قد يستهين البعض بمشكلة التلعثم في الكلام عند الأطفال ولا يدرك البعض أنها قد تترك آثارا نفسية أو اجتماعية سلبية على شخصية الطفل في المستقبل القريب أو البعيد، وقد أشارت الإحصائيات إلى أن حوالي 5% من جميع الأطفال يتعرضون لمشكلة التلعثم في الكلام أو التأتأة أثناء الصغر عند تعلم الكلام، كما ثبت أن حوالي 20% من هؤلاء الأطفال المتلعثمين تبقى لديهم مشاكل في النطق أو مشاكل نفسية وعصبية أو اجتماعية أثناء مرحلة الرشد والبلوغ نتيجة للتعامل مع مشكلة التلعثم بصورة مغلوطة في الصغر، ويعتبر التلعثم في الكلام اضطرابات كلامية يصحبها تكرار لبعض المقاطع وتردد أو تشنجات ورعشة في الشفتين أو الرموش تؤدي إلى توقف مجرى الكلام وعدم خروج المقاطع والجمل بصورة سليمة، وتظهر هذه التأتأة أو التلعثم لدى الأطفال فيما بين عمر 2: 6 سنوات، ويتناول هذا المقال أنواع وأسباب مشكلة التلعثم في الكلام لدى الأطفال، وفي النهاية يتناول المقال أهم سبل علاج هذه المشكلة.
طريقة علاج مشكلة التلعثم في الكلام
أنواع التلعثم في الكلام
أحيانا يكون التلعثم في الكلام أمرا طبيعيا ولا يمثل خطورة على شخصية الطفل ونطقه في المستقبل، ولكن هناك علامات تدل على أن هذا التلعثم من النوع المرضي الذي يحتاج إلى علاج؛ فإذا لوحظ على الطفل توتر وشد عضلي في الوجه أو ارتفاع الصوت عند تكراره وتجنب الطفل لنطق بعض الكلمات التي تسبب له التلعثم فيجب عرضه على الطبيب المختص أو مختص التخاطب لفحص حالته ووصف العلاج المناسب له، وفيما يلي أنواع التلعثم في الكلام عند الأطفال:
1- التلعثم النمائي: وهو التلعثم الطبيعي الذي يتعرض له جميع الأطفال ما بين 2: 4 سنوات، وهذا النوع من التلعثم لا يستمر طويلا فسرعان ما يزول بعد عدة أشهر، كما أنه لا يمثل خطرا على نطق الأطفال.
2- التلعثم الدائم: وهو التلعثم المرضي الناتج عن مشكلة تحتاج إلى العلاج بأسلوب سليم للتخلص من آثارها السلبية المحتملة على شخصية الطفل مستقبلا، ويظهر هذا التلعثم لدى الأطفال قبل وصولهم سن الثامنة ويستمر طويلا إلا إذا تمت معالجته مبكرا.
أسباب التلعثم في الكلام لدى الأطفال
لقد شبه العالم الأمريكي جوزيف شيهان خبير علم النفس الإكلينيكي التلعثم بأنه مثل جبل من الثلج ما يظهر منه للعيان أقل بكثير مما يغمره الماء، وهذا يدل على أن التلعثم ليس تأتأة أو عيبا في النطق فحسب ولكن هناك عوامل وأسباب متعددة تكمن خلف هذا العيب وهذه التأتأة، ولا بد من معرفة تلك العوامل من أجل الوصول إلى العلاج الناجع لتلك المشكلة، وفيما يلي أهم أسباب التلعثم في الكلام لدى الأطفال وهي:
1- أسباب عضوية: إن الخلل في أجهزة استقبال الكلام (الأذن) أو أجهزة تحليل الكلام (الدماغ) أو أجهزة النطق (الفم واللسان) يؤدي بالضرورة إلى التلعثم في الكلام وإدراكه بصورة غير سليمة أو تأخر المعلومات المرتدة، وبالتالي من الضروري معرفة سبب التلعثم قبل علاجه، فإذا كان السبب عضويا بسبب مشاكل سمعية أو دماغية أو في أجهزة النطق فلا بد من القضاء على أسباب المشكلة قبل أن يطلب من الطفل الإقلاع عن التلعثم.
2- أسباب نفسية: إن الطفل يحتاج إلى جوٍ تسوده المحبة والهدوء لكي ينشأ سويا في جميع جوانب شخصيته؛ لذلك فإن أجواء التوتر والقلق التي تسيطر على الأسرة تؤثر بصورة كبيرة في سلوك الطفل وفي نطقه للكلام، بل قد يفقد الطفل السيطرة على عضلاته المتحكمة في عملية النطق فتظهر التأتأة أو التهتهة و التلعثم في الكلام ، كما أن تخويف الطفل ومنعه من التنفيس عن مشاعره الخاصة مثل الغضب والبكاء أو منعه من إبداء الرأي أو طلب حاجاته الخاصة وبالتالي يتلعثم الطفل ويتردد في النطق، وقد أثبت العلماء أن القسوة في التعامل مع الطفل وإهمال شخصيته الخاصة والتحقير من ذاته ومقارنته بأقرانه وأساليب العقاب غير التربوية تعتبر من الأسباب المباشرة لحدوث التلعثم في الكلام لدى الأطفال لأسباب نفسية.
3- أسباب بيئية: لا شك أن البيئة المحيطة بالطفل تؤثر في شخصيته وسلوكه تأثيرا كبيرا، فالطفل الذي يعيش في بيئة مضطربة غير مستقرة وتتم معاملته بقسوة شديدة يعاني من اضطرابات لغوية ومشاكل في النطق وتردد أو تلعثم في الكلام، ومن العوامل البيئية المؤثرة في نطق الطفل قيام الوالدين بإجبار الطفل على الكلام قبل نضج أجهزة النطق لديه ودون أن يكتمل استعداده لذلك في عامه الثاني أو الثالث مما يسبب له توترا يؤثر سلبيا على نطقه للكلام، وأيضا أسلوب تعامل الوالدين أو المحيطين مع تلعثم الطفل أثناء النطق قد يزيد من تعقيد المشكلة كوصفه بالمتلعثم أو تكرار النهي عن التلعثم، كما يذكر بعض الباحثين أن تحدث الأم نيابة عن طفلها أثناء قضاء احتياجاته دون إتاحة الفرصة له للمحاولة يؤخر بصورة ملحوظة نمو الكلام عنده مما يصيبه بالتلعثم بعد ذلك عند محاولة الاعتماد على النفس عند قضاء حاجاته.
علاج التلعثم في الكلام
لقد أشارت الأبحاث والدراسات إلى أن علاج مشكلة التلعثم في الكلام لدى الأطفال في سن ما قبل المدرسة يكون أكثر فاعلية من تأخر ذلك إلى سن متأخرة، كما تشير الدراسات إلى أن الطفل المتلعثم يعتبر شخصا طبيعيا في جميع تصرفاته ما عدا مشكلة التلعثم في الكلام والتي تنتج عن أسباب نفسية أو عضوية أو بيئية كما ذكرنا آنفا، وفيما يلي أهم طرق علاج التلعثم في الكلام لدى الأطفال:
1- تنظيم حياة الطفل: يجب تنظيم حياة الطفل ما بين اللعب والراحة والتغذية السليمة والترفيه عن ذاته؛ حتى لا يصاب بالإرهاق أو التعب الجسمي الذي يؤثر على طريقة نطقه سلبيا.
2- طريقة التعامل مع الظاهرة: إن اهتمام الوالدين الزائد بظاهرة التلعثم والانشغال بها يؤدي إلى توتر الطفل أثناء النطق وتفاقم المشكلة بعد ذلك، وعلى العكس من ذلك فإن تجاهلها قد يؤدي إلى تلاشيها.
3- المعاملة اللائقة للطفل: يجب أن يعيش الطفل في جو يسوده الهدوء بعيدا عن النقاش الحاد أو إثارة غضبه أو إشعاره بالغيرة من أقرانه؛ لأن مثل هذا الجو من التوتر والقلق والخوف والغضب يؤدي إلى التلعثم في الكلام أثناء النطق.
4- تشجيع الطفل على السلوكيات الحسنة: إن عملية التشجيع التي يتلقاها الطفل أثناء النطق والكلام بصورة سليمة بطيئة بدون تأتأة أو تلعثم تؤدي بصورة كبيرة إلى القضاء على تلك المشكلة والتخلص منها تدريجيا، ومن ذلك مثلا تسجيل بعض أحاديث الطفل أثناء الكلام بهدوء بدون تلعثم ثم إعادته عليه ليشعر بالرضا عن نفسه ومحاولة تكرار ذلك.
5- عدم إجبار الطفل على استخدام اليد اليمنى بدلا من اليسرى: لأن الطفل قد عود عقله على استخدام كل يد في مجال معين وإذا تم إجبار الطفل على تغيير تلك العادة فإنه يتأثر سلبيا بذلك ويؤدي إلى اضطراب النطق وظهور التأتأة أو التلعثم في الكلام.
6- تنمية المواهب: إن تشجيع الطفل على التعبير عن ذاته بتنمية مواهبه من الرسم أو التلوين أو الكتابة أو ممارسة بعض ألعاب الذكاء والبازل تشغل تفكير الطفل بعيدا عن التوتر والإحباط الناتج عن سوء الحالة النفسية مما يساعد في التخلص من التلعثم أثناء الكلام.
7- استشارة الطبيب المختص: إذا لم تظهر آثار إيجابية من اتباع الأساليب السابقة أثناء علاج التأتأة أو التلعثم في الكلام لدى الطفل فلابد من استشارة الطبيب لوصف العلاج المناسب بعد تشخيص الحالة وأسبابها.
لا شك أن لكل مشكلة حلا ولا توجد مشكلة بدون حل، وقد وضع العلماء عدة حلول للتخلص من مشاكل التلعثم في الكلام لدى الأطفال، كما ينصح في البداية بضرورة التعرف على أسباب المشكلة ليتم القضاء عليها؛ لأن علاج المشكلة بدون القضاء على أسبابها غير مفيد بصفة عامة، ولا بد من استشارة مختص التخاطب أو الطبيب المختص للوقوف على أسباب المشكلة وطرق علاجها.