه اهتمام كل طرف بالآخر وبأحزانه ومشاكله وأن لا يبخل عليه من عاطفته وحنانه ويبادر دائمًا بالتعبير عن مشاعر الحب التي يكنها له، ويفتخر به دائمًا أمام الآخرين.
فاستمرار الحب بعد الزواج يأتي عن طريق المودة والحنان ومراعاة المشاعر واحترام الأحاسيس والحفاظ على أسراره وتجنب غضبه والحرص على إسعاده وتذكر تواريخه المهمة والاحتفال بالمناسبات التي يحب أن يحتفل بها ومشاركته في فعل الأشياء التي يحبها أيضًا، ذلك هو مفتاح بقاء الحب بعد الزواج.
تحويل الزواج إلى دافع للتقدم والنجاح
من الأشياء التي تجعل الحب بعد الزواج يتضاءل، وهو شعور كل طرف أن الزواج يعطله ولا يدفعه للأمام وهذه للأسف في بعض الأحيان تكون حقيقة، ولذلك فهذه مهمة كلا الطرفين ويجب على كل طرف أن يدفع الطرف الآخر للأمام ويدعمه بكل قوته، سواء في عمله أو في دراسته أو في علاقاته الاجتماعية سواء بأصدقائه أو بأسرته أو بمعارفه، لأن الشريك الحقيقي، وظيفته الدعم والوقوف وراء شريكه لنيل أفضل المراتب.
خاتمة
الحب بعد الزواج من الأمور التي يجب أن نحافظ عليها لأنه إن ذهب الحب ستتحول الحياة إلى روتين قاسي ممل وتنتهي الحياة غالبًا إلى الخرس الزوجي وتمني أنه لو عاد الزمن للوراء لم تكن ستقدم على خطوة الزواج هذه أبدًا خصوصًا من هذا الشخص الذي تراه الآن مصدر تعاستك بعد أن كان مصدر تعاستك وأمنيتك من العالم، وكنت ستستطيع تفادي كل هذا ببعض من تحمل المسئولية والمحبة والحنان واتباع النصائح أعلاه.