}
عُطارد
يُعدّ كوكب عُطارد أصغر كوكب من الكواكب الثّمانية الموجودة في المجموعة الشمسيّة، حيث إنّ قطره يبلغ حوالي 4880 كيلومتر فحسب، كما أنَّه يُعدّ أقرب الكواكب إلى الشّمس، إذ يُكمل دورته حولها في 87.969 يوماً فقط، وحرارةُ سطحه مُرتفعةٌ جدّاً. لا يمكن للإنسان مشاهدة كوكب عطارد بوُضوحٍ إلا في حالة حصول كسوف للشّمس؛ وذلك لأنَّه صغير وباهتٌ جدّاً، ويكونُ دائماً على مسافةٍ قريبةٍ جدّاً من الشّمس في السّماء، وبالتّالي يختفِي وسط ضوئها السَّاطع، إلا أنّه يُمكن مشاهدته بصعُوبة خلال فترتَي الفجر وغروب الشّمس (تحديداً فترة الشَّفَق)، وذلك في أوقاتٍ مُعيّنة من السّنة عندما يأخذه مداره بعيداً قليلاً عن الشّمس.
يُعتبر كوكبُ عُطارد فريداً في نواحٍ مُختلفة؛ فهو واحدٌ من كوكبين وحيدَيْن ليست لهُما أقمار (والثّاني هو الزُّهرة)، وهو يفتقرُ إلى الهواء تقريباً؛ إذ لا يُغطّيه سوى غلافٌ جويّ رقيق جدّاً، وليس على سطحه أيّ نشاطٍ جُيولوجيّ، إذ إنّ العامل الأساسيّ في تشكيل سطحه هو تساقطُ النّيازك عليه.[١]
‘);
}
الخصائصُ الفيزيائيّة للكوكب عُطارد
بالرّغم من كون كوكب عُطارد من أصغر كواكب المجموعة الشَمسيّة إلا أنّ له نواةٌ حديديّةٌ تُولِّد مجالاً مغناطيسيّاً من حوله، وهذا المجال ضعيفٌ جداً على صعيدٍ نسبيّ؛ فُقوّته لا تتعدّى 1% من قوى مجال الأرض المغناطيسيّ، وعلى الأرجح أنَّ هذا المجال ناتجٌ عن حركة جُسيماتٍ مُشحونةٍ كهربائيّاً في النّواة الخارجيّة لعُطارد والمُؤلّفة من عُنصرَي الحديد والكبريت.[٢]
ونواة عُطارد تسبَّبت في جعله الكوكب الثّاني الأكثرَ كثافةً في المجموعة الشمسيّة، إذ يأتي بعد الأرض مُباشرة. وتشغلُ النّواة المعدنيَّة التي في قلبِ عُطارد 61% من حجمه، وهذا يجعلُها ضخمةً جداً، ففي المُقابل، لا تَشغل نواةُ الأرض سوى 16% من حجمها. يفتقرُ عُطارد للعديد من أشكال النّشاط الجيولوجيّ، مثل تدفّقات الحِمَم (التي تُوجد حتّى على القمر)، لكن طبيعته تُوحي بأنَّ حجمه تقلَّص – لسببٍ ما – في وقتٍ ما بالماضي.[١]
سطح كوكب عُطارد مُغطّى بآلاف الفوّهات التي خلَّفتها تصادُمات مُذنّباتٍ ونيازكَ وكويكباتٍ من الفضاء الخارجيّ على سطحه، والسّبب في كثرتها هو عدم وجود غلافٍ جويّ سميك يحمي عُطارد من اصطدامات الأجسام الفضائيّة (على عكس الأرض)، والأهم من ذلك افتقاره للعوامل الجيولوجيّة القادرةِ على محوِ آثار هذه التّصادمات. يُعتبر سطح عطارد ساخناً جدّاً بسبب قُربه الشّديد من الشّمس، إلا أنَّ ثمّة عليه – في المُقابل – بِقاعاً لا تكادُ تصلها أشعّة الشّمس بسبب وُجودها في أعماق فُوَّهات خلَّفتها اصطدامات كويكباتٍ عملاقة، ولهذا السَّبب تتراوحُ درجة الحرارة على عطارد من 430 إلى -180 درجة مئويّة، ولذا تُعتبر من أكثر درجات الحرارة شُذوذاً في كواكب المجموعة الشمسيّة.[١]
معرفة القدماء بكوكب عُطارد
رُغم الصّعوبة الشّديدة التي تكتنفُ مُشاهدة كوكب عطارد، إلا أنَّ الشّعوب القديمة عرفت بوُجوده ولاحظت حركته في السّماء مُنذ ما لا يقلّ عن خمسة آلاف عامٍ، عندما رصده عُلماء الفلك السامريّون في العراق.[١] وقد راقبه الفلكي الإيطالي غاليليو غاليلي بعد أن اخترع التلسكوب في عام 1631، وفي نفس العام، رُصد عُطارد لأول مرّة وهو يعبُرُ أمام قرص الشّمس، وهي ظاهرةٌ نادرةٌ تتكرَّرُ مرّة كلّ عشرات السّنين.[٣]
لقُرون طويلة اعتقد الفلكيّون أنّ عُطارد كان يدورُ حول الشّمس في نفس المُدّة التي يدور فيها حول محوره، وبالتّالي كان يُعطِي نفس الجانب من سطحه بالضَّبطُ للشّمس على الدوام (وهي ظاهرةٌ معروفة فلكيّاً تحدثُ أيضاً مع قمر الأرض الذي يُظهر دائماً نفسَ الجانب)، ولم يكُن من المُمكن التأكُّد من هذه الظّاهرة بسبب الصُّعوبة الشّديدة لقياس فترة دوران عُطارد بدقّة، فهو قريب جدّاً من الشّمس، ويكونُ دائماً غارقاً في ضوئها عند مُشاهدته من الأرض. وأثبت خطأ هذا الاعتقاد أخيراً في عام 1965، عندما تمكَّن علماء الفلك من قياس فترة دوران عُطارد حول محوره وتحديدها بحوالي 59 يوماً أرضيّاً، وهو أقلّ من فترة دورانه حول الشّمس التي تستغرقُ 88 يوماً.[٤]
كانت أوّل مركبةٍ فلكيّة أُرسلت لاستكشاف كوكب عُطارد عن قرب هي مارينر 10 التي أرسلتها وكالة ناسا في سنة 1974، ونجحت هذه المركبة بتصوير 45% من مساحة سطح عُطارد. وفي عام 1991 اكتشف الفلكيّون وُجود كتل جليديّة في قيعان فوّهات عميقةٍ جدّاً على سطح عطارد، حيث تكون الحرارةُ مُنخفضةً جداً تصلُ إلى مائتي درجة تحت الصّفر. ومُنذ عام 2008 بدأت مركبة ماسنجر الحديثة استكشافها للكوكب، واستكملت تصوير سطحه ودراسته عن قُرْب.[٣]
سبب تسمية عُطارد
سمّى قُدماء العرب كوكب عُطارد بهذا الاسم لسُرعة تحرُّكه وجريانه المُتَتابع، حيث إنّه يتحرّك ويدور بسرعةٍ حول الشّمس لقُربه الشّديد منها (من ناحية فيزيائيّة كُلَّما اقترب الكوكب من الشّمس تزدادُ سرعة دورانه حولها). وكلمة عُطارد مُشتقّة من كلمة عَطْرَدَ أو طَارَدَ، أي المُتتابع في سيره.[٥] وأما اسمُ كوكب عطارد في اللّغة اللاتينيّة فهو ميركوري (باللاتينية: Mercury)، وهو – بحسب الأساطير الرومانيّة القديمة – رسولُ الآلهة، فقد كانت لدى ميركوري في الحكايات القديمة أجنحةٌ كبيرةٌ تسمحُ له بالطّيران بسُرعةٍ فائقةٍ من مكانٍ لآخر، وأتى الاسم بالتّالي تيمُّناً من سُرعة دوران عُطارد حول الشّمس، تماماً مثل اسمه العربيّ.[٦] وفي اليُونان القديمة كان عُطارد يُسمّى باسمين؛ فعندما يظهرُ في الصّباح (قبل شروق الشّمس) كان يُطلق عليه أبولو تيمُّناً بإله الشّمس، وأمّا عندما يظهرُ في المساء (بعد غروب الشّمس) فكان يُطلَق عليه هيرمس، وهو رسولُ الآلهة، مثلُهُ مثل ميركوري في الأساطير الرومانيّة.[١]
المراجع
- ^أبتثجClark R. Chapman, “Mercury | Planet”، Britannica, Retrieved 14-11-2016.
- ↑Clark R. Chapman, Mercury – The Atmosphere”، Britannica, Retrieved 14-11-2016.
- ^أب“Mercury: In Depth”, NASA, Retrieved 14-11-2016.
- ↑“Discover Mercury”, National Earth Science Teachers Association (NESTA), Retrieved 14-11-2016.
- ↑كتاب لسان العرب لابن منظور. مصطلح “عَطرَدَ”، مجلد حرف الدال.
- ↑“What Is the Planet Mercury?”, NASA, Retrieved 14-11-2016.