عدوانية الأطفال قد تكون من أكثر المشاكل إلحاحًا بالنسبة للكثير من الآباء والأمهات، فالعدوان واحدٌ من سلوكيات الإنسان وأفعاله وردود أفعاله الطبيعية والصحية أحيانًا في حالة كونها بمقدارها الطبيعي طبعًا لا بشكلٍ ملفتٍ أو مبالغٍ فيه، بل إن عدم وجوده قد يدل على حدوث شيءٍ خاطئٍ أو حاجةٍ بذلك الإنسان طفلًا كان أو رجلًا إلى المساعدة ليستعيد القدر الطبيعي من العدوانية الدفاعية، في الصغر فتعتبر عدوانية الأطفال الطبيعية دليلًا على صحتهم النفسية ونموهم بشكلٍ طبيعيٍ نفسيًا وبدنيًا، ومن المعروف أن العدوانية تقل كلما تقدم العمر بالطفل فهو يزداد نضجًا وفهمًا وقدرةً على التعبير وبالتالي تقل حاجته للعدوانية واستخدامها.
عدوانية الأطفال : طريقك من أجل التغلب عليها
ما هي عدوانية الأطفال؟
العدوانية سلوكٌ يستهدف إلحاق الأذى النفسي أو البدني بالآخرين عن طريق الكلمات أو التصرفات أو الضرب الجسدي أو البكاء والصراخ والعويل، وهو موجودٌ عند جميع الأطفال وتختلف درجته حسب اختلاف نفسية الطفل وظروفه وبيئته، العدوان بشكلٍ عامٍ هو عجزٌ عن التعامل بشكلٍ صحيحٍ مع المواقف التي يواجهها الطفل لذلك فحتى لو كان شيئًا طبيعيًا وصحيًا فهو لحظة عدم نضجٍ وتوقف العقل أو العجز عن التفكير بشكلٍ سليم وتوجيه الطاقة كلها نحو العضلات، غالبًا ما تنتج عدوانية الأطفال من غضبهم وعدم قدرتهم على التعبير عن أفكارهم ورغباتهم وتتوجه عدوانيتهم نحو أقرانهم أو إخوتهم أو والديهم أو أي شخصٍ يقف عائقًا بينهم وبين رغباتهم.
العدوانية الغير طبيعية
هناك فرقٌ شاسعٌ بين عدوانية الأطفال الطبيعية التي يستخدمونها للدفاع عن أنفسهم مثلًا أو في مواقف متفرقة أثناء الغضب أو الضيق أو العجز عن التعبير، بينما العدوانية الغير طبيعية هي التي يمارس فيها الطفل العدوانية بشكلٍ مستمرٍ ومتصلٍ على الدوام ويبدأ بالتفكير والإبداع في طرق إيذاء الآخرين بل قد يلجأ إلى التعذيب لمن هم أصغر منه سنًا من إخوته أو أقرانه أو الحيوانات الصغيرة ويستمتع بذلك، ويكون الطفل مصابًا بالسخط الدائم من كل ما حوله ومن حوله ويلجأ إلى رمي الأشياء وبعثرتها وإثارة ضيق وغضب من حوله ولا يشعر بالرضا والراحة إلا عند التصرف بعدوانية.
الآباء كسببٍ لعدوانية الأطفال
تختلف الأسباب المؤدية إلى عدوانية الأطفال المبالغ فيها يكون أبرزها وأظهرها وأقواها هو رد فعلٍ على العدوان الواقع على الطفل نفسه حينما يُعامله أهله أو معلمه أو ولي أمره أو المشرف عليه بعنفٍ وقسوة، أو يتسبب له في الأذى النفسي والإحراج والضيق والحزن وكذلك الضرب والأذى الجسدي المباشر، أو تجاهله والإقلال من شأنه وإحباطه وإشعاره بالنبذ واللا قيمة، عندها يشعر الطفل بغضبٍ مكبوتٍ وطاقةٍ يحاول إخراجها والتنفيس عنها عن طريق العدوانية، وممارسة ما وقع عليه على من هم أصغر وأضعف عنه، كذلك قد يستخدمه لجذب الانتباه في حالة الطفل المنبوذ الذي لا يعيره أحدٌ اهتمامًا.
أسبابٌ أخرى لعدوانية الأطفال
مشاهدة العنف والعدوانية في التلفاز أو الأفلام لها أثرٌ كبيرٌ في سلوك الطفل خاصةً أن بعض تلك الأفلام لا تحمل قيمةً أو معنى وإنما عنفٌ مستمرٌ من الدقيقة الأولى حتى الأخيرة، وقد صممت تلك الأشياء لجعلك تشعر بقوة البطل العنيف وقدرته وأن ترغب في محاكاته لذلك يستخدم الطفل العنف ظنًا منه أنه وسيلةٌ صحيحةٌ وبطوليةٌ للتعامل مع الأمور، كما أن الطفل في بداية حياته يلجأ إلى المحاكاة والتقليد فمشاهدته أحد من حوله يمارس العنف كثيرًا ويتعامل بعدوانيةٍ سواءً من أهله أو جيرانه أو أقربائه يجعله أكثر ميلًا للعنف والعدوانية، كما تميل بعض الثقافات إلى قصر القوة والعنف على الولد وإشعاره أنه لن يكون رجلًا إلا بالقوة فتصبح العدوانية وسيلته لتلك القوة المزعومة فنجد الأولاد أكثر عدوانيةً في بعض الأحيان من البنات، الغيرة سببٌ قويٌ من أسباب عدوانية الأطفال فعندما يجد الطفل والديه يختصان بالاهتمام أخاه الأصغر مثلًا و طفلًا يحوز على اهتمام معلمه أكثر منه أو طفلًا يملك لعبةً يريدها يتصاعد بداخله الغضب فيلجأ للعنف لتفريغه وإشعار نفسه بالرضا والقوة.
تطور عدوانية الأطفال لأشكالٍ أخرى
حين تتعمق وتتغلغل مشاعر العدوانية داخل الطفل فإنها تبدأ بالظهور في هيئةٍ جديدةٍ أكبر توسعًا وتنظيمًا وأقل تعرضًا للعقاب واللوم وتأنيب الضمير متمثلةً في عصابات الأطفال، من الطبيعي حب الطفل للانضمام لأقرانه وتكوين حلقةٍ اجتماعيةٍ واسعةٍ من الأطفال الذين يشاركونه اللعب أو هواياته المختلفة كذلك فإنها تنمي التواصل الاجتماعي وآدابه في الطفل من صغره وتساعده على الكلام والتفكير في كيفية التصرف في المواقف المختلفة، وطبيعي أن يتعرض الطفل في جماعات الأطفال إلى الغيرة الطبيعية من طفلٍ أبلى بلاءً حسنًا فتفوق عليه أو طفلٍ اعتدى عليه بالضرب و الكلام فرد عليه العدوان ببساطة، كل ذلك طبيعي وشائعٌ في مجتمع الأطفال الذي يراقبه الكبار مراقبةً واعيةً وصحية، لكن ذلك لا ينطبق على عصابات الأطفال العدوانيين.
عصابات الأطفال
تلجأ عدوانية الأطفال مع زيادة اجتماعيتهم ووعيهم وقدرتهم على الخروج من المنزل والتواصل مع الآخرين لاتخاذ مجرى آخر وتكوين جماعةٍ أو عصابةٍ خاصةٍ غالبًا ما يكون قائدها أكثر الأطفال عدوانيةً وقوةً في شخصيته ويحترم الآخرون قيادته عندما يرونه شجاعًا عنيفًا ولا يهاب إلحاق الأذى بالآخرين، كذلك فإن أفراد تلك المجموعة كلهم أطفالٌ ساقتهم ظروفهم مهما كانت مختلفة إلى هوة العنف والعدوانية، عندها تتشكل تلك العصابة الصغيرة من الأشقياء في الحي أو المدرسة ويصبحون رسل الحرب والدمار لكل من حولهم من كبارٍ أو صغار، فغالبًا ترى تلك العصابة تسوق الأطفال الضعفاء الآخرين وتعتدي عليهم ومضايقة الأطفال الذين لا يميلون للعنف، كذلك يبدؤون في مضايقة الكبار وإيذاء المارة والحيوانات وكل من يعرفونه ولا يعرفونه ويعتبرون كل أذًى يتسببون فيه نصرًا لهم، وتعمل تلك الجماعة على تنمية روح العدوانية فيهم وترسيخها كما أنهم يمارسون العنف كجماعةٍ لا كشخص واحدٍ مما يزيد من ثقتهم في أنفسهم ورفضهم اللوم والعقاب.
التعامل مع عدوانية الأطفال وعلاجها
حين نتعامل مع طفلٍ عدوانيٍ فمن الخطأ أن نواجه عدوانيته بالعنف والغضب والعقاب والعتاب أي نرد على العدوان بما يراه عدوانًا لأنه في تلك الحالة لن يرتدع وإنما سيزيد من عدوانيته ويتصاعد غضبه، يبدأ الحل من عند الأبوين نفسيهما حيث يجب عليهما الاهتمام بما يراه الطفل منهما فلا يجب أن يتشاجرا ويتبادلا الاتهامات العدوانية أمامه، كما يجب أن تتغير أي مظاهر عدوانية في تعاملهما وعقابهما سواءً معه أو مع أحدٍ من أسرته أي يجب توفير جوٍ منزليٍ خالٍ من الطاقة السلبية العدوانية.
الاتجاه للتفاهم مع الطفل والتعامل مع أخطائه بتسامح فغالبًا الطفل العدواني يحاول إرسال رسالةٍ ما عن طريق عدوانيته قد تعني “أنت تهتم بأخي الصغير أكثر مني” أو “أنت تُكثر من معاتبتي وإحراجي وتعنيفي أمام الآخرين” أو ” أنا لا أحظى بالاهتمام الكافي” كلها رسائل لا يعبر عنها الطفل صراحةً لكنه ينفس عن ضيقه منها بالعدوانية لذا على الأبوين إعادة البحث في تلك الأشياء وإيجاد مسبب ضيق الطفل وعلاجه، فإن اختفى مسبب العدوانية لن يعود الطفل بحاجةٍ إليها ثانيةً.
توفير بيئةٍ صحيةٍ للطفل ليعيش فيها وأن لا يُحمل الطفل فوق طاقته من المسؤوليات التي سيعاقب عند عجزه عن القيام بها، كذلك فالطفل محتاجٌ لينضج نفسيًا وبدنيًا بشكلٍ سليمٍ إلى أوقات لعبٍ وأوقات تواصل وطعامٍ جيد ووقتٍ للراحة والنوم المريح والتعامل مع غيره من الأطفال ممن يرتاح لهم.
الطفل العدواني قد يواجه المشاكل في كبره وقد تلازمه العدوانية في مراهقته وشبابه وحتى آخر عمره، كذلك فإن التعامل مع العدوانية عندما تترسخ في الطفل سيصبح صعبًا أكثر من وقايته من العدوانية من البداية أو عند بداية ظهورها، وعلى الطفل أن يتعلم منك قاعدةً أساسيةً تنص على أن العنف والعدوانية للضعفاء فقط.