الموت الرحيم : كيف نشأت فكرته ؟ وهل هو أخلاقي فعلاً ؟

الموت الرحيم هو إنهاء حياة الشخص برضاه بسبب تمكن أحد الأمراض المستعصية منه، وعدم القدرة على مساعدته بأي شكل من الأشكال، هنا نقدم مناقشة لهذه القضية.

ما هو الموت الرحيم ؟ وما هي أنواعه؟ وكيف نشأت فكرته؟ وكيف تطبق في دول العالم؟ فالموت الرحيم يشمل أنواعاً عدة وكذلك تشريعات مختلفة في كل دولة وكل ثقافة، نناقش كل هذا هنا بشكل متزن.

ملف كامل عن الموت الرحيم

[wpcc-script src=”https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js” defer]

التعريف الدقيق لكلمة الموت الرحيم

الموت الرحيم ببساطة يعني اتخاذ قرار بإنهاء حياة مريض بعدة طرق أهمها بإيقاف توصيل الأجهزة الطبية لمريض ما والمسئولة عن ضمان استمرار عملية التنفس وبالتالي فإن فصلها يعني الموت الحتمي للمريض، ويكون اتخاذ هذا القرار ملكاً للمريض ذاته يقرره قبل الخوض عملية جراحية أو يوكل احد الأشخاص المقربين له لاتخاذ هذا القرار في حالة توقف أجهزة الجسم الحيوية عن العمل.

المحاولات الطبية لإنقاذ المرضى

ففي الحالات الطبيعية وبدون التطرق لفكرة الموت الرحيم يقوم الأطباء بمحاولات عدة لإنعاش المريض وإفاقته عبر الضغط باليدين على عظمة القص الموجودة في منتصف القفص الصدري كمحاولة لإثارة عضلة القلب للعمل وضخ الدم مصحوبة بإجراء تنفس صناعي للمريض إما بواسطة الفم أو بأدوات خاصة لتلك العملية، كما يمكن أيضاً استخدام أجهزة الإثارة الكهربية للقلب والتي تستخدم شحنة كهربية يتم التحكم في شدتها وزيادتها تدريجياً لإثارة العضلات القلبية وحثها على العودة للعمل المنتظم مرة أخرى.

ومع فشل كل المحاولات الطبية الممكنة في جعل المريض يستفيق من غيبوبته أو يتمكن من التنفس بمفرده يتم توصيل جسده بأجهزة طبية خاصة بضبط عملية التنفس وإجراءها نيابة عن الجسد المعتل كما يتم تركيب محاليل غذائية خاصة وعمل غسيل كلوي مستمر لتجنب تراكم الفضلات، أي أن الأمر باختصار يعد استبدالاً لكافة العمليات الحيوية التي تجري في الجسم والاستعاضة عنها بأجهزة خاصة.

ونظراً لاستحالة تمكن الفريق الطبي المعالج من معرفة مدة الغيبوبة أو متى سيفيق المريض يضطر الأطباء لإبقاء جسد المريض متصلاً بتلك الأجهزة حتى إفاقته أو موته.

الأسباب وراء نشأة فكرة الموت الرحيم

حالات الغيبوبة المعقدة

يعد السبب الرئيسي وراء نشأة فكرة الموت الرحيم هو انتشار الحالات المستعصية التي- كما شرح في السالف ذكره- تظل في غيبوبة لمدة طويلة تصل إلى سنوات مما يستنزف الموارد المادية لكلا من الأسرة المعيلة والهيئات الصحية والطبية بالدولة كما يتسبب ذلك في استغلال العديد من الأماكن في المستشفيات مما يقلل عدد الأسرة الشاغرة وبالتالي تقل كفاءة الرعاية الصحية للمستشفى.

الرغبة في الانتحار: كما أن انتشار ثقافة الانتحار في الكثير من الدول وبالأخص دول الغرب جعلت الكثير من المرضى يقبلون على الموافقة على فكرة الموت الرحيم كحل نهائي إذا فشل الأطباء في إنقاذ حياتهم إما بدافع الخوف أو كره الاستمرار في الحياة.

الروايات التاريخية القديمة

وساهم انتشار بعض الأساطير والروايات التاريخية عن الكثير من القبائل والجماعات التي كانت تسكن في مختلف المناطق من الأرض وكانوا يقبلون على قتل من يصاب بمرض يجعله عالة وثقل على عائلته ومن حوله كالكسيح والمشلول وخلافه في ترسيخ مبدأ استخدام القتل وإجازته لإراحة من يتعذب أو من يجهل نهايته.

نظرة الناس واختلاف الآراء حول فكرة الموت الرحيم

يختلف الناس كاختلافهم على الكثير من القضايا كذلك على فكرة الموت الرحيم؛ فالبعض يراه حق ذاتي مكتسب لكل شخص في تقرير مصيره وكيف يؤول إليه هل ينهي حياته أم يتابعها والبعض الآخر يعتبره ضرباً من ضروب الجريمة وفكرة شنيعة نشأت في مجتمعات تبحث عن مبررات كتلك لتخفيف أعباء التكلفة العلاجية لمرضى الحالات المزمنة، وعلى جانب آخر ينظر البعض من الناس لبعض أنواع الموت الرحيم على أنها جائزة ومقبولة الحدوث وأنواع أخرى لا يمكن الموافقة عليها.

أنواع الموت الرحيم

يمكن تصنيف أنواع الموت الرحيم تبعاً لمحاور مختلفة، أولهما المسئول عن اتخاذ القرار بالموت وعندها يصنف الموت الرحيم إلى 3 أنواع:

  • الموت الرحيم الطوعي: حيث يتخذ المريض القرار بذاته دون التأثير عليه قبل إجراء عملية جراحية معقدة أو في حالة إصابته بمرض مستعصي يزيد فيه احتمال إصابته بغيبوبة كاملة، عندها يتم منح الفرصة للمريض بتقرير مصيره الذاتي من حيث محاولة الأطباء لإنعاشه أو فصل الأجهزة عنه، وهو النوع الأكثر شيوعاً والأكثر شرعية في العديد من الدول مثل هولندا وبلجيكا وبعض الولايات المتحدة الأمريكية.
  • الموت الرحيم غير الطوعي: على عكس النوع الطوعي فلم يتخذ المريض قراره بنفسه إما لإصابته في حادث مفاجئ غير متوقع أو لعدم أهلية المريض القانونية لاتخاذ مثل تلك القرارات كأن يكون طفلاً أو مصاباً بمرض عقلي، فيتم اللجوء للمسئول عن المريض أو القريب من الدرجة الأولى لتقرير مصيره، ولإجازة وتقنين مثل ذلك النوع سمحت بعض الدول باختيار كل شخص لآخر يناب عنه في مثل ذلك القرار في حالة إصابته بغيبوبة ما.
    الموت الرحيم القسري: حيث لا توجد موافقة من قبل المريض أو من قبل أحد أقربائه فيقوم الأطباء باتخاذ القرار بأنفسهم دون اللجوء لأحد، كحالات الإصابة المجهولة وعدم التوصل لهوية المريض أو عدم وجود أفراد مرافقين له أثناء الإصابة.

المحور الثاني لتصنيف فكرة الموت الرحيم هو بناء على الوسيلة المستخدمة فينقسم الموت الرحيم إلى 3 أقسام:

  • الموت الرحيم السلبي: تعتمد فكرته على إهمال الأطباء للإجراءات الطبية الواجب إتباعها وترك المريض حتى تدهور حالته الصحية ويصل للموت.
  • الموت الرحيم النشط: عن طريق إعطاء دواء للمريض يسبب وفاته على الفور.
  • الموت الرحيم غير المباشر: ويتمثل في إعطاء المريض جرعات من دواء تسبب له ظاهرياً وعلى المدى القريب تحسن في الحالة الصحية والمزاجية كما تسكن الألم وتخفف الشعور به، ولكنها على المدى البعيد تسبب وفاة الشخص وتعجل من موعد نهاية حياته.

كما أنه في بعض الدول مثل هولندا- والتي تعتبر الرائدة في قوانين الموت الرحيم يتم تقسيم مبررات الموت الرحيم إلى درجات:

  • الدرجة الأولى: الغيبوبة الكاملة والتي يعجز فيها المريض عن التنفس بمفرده ويكون في حاجة للاتصال بجهاز تنفس اصطناعي لتنظيم دخول وخروج الغازات لرئتيه.
  • الدرجة الثانية: أقل حدة من درجة الغيبوبة وفيها يكون المريض إما في حالة غيبوبة وفقدان وعي جزئي أو متقطع أو يكون كامل الوعي ولكن إصابته بأمراض مستعصية ومزمنة تسبب له آلاماً شديدة يستحيل معها استكمال الحياة والذهاب لعمله أو حتى ممارسة المهام والأنشطة اليومية المختلفة والبسيطة جداً كتناول الطعام بمفرده دون مساعدة أو إلباس نفسه أو الذهاب للحمام أو حتى مجرد التجول في الغرفة.
  • الدرجة الثالثة: هي درجة أقل ولكن تعتبر مزيج بين الدرجتين السابقتين، حيث يعاني المريض من أمراض في الرئة تجبره على حمل أسطوانة تنفس بالأكسجين دائماً وأينما ذهب؛ وبالتالي فاستغناؤه عنها يجعل من عملية التنفس شبه مستحيلة مما يشكل عبئاً على الشخص المريض قد يدفع به للتفكير في اللجوء إلى الموت الرحيم.

الموقف الديني من الموت الرحيم

تختلف المذاهب الدينية على كثرتها في وضع حكم ديني للموت الرحيم وهل يجوز أم لا. فبعض المذاهب في الإسلام والمسيحية تحرم الموت الرحيم تحريماً تاماً وتدرجه ضمن أنواع وطرق القتل فيما يخص الطبيب أو الانتحار فيما يخص المريض ذاته، إلا أن بعض المذاهب وإن ندرت تنظر للأمر بإمكانية جوازه في حالة الموت الدماغي أو ما يسمى بالموت السريري للمريض والذي لا يقدر فيه المريض على الشعور بما حوله أو الاستجابة لأي مؤثرات خارجية ولكن بالرغم من ذلك تعمل كافة أجهزة جسمه بانتظام بفضل الأجهزة الطبية المتصلة به.

Source: ts3a.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *