الطفل العنيد ووجوده في الأسرة قد يكون واحدًا من الأمور التي تؤرق الكثير من الآباء والأمهات في الأسرة. فالعناد واحدٌ من أسوأ سلوكيات الطفل التي تدفع بوالديه إلى الجنون وأحيانًا تجبرهما على التعامل مع عناده بشكلٍ خاطئٍ لأنهما يفقدان صوابهما من عناد الطفل وأحيانًا مغالاته ومبالغته وتفننه وإبداعه في عرض وسائل عناده وقصده إثارة أعصابهما وهو مدركٌ تمام الإدراك أنه يدفعهما إلى الجنون بتصرفاته ولا يكف عنها، بل يستمتع الطفل العنيد بإثارة حنق الأبوين وجنونهما فيصرخان عليه فيبالغ ويزايد في عناده ويتحول الموقف إلى عملية تصعيدٍ مرعبةٍ بين الطرفين حتى يستسلم الأبوان أو يلجأ أحدهما لاستخدام السيطرة أو الضرب والعقاب لإنهاء الموقف لصالحه وردع الطفل وعناده، والذي لا يشكل سوى حلٍ مؤقتٍ يعود بعده الطفل أكثر غضبًا وعنادًا وحنقًا.
الطفل العنيد : نصائح سلوكية من أجل التعامل معه
العناد بين الطبيعي والذي يحتاج للمساعدة
في صغر الطفل خلال عاميه الأولين لا يكاد يظهر عنادًا بل يبدو أغلب الوقت مطيعًا لينًا مع أبويه، ثم مع تقدمه بالعمر يتوهج العناد ليظهر لنا الطفل العنيد الذي يقول كلمة “لا” أكثر من عدد أنفاسه ويستمر ذلك الطفل حتى سن المدرسة تقريبًا 6 سنوات، بعدها تهدأ وتيرة العناد لديه وتعود إلى حجمها ومكانها الطبيعي، عناد الطفل بعد سن السنتين ظاهرة صحيةٌ وطبيعيةٌ تدل على تقدم الطفل ونضجه النفسي والفكري وبالنسبة للطفل الطبيعي فهي ليست وسيلة إيذاء وإنما طريقةٌ لجذب الاهتمام والتعبير عن نفسه، حيث يبدأ الطفل بالرغبة في أشياء وكره أشياء ويرفض محاول تسلط الأبوين في إجباره على شيءٍ لا يريده أو يبدي رغبته الشديدة بشيءٍ باستخدام العناد، العناد بالنسبة له يعني “أنا موجود وعندي رأي فاستمعوا لي” وحسب تعامل الأبوين مع تلك الفترة وإعطاء الطفل الاهتمام أو تجاهل رغباته يتجاوز الطفل تلك المرحلة إما بشكلٍ طبيعيٍّ أو بعنادٍ أكبر من العادي.
أنواع العناد
تختلف أنواع العناد ومظاهر التعبير عنه من طفلٍ لآخر، وأحيانًا الطفل العنيد يتنوع في مظاهر إبرازه للعند وممارسته له، يظهر العند في أنواعٍ عدةٍ أبرزها وأشهرها قول “لا” لكل شيءٍ يُطلب منه القيام به ولكل شخصٍ يطلب منه شيئًا بدون أن يستمع إلى المطلوب أحيانًا فبمجرد أن يسمعك تناديه وتبدأ جملةً طلبية يسارع إلى الرفض، عنيدٌ آخر هو الطفل صاحب الحجج الذي يبدأ معك حوارات فلسفية طويلةً عن سبب رغبتك في أن يقوم بذلك الشيء وسبب رفضه القيام به وغالبًا تكون حججًا واهيةً غرضها التلكؤ والتباطؤ والتقاعس عن القيام بالطلب كأن تطلب أن يغسل أسنانه فيجيب أنه غسلها الأمس ولا يريد أن يغسلها اليوم، أو تطلب أن يغير ثيابه المتسخة فيجيب أن هذا هو لونها وليست بها بقع! يبدو طفلًا مرهِقًا فعلًا.
الطفل العنيد الغاضب
طفلٌ آخر يتلكأ عن كل طلبٍ تطلبه فيجيب بأنه سيفعل أو أحيانًا لا يجيب ولكن تمضي دقائق وساعاتٌ أحيانًا بغير أن يقوم بما طُلب منه، لا يُنفذ أي شيءٍ عندما تطلبه أبدًا، هناك كذلك الطفل العنيد المتذمر أيًا كان ما تطلبه منه فيكون غاضبًا وحانقًا بشدة عند تنفيذه ويبدأ في سرد قوائم لا منتهيةٍ من الاعتراضات على طلباتك كلها، وطفلٌ يفتعل أسباب الشجار والعناد والإصرار على رأيه ويشرع في البكاء والنشيج والصراخ كأن يصاب بنوبة بكاءٍ بسبب أن أحد أفراد الأسرة يتناول الطعام بملعقة يصر الطفل على اعتبارها ملكًا له.
أنواعٌ أخرى من العناد
يلجأ الطفل العنيد إلى العدوانية في بعض الأحيان كالمسارعة إلى ضرب أو شتم من يطلب منه أمرًا، أو يقصد إيذاء من توجه إليه بالطلب كأن تطلب الأم من ابنها شيئًا فيضرب أخته الصغيرة ردًا على طلبها ذلك، طفلٌ آخرٌ يلجأ إلى عكس الطلب كأن تطلب منه أن يغلق الباب فيفتحه، أو يأكل فيمتنع، أو يطفئ النور فيشعله كتحدي صريح منه على طلبك وسلطتك، أو يلجأ بعض الأطفال إلى الغضب الدائم والحنق وممارسة بعض السلوكيات المرفوضة والتي نبهه أبواه إلى عدم القيام بها ويرفض الانصياع لهما، كذلك فالطفل العنيد يرى نفسه صاحب الحق والرأي السليم ويرفض أي وسيلةٍ لإقناعه بأنه مخطئ والتفاهم معه على ذلك الخطأ.
أسباب عناد الأطفال
الطفل الذي يعيش في بيئةٍ عنيدةٍ ويرى الأكبر منه يتخذون العناد مسلكًا لهم يظن بالخطأ أن هذا هو سلوك الكبار وطريقة نضجهم بالتحول من شخصٍ مطيعٍ إلى شخصٍ عنيدٍ ذو رأيٍ صلبٍ لا يتزعزع كأن يرى إخوته الكبار يعاندون والديهم و الوالدان في حالة معاندةٍ لبعضهما ولا يحتفظان بخلافاتهما الخاصة بينهما، فيقوم الطفل بالتقليد ببساطةٍ لما يراه، الطفل العنيد يشعر بالتجاهل والإهمال وعدم تلبية احتياجاته النفسية والجسدية فيبدأ بإبداء الاعتراض ورفض وضعه وجذب الانتباه إليه بالعناد، كذلك شعوره بأن حقه مستباح وأنه لا يحصل على الاهتمام الكافي من والديه ويسعى إلى لفت الأنظار إليه وإثبات وجود، فالطفل الذي لا يحظى بالاهتمام و الثناء والتقدير عند انصياعه وتلبيته طلباتك سيجد الحل الأمثل هو أن ينقلب عليك ويعاندك لأنك عندها تبدأ بالاهتمام وقد تضيع الساعات وأنتما في مبارزاتٍ حاميةٍ بين محاولتك حل الأمر وعناده ويستمتع كثيرًا بلحظات لفت الأنظار تلك.
القيود
القيود من أسباب عناد الطفل البارزة سواءً كانت قيودًا نفسيةً أم مادية، كالأم التي يجن جنونها كلما اتسخت ثياب ابنها وتمنعه من اللعب أو تناول الطعام بنفسه حتى لا تتسخ ثيابه! أو الطفل الذي تصرخ عليه أمه كلما لمس شيئًا من ديكور البيت كالمفارش أو الكريستالات أو الطفل الذي يحاول أبواه السيطرة على كل تصرفاته وألا يفعل شيئًا إلا بأمرهم، كل هؤلاء الأطفال يشعرون مع الوقت أنهم محتجزون ومختنقون وساخطون ولا يجدون البيئة المناسبة للنمو والنضوج الطبيعي لمن في سنهم فيلجأ بهم الغضب إلى العناد ورفض كل الأوامر والقوانين تمردًا على ما يضايقه.
علاج الطفل العنيد
من أهم القواعد الموضوعة في علاج الطفل العنيد أنه لا يهاب العقاب ولا غضب الوالدين ولا يرتدع بهما بل يستمتع أحيانًا بإثارة جنونهما، كما أن التهديدات لا تجدي معه نفعًا، وحيث أن المسبب للعناد غير الطبيعي للطفل كان أسلوب المعاملة الخاطئ لذلك فمن عنده تبدأ بداية العلاج كالاهتمام بالطفل والامتنان له بشكلٍ معتدلٍ عند تنفيذه شيئًا طُلب منه فورًا فالثناء على الطفل يشعره بالسعادة وبرغبةٍ في تكرار ما جعل والديه فخورين به، كذلك فالطفل بحاجةٍ إلى أسلوب طلبٍ جيد لا أن تأمره وتتسلط عليه أو تطلب منه أمام الناس بنبرةٍ تضايقه وتحرجه أو تصرخ به فمع الوقت سيرفض كل طلباتك ويعترض عليها، كما أنك في الطلبات الخاصة به في أوقاتٍ مناسبةٍ تستطيع أخذ رأيه والتناقش معه بهدوء وإشعاره أن رأيه يهم وأنه ليس عبدًا ينفذ الأوامر حتى فيما يتعلق بنفسه.
التجاهل
في واقع كون الطفل العنيد تطور في عناده ووصل درجةً عاليةً فيه فمن الحلول المساعدة هو التجاهل والعقاب الحضاري، في التجاهل فعندما يبدأ الطفل في حالة العناد فهو يريد إطالة الموقف قدر الإمكان وإغضابك أكثر والحصول على انتباهك لأطول فترةٍ ممكنة عندها كل ما عليك هو تجاهله وعدم إعطائه ما يريد ومع الوقت سيبدأ بالشعور أن أسلوبه فشل وأنه لا يحصل على الاهتمام إلا في حالة كونه مطيعًا.
العقاب
العقاب كما المكافأة فالطفل المطيع تكافئه وبالعكس الطفل العنيد لكن العقاب لن يعني الغضب والضرب والإحراج وإنما شيءٌ مقابل شيء، ما يعني أنه لو تأخر في النوم فسيخلد مبكرًا للفراش اليوم التالي، لو شاهد التلفاز أكثر من اللازم فلن يشاهده في اليوم التالي، لو رفض طلبًا سيحرم من مصروفه، قد يبدي الطفل تمنعًا في البداية لكن مع الوقت ينصاع ويتأقلم ويتحسن سلوكه.
السلوك عند الطفل مكتسب وإن اكتُسب بشكلٍ خاطئٍ سيحتاج إلى الوقت لإصلاحه لكنه لا يعني أن الطفل سيظل كذلك بقية حياته، الطفل يحتاج إلى والدين متفاهمين مثقفين يبحثان ويقرأ كل منهما في كيفية التعامل معه وإسعاده وتقويم سلوكه وإعطائه الاهتمام بالشكل المناسب، فكن الأب الذي يحتاجه طفلك.