}
أصل أهل الشام
اتَّفق المؤرخون على أن هناك أصولٌ مشتركةٌ لسكان العالم العربي الحالي، وأن هذه الأصول ترجع غالباً إلى منطقة الجزيرة العربية؛ حيث كان يعيش في هذه المنطقة منذ وقتٍ طويلٍ يعود للعصور القديمة شعوبٌ تنتمي إلى عرق “البحر المتوسط” أو كما يُعرف باسم العرق المتوسطي؛ وهو أحد العناصر الثلاثة الأساسية التي ينتمي لها الجنس القوقازي وقد عُرفت أيضاً هذه الأقوام؛ التي يعود أصلها إلى الجزيرة العربية والعرق القوقازي، باسم الساميون؛ الذين عُرفوا بهذا الاسم لكونهم يتحدثون اللهجة أو اللغة السامية.[١]
تتميَّز هذه الشعوب بمجموعةٍ من السمات والخصائص الجسمانية المشتركة والخاصة بهم؛ كلون البشرة المائل للون القمحي، والشعر المموج، والقامة المتوسطة، والبنية النحيفة، والرأس المستطيل، وقد عاش جزءٌ منهم في مناطق زراعيةٍ خصبة، أما الجزء الآخر فقد عاشوا في مناطق جافّةٍ وشحيحة؛ الأمر الذي اضطرهم للهجرة من الجزيرة العربية إلى مناطق زراعيةٍ مجاورة أكثر خصوبةً بحثاً عن الماء والغذاء وسُبل العيش.[١]
يُعدُّ الكنعانيون أحد أوائل الشعوب السامية التي يُجمع المؤرخين على وجودهم في منطقة الشام؛ فهم أول شعبٍ من الشعوب المعروفة تاريخياً ممن جاءوا من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وسكنوا فيها، كما أنهم أول من أقام وبنى حضارةً على أرض فلسطين؛ التي أخذت تسمية أرض كنعان نسبة لهم،[٢][٣] وعلى الرغم من ذلك فقد اختلف المؤرخون حول تقديرات البداية الزمنية لهجرة الكنعانيين لبلاد الشام، خاصةً وأن هجرتهم كانت على فتراتٍ تاريخيةٍ متنوعة؛ لذلك انقسم المؤرخون والدارسون للتاريخ بخصوص الفترات التاريخية التي تغطي هجرة الكنعانيين إلى ثلاث مجموعات:[٢]
‘);
}
- تشير المجموعة الأولى من المؤرخين إلى أن هجرة هذه الشعوب من منطقة الجزيرة العربية، والتي تُعرف باسم الهجرة “الأمورية الكنعانية” كانت قد حدثت في نصف الألف الثالث قبل الميلاد.
- يعتقد مؤرخي المجموعة الثانية بالاستناد إلى مُكتشفات الآثار المصرية القديمة بأن هذه الهجرة كانت قبل بداية الألف الثالث كونهم كانوا مستقرِّين بالبلاد في بداية الألف الثالث.
- تشير المجموعة الثالثة من المؤرخين إلى وجود الكنعانيين منذ أكثر من سبعة آلاف سنة، وقد وصلوا لهذه النتيجة في ضوء تتبُّع الآثار في مدنهم القديمة مثل مدينة أريحا؛ التي تعتبر أقدم مدينةٍ في العالم.
نبذة عن الكنعانيين
يمكن تعريف الكنعانيون على أنهم مجموعةٌ ثقافيةٌ ناطقةٌ باللغة السامية عاشت في بلاد الشام أو كما كانت تُعرف باسم كنعان؛ التي تضم فلسطين، ولبنان، وجنوب سوريا، وشرق الأردن ابتداءً من الألفية الثانية قبل الميلاد؛ حيث أنهم بدأوا بممارسة نفوذهم منذ ذلك الوقت في منطقة البحر الأبيض المتوسط،[٤] وتحديداً في بلاد الشام، فكما ذكر الطبري بأن الكنعانيين قد انتشروا في بلاد الشام وملكوها وقال: “أول مُلكٍ كان للعرب في الشام فيما علمناه للعمالقة”.[٣]
عُرف الكنعانيون باسم عمالقة أو عماليق الشام علماً بأن المقصود بالعمالقة أو “العماليق” هم بالغالب أكثر من شعب أو أنهم شعبٌ واحد لكن تفرَّقوا في عدّة مناطق أو دويلات؛ ويعود سبب تسميتهم بهذا الاسم نسبةً إلى جدِّ العماليق عمليق بن لاوذ بن سام؛ الذي هاجر بعض أولاده إلى الشام ومصر ومكّة،[٥] ويشكِّك المؤرخون والباحثون في أن الكنعانيين كانوا متحدين سياسياً في مملكةٍ واحدة؛ حيث تشير الحفريات الأثرية إلى أنهم كانوا موجودين في عدّة مُدن، وينتمون لمجموعاتٍ عرقية مختلفة.[٦]
يرجع سبب تفرُّق وانتشار الكنعانيين في عدّة دويلاتٍ ومدنٍ محصَّنة وعدم تمكُّنهم من إنشاء دولةٍ سياسيةٍ موحَّدة وكبيرة لمجموعةٍ من الأسباب والظروف؛ أهمّها: وجود الكنعانيين بين حضارتين عظيمتين وهما الحضارة المصرية وحضارة بلاد ما بين النهرين؛ بالإضافة لقربهم من الدولة الحيثية القوية، وقد كان يحكم كل مدينةٍ من مُدن الكنعانيين مَلِكٌ يستقلُّ بمدينته عن بقية المدن، وقد تفاوتت تلك المدن في قوتها ومنعتها، ومن هذه المدن: طرابلس، وجبيل، وبيروت، وصيدا.[٧]
تسمية الكنعانيين
يُرجِّح المؤرخون أن كلمة كنعان ترجع لأصلٍ سامي؛ وقد انقسم الدارسون في تفسير أسباب تسميتهم بهذا الاسم إلى أربعة أقسام:[٨]
- اعتبر القسم الأول من الباحثين أن تسمية الكنعانيين بهذا الاسم جاءت نسبةً لجدِّهم الأول كنعان؛ كما كان متعارفٌ عليه عند القبائل العربية سابقاً بأن تُنسب أسماء القبائل لآبائهم.
- يرى القسم الثاني أن اسم بلاد كنعان يرجع إلى الأرض السهلة على ساحل الخليج العربي.
- يعتقد القسم الثالث من الباحثين أن كلمة كنعان مشتقةٌ من أصل سامي هو (خنخ – قنع- كنع)، وهي صفة الأرض المنخفضة، التي تعود للأصل العربي للكلمة.
- يعتقد القسم الأخير أن كلمة كنعان مشتقةٌ من اللغة الحورية وهي كناجي؛ التي تعني اللون الأرجواني، وكان اليونانيين قد أطلقوا اسم فينيكس أي أحمر أرجواني على الفينيقيين، وبهذا أصبحت كلمة فينيقي مرادفة لكنعان بعد عام 1200 ق.م.
لغة الكنعانيين
توصف لغة الكنعانيين بأنها شكلٌ قديمٌ من أشكال اللغة العبرية، ويُعدُّ الكنعانيون أول من استخدموا الأحرف الأبجدية؛ ففي أواخر العصر البرونزي تمكَّن علماء الآثار من العثور على نصوصٍ مكتوبةٍ بالأبجدية اليونانية واللاتينية، كما وجدوا أيضاً أن الكتابة المسمارية الغربية قد استُخدمت في مملكة أوغاريت، وإلى جانب ذلك أيضاً تم استخدام الكتابة المسمارية التقليدية لبلاد الرافدين بشكلٍ منتظم.[٩]
أمور اشتهر بها الكنعانيون
تميَّزت الحضارة الكنعانية عن غيرها من الحضارات السامية بعنايتها الخاصّة واللافتة بالأدب والفنون؛ حيث اقتبس الكنعانيون عناصر موسيقاهم وفنونهم من شعوب مختلفةٍ سكنت واستوطنت الشرق الأدنى القديم؛ وذلك لأن طقوس العبادة لديهم كانت تتطلَّب استخدام الغناء، وهكذا انتشرت ألحان الكنعانيين وأدوات موسيقاهم في جميع مناطق المتوسط، كما اشتهر الكنعانيون بإجادتهم لمجموعةٍ واسعةٍ من الحِرف والمهن، ومن أبرزها: الزراعة، والصناعة، والتعدين، وصناعة الخزف، والزجاج، والنسيج، والثياب، إضافةً إلى تميُّزهم بشكلٍ لافتٍ في فنِّ العمارة.[١٠]
المراجع
- ^أبحسن علي خاطر (2001)، المجتمع العربي المعاصر: المقومات والأنماط والثقافة : دراسة تحليلية نقدية (الطبعة الأولى)، عمّان، الأردن: دار الشروق، صفحة 21. بتصرّف.
- ^أب“الكنعانيون”، www.dci.plo.ps، 25-02-2013، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2020. بتصرّف.
- ^أبد.سيد حسين العفّاني (2001)، تذكير النفس بحديث القدس واقدساه (الطبعة الأولى)، جمهورية مصر العربية: مكتبة معاذ بن جبل، صفحة 49، جزء الأول. بتصرّف.
- ↑“What Happened to the Canaanites?”, www.biblicalarchaeology.org, Retrieved 15-07-2020. Edited.
- ↑مجتبى علي إبراهيم محمد (2009)، التنظيمات السياسية في بلاد العرب قبل الإسلام ، السودان: جامعة الخرطوم، صفحة 20. بتصرّف.
- ↑Owen Jarus (08-09-2016), “Who Were the Canaanites?”، www.livescience.com, Retrieved 16-07-2020. Edited.
- ↑“الكتعانيون (الفنيقيون)”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 16-07-2020. بتصرّف.
- ↑د.عمادمحمد غرلي (2018)، الفنون الحربية في الشرق الأدنى القديم: منذ الألف الثالث ق. م. إلى الألف الأول قبل الميلاد (الطبعة الأولى)، بيروت، لبنان: دار النهضة العربية، صفحة 44. بتصرّف.
- ↑“Canaan”, www.britannica.com, Retrieved 17-07-2020. Edited.
- ↑“الكنعانيون”، www.moc.ps، اطّلع عليه بتاريخ 17-07-2020. بتصرّف.