تهيئة الطفل للحياة الواقعية هي مسئولية كل أب وأم بلا شك. فالأطفال هم سر سعادة الأسرة فحين تنجبون طفلاً يستنفذ هذا منكم قدر لا بأس به من التفكير والاهتمام والوقت ومنذ لحظة معرفة الأم بأنها حامل يبدأ عقلها بالقلق في كيف ستكون أماً جيدة أو حتى الأب يفكر في ما هي خطوات أن يكون أباً جيداً في التربية وكيف يستطيعون أن يخرجوا للعالم طفلاً معافى نفسياً يكون قادراً مواجهة الحياة الواقعية دون المساس بشرنقة الطفولة والبراءة وهذا هو التحدي، بمعني أخر كيف نعرض علي الطفل الحياة الواقعية بكل صعوبتها المعلومة لدي الآباء البالغين بصورة بسيطة تجعل الطفل غير مصدوم علي مدار حياته في اكتشافه هذا الواقع البعيد تماماً عن صورته الطفولية البريئة. هناك نقاط كثيرة واجب تفهمها في تهيئة الطفل للحياة الواقعية ولا يجب تجاهلها أو الاستخفاف بها لأن الطفولة مرحلة تفوق توقعات الجميع في تحصيل الطفل للمعلومات وردود الأفعال والأفعال.
أسس تهيئة الطفل للحياة الواقعية
تدريج إيصال الأفكار للطفل
تذكروا جيداً في كل خطوة مما يأتي أنه مازال طفلاً لم يصبح بالغاً أي أن كل شئ بالتدريج فيجب عليكم تذكر دائماً أن الواقع والحياة الواقعية صعبة فأنت تريد أن تخرج طفلك من عالمه الخيالي الجميل حيث لا مشاكل ولا إزعاج ولا ذنب ولا كره إلي عالم قاسِ مليء بالتناقضات والتعب، فكونوا حذرين جداً لا تصدموا الطفل أبداً لأنه نفسيته ما زالت هشة رقيقة فتعاملوا علي هذا الأساس “التدريج” في تهيئة الطفل للحياة الواقعية .
المسؤولية
من أسس تهيئة الطفل للحياة الواقعية هي بدأ معرفتهم بمسؤليتهم تجاه الحياة ليتحولوا من أشخاص معتمدين علي الأهل إلي معتمدين علي أنفسهم بشكل كبير، وهذه عملية تتم بشكل طبيعي بعض الشئ نلاحظها مثلاً في الأكل فيشعر الطفل بأنه في حاجة إلي الاستقلالية عن الأم وإطعام نفسه حيث يري جميع من حولهم يأكلون لوحدهم فيقول لماذا أنا ويبدأ في محاولة مسك الملعقة وأكل الأرز بنفسه.
وعلي الأب والأم في هذا الوقت تشجيع أبنائهم ففي مثال الأكل لا يجب أن يعنفوه إذا أوقع الطعام (وتذكر أنه مازال طفلاً) ولا يستهزئوا بمحاولاته ومجهوداته، بل وإن الأفضل أن يوكلوا إليه بعض الأعمال الصغيرة التي تناسب سنه حتي يشعر بأن المسؤولية حتي وإن كانت شئ ثقيل ومتعب ولكنها جميلة وتشعره أنه ذو فائدة في الحياة وأنه من غيرها لن يكون ذو قيمة. فاجعلوا من المسؤولية شئ جميل في عيني الطفل حتي لا ينفرها.
ذكر أم أنثي
بين فترة الطفولة والبلوغ يمر الفرد بفترة المراهقة ومن أهم سماتها أنه يبدأ في التعرف بشكل واضح علي جنسه أهو ذكر أم أنثي حتي تأخذ الحياة مجراها في علاقاته الاجتماعية والنفسية والزوجية فيما بعد، ولكننا نتحدث عن فترة طفولته حيث يجب علي الطفل من الصغر تميز جنسه، ولا أقول أنه يجب على الأهل تعريف الطفل عن تفصيل معنى جنس وما هو الجنس الأخر، فقط يفهم المبدأ الأساسي. مثال علي ذلك أنه لا يجب أن ترضى الأم بقول ابنها الذكر “أنا محتاجة” أي بإضافة هاء التأنيث أو العكس بالنسبة للفتاة فيجب أن يدركوا صيغة الكلام المؤنث والمذكر وأني أختلف عن أخي الولد أو أختي البنت.
ولا يجب خلط الأطفال عند الاستحمام لمجرد راحة الأم، بل يجب أن يفهم كل طفل من أطفالك معني كلمة خصوصية من وقت مبكر هذا شيء يبني شخصية الطفل ويعزز معرفته لنوعه وجنسه وتميزه عن الجنس الأخر في وقت مبكر وتساعدك انت كوالد علي تهيئة الطفل للحياة الواقعية بصورة سهلة تحدث دون شرح بل عندما يسألك الطفل الولد لماذا لا استحم مع أختي فسيكون ردك ببساطة لأنك ولد وبهذا تكون قد ضربت عشرة عصافير بحجر واحد وأوصلت له المعلومة من خلال احتياجه هو للمعرفة فيترسخ في ذهنه كونه ولد.
الفشل
بين تضاد الحياة الواقعية والطفولية وفي طريق تهيئة الطفل للحياة الواقعية يأتي الفشل علي رأس قائمة الصدمات التي يتعرض لها طفلك في بداية حياته، حيث أن الفشل مفهوم صعب ومؤلم، وتعلم المثابرة هو مهارة يجب أن يتعلمها الطفل لحياة ناجحة. خوف الأم والأب علي طفلهم من الشعور بالفشل والجرح المصاحب له يجعلهم يغلقون عليه أبواب النجاح، نصحيتي اليوم لكم أشركوا أطفالكم في أكبر كم ممكن من الرياضة والفنون واسمحوا لهم بخوض تجربة التعلم لشئ جديد قد ينتج عنه عدم حبه للشئ وتركه أو ينتج عنه حبه الكامل له.
أما مبدأ المثابرة يجب أن يراه الطفل في أعينكم أولاً أي إيمانكم فيه في أنه قادر ثم يأتي إيمانه بنفسه، ومن هنا تنموا قدرته علي التفرقة في أن الفشل هو عدم المحاولة مرة أخري وليس في عدم النجاح، فكونوا أنتم خير مثال لأبنائكم في حياتكم وعملكم لأن الطفل في الأساس ينظر ويتعلم من الأهل. إذا سقط شجعوه وكافئوه علي المحاولة فخبرة اليوم هي نجاح الغد.
المال
كل أب يفكر دائماً بمستقبل ابنه، يسعى لتوفير ما يشتهيه طفله من أصغر شئ مثل اللعب إلي أكبر شئ مثل بيت مليء بالخيرات والأمان حتي لا يشعر الطفل بالنقص. في هذه الرحلة يتجاهل الأب فكرة مهمة وهي أن هذا الطفل يجب أن يقدر قيمة المال فعطاء الأب الغير محدود هو في حد ذاته مشكلة وتعد خطوة غير سليمة في تهيئة الطفل للحياة الواقعية.
عندما ينال الطفل كل ما يريده ويبغيه ويتم شراء ما يلزمه وما لا يلزمه لا يبدأ أبداً في إدراك قيمة المال لأن كل ما يريده سيتم تنفيذه، وتحاشوا أن تقع الفكرة كالصاعقة مرة واحدة علي الطفل حيث بسبب ظروف الحياة لا شئ مضمون فجهزوا نفسية الطفل بهدوء إلي أن المال يذهب ويجئ وأن ما تحتاجه حقاً يجب أن يكون أولوياتك، وأنك لا يجب أن تكون طفلاً كثير الغضب والبكاء إذا أبوك لم يستطيع شراء ما تريد في الوقت الحالي. أرى كثيراً من الآباء فقط ليسكتوا بكاء طفلهم يجلبون له ما يريد، وهل بهذا سيتعلم أهمية المال؟!
ابدأ بتعليم طفلك ادخار بعض المال من مصروفهم الشخصي حتي يجلب ما يريد في نهاية الأسبوع والذي يكلف أكثر من ثمن مصروف يوم واحد له بذلك يتعلم أنه اجتهد في الحفاظ علي المال حتي يجلب ما يريد.
وهناك مثال عملي علي هذه النقطة المهمة في تهيئة الطفل للحياة الواقعية ، بكل بساطة عندما يطلب منك الطفل لعبة ما وانت تمشي في الشارع، اهتم لأمر اللعبة وابرم معه اتفاق انه سيعطيه مبلغ معين كل يوم لمدة أسبوع يستطيع تحويشه في حصالته الخاصة وبعد يكتمل ثمن اللعبة سيأتيا مع بعضهما ويشتري الطفل لعبته بنقوده الخاصة وهنا الطفل سيتعلم أشياء كثيرة أهمها الصبر ثانياً فكرة الادخار وأهميتها ثالثا أن لكل شيء ثمن في هذا العالم.
المقابل
وياله من مفهوم من المفاهيم المهمة في تهيئة الطفل للحياة الواقعية حيث الحياة تعلمنا أن لا شئ يأتي من الفراغ وعدم العمل ،ولكل فعل مقابل وجزاء أو عقاب. يجب أن يدرك الطفل من مراحله الأولى أن لما تفعله من خير له مقابل وحتى وإن تأخر أو لم تراه بصورة مادية. مبدأ الثواب والعقاب هو خير مثال فقط تذكر لا تفرط في الجزاء ولا العقاب، شجع طفلك علي فعل الخير وأن يكون له مبادئ صحيحة مقتنع بها حتي عندما تصدمه الحياة بقسوتها يثبت علي موقفه. كافئ طفلك معنوياً ومادياً عند النجاح أو فعل الصواب حتي يدرك أهمية مبدأ المقابل “لكل شئ مقابل ولا شئ يأتي من اللا شئ” “اتعب تنجح، كن كسولاً فلا يأتيك ما ترغب”.
الأنانية
حين تري شخص أناني بطبعه قد تقول في نفسك أنه هذا الرجل طفل، فالأنانية ليست من سمات الرجولة، وأيضاً العطاء المفرط بلا حساب لا يعد من سمات العقلانية والرجولة في ذات الوقت فكيف يتم تهيئة الطفل للحياة الواقعية ليصبحوا غير أنانين ولا مفرطي العطاء في نفس الوقت؟ للإجابة علي هذا السؤال يجب أن أذكركم بأن الموضوع تدريجي أي أن كل تفصيلة هي الإجابة وصغير الأفعال هو الحل، حيث يتعلم الطفل أن لا يجمع ألعابه جانباً بعيداً عن أخوته وأصحابه يجب أن يتعلم أن يشارك ما بيده حتي وإن كانت مجرد لعبة فيسمح للآخرين بمشاركته ألعابه وأشياءه، وعندما يحين موعد الطعام يجب أن يُعامل بالمثل لا يفرق بينه وبين أخوته في نوعية الطعام أو كميته لمجرد أنه يريد وليس للجوع حقاً.
ويجب في ذات الوقت يتعلم معني قانون الامتلاك، ليس لأني أعطيك فأنت تتعدي حدودك وتأخذ بدون إذني، فهذه مثلاً شنطة أمي لا يجب أن أفتحها وأخذ منها مالاً دون إذن ليس فقط من دواعي الاحترام بل أيضاً بحكم قانون الامتلاك. فيصبح قادراً علي فهم حقوقه وواجباته، ما عليه وما له، المحافظة علي ما أملك (من أدوات مدرسية كمثال مبسط) حقي ولكن إن طلبت إذني لاستعمالها فسأعطيك وترجعها لي.
الحوار والنقاش العقلي جزء من تهيئة الأطفال للحياة الواقعية
في حياتنا اليومية يُطلب منا التعبير عن نفسنا وعقلنا في الحوارات، فمنذ الصغر يبدأ العقل في تكوين مفاهيمه الخاصة عن الحياة التي تنم عن الخبرة في فهم عقائد الحياة وتساؤلاتها فاطلب منكم اليوم أن تهتموا كثيراً بفكرتين في طريقك لتهيئة طفلك للحياة الواقعية:
الفكرة الأولى
لا تغفل أبداً عن تنمية عقل طفلك ولا تقول أنه مازال صغير ليدرك الحياة، لا يا عزيزي الطفولة هي المرحلة الأهم في تكوين العقل والإدراك الحسي والفلسفي للواقع، فاجب عن أسئلة طفلك بجدية وعدم سخرية مهما بدا لك السؤال تافهاً أو صغيراً.
الفكرة الثانية
شجع طفلك علي الحوار والنقاش البناء وبناء مفاهيم جديدة عن الحياة من خلال القراءة وحتي وإن كان في سن لا يعرف فيه القراءة جيداً فاقرأ له أنت وابدأ من القصص البسيطة التي تحمل معاني وعبر مفيدة وحين يتعلم القراءة اسمح له وشجعه بقراءة كل ما لا يعرف عنه في الأمور الطبيعية والفلسفية المتاحة واجب عن تساؤلاته إذا تستطيع أو ادخل معه في رحلة إلي عالم اكتشاف المجهول سوياً.
علموا أبناءكم الحوار ومناقشة الفكر بأسلوب حضاري من الصغر تفرحوا بشخصياتهم القوية والمؤثرة والفكر العاقل في الكبر.
الوفاق بين الأهل
لن تستطيعوا تهيئة الطفل للحياة الواقعية أو لأي شئ علي الإطلاق إن لم تكن أنت وزوجتك لكم كلمة واحدة وعلي وفاق، وكل ما ذكرنا سابقاً لن يكون ذو تأثير إن كان الطفل يسمع من هنا ما يسمع خلافه هناك. أيضاً نفذ ما تريد لابنك تنفيذه أنت أولاً كن قدوة لتجد ابنك رجلاً.
وخلاصة القول أنه تهيئة الطفل للحياة الواقعية الصعبة أمر معقد يحتاج دراسة وتفكير وملاحظة السلوك في التربية، لكن الطفل مادة خام سهلة التشكيل تعلم واقرأ لا تيأس فأنتم قادرون علي أن تكونوا أباً وأماً ناجحين فقط بعض الاجتهاد والقراءة مع قليل من الملاحظة والتدريب. طفلك أغلي ما لديك فابذل ما في وسعك لتجعله قادراً علي مواجهة أعباء الحياة الثقيلة.