الشفق القطبي: أسطورة الأضواء المتراقصة

الشفق القطبي، أورورا (Aurora)، الأضواء القطبية، الفجر القطبي، أوروا بورياليس (Aurora Borealis)، أوروا اوستريليس (Aurora Australis). تعددت المسميات وجميعها تشير إلى خليط الألوان الآسرة، والأضواء البرّاقة، التي تتمازج مع بعضها بتشكيلات مختلفة لترسم منظراً فائق الروعة والجمال يزين الليالي الصافية للقطبين الشمالي والجنوبي.

أساطير الشفق القطبي:

تقول الأسطورة الرومانية أن “أورورا” وهي آلهة الفجر وأخت القمر، تقطع السماء في عربتها قُبيِّل الفجر مُعلنة عن قدوم عربة (أبولو – Apollo) إله الموسيقى والنور والفطنة، حاملةً شمس اليوم الجديد.

بينما الأسطورة الفنلندية الشعبية كانت ترى أنّ هذه الأضواء هي بسبب ثعلب قطبي كان يركض في الهضاب والجبال، فعلق ذيله الكثيف في زوابع الثلج، فنثر في السماء ذيلاً من شرر. ولهذا تسمى الأضواء الشمالية في فنلندا “ريفونتيوليت” أي نيران الثعلب.

أما سكان الإسكيمو والسكان الأصليين في القطب الشمالي، فكانوا يعتقدون أنها أرواح الأطفال الذين ماتوا خلال الولادة، وفي آلاسكا كانوا يعتبرونها أرواح الحيوانات التي تم اصطيادها، في حين اعتقد السكان الأصليون في أمريكا أنها مصابيح خاصة بالشياطين التي تبحث عن الأرواح الضائعة، وفي آيسلاندا وجرينلاند اعتبروها البوابة التي ينتقل منها الآلهة من الجنة إلى الأرض، بينما في النرويج يُنُظَر إليها برعب خوفًا من أن تسحب كل من ينظر إليها إلى مكان غير معلوم.

تاريخ الشفق القطبي:

منذ آلاف السنين، كانت الأضواء مصدر التخمين والخرافات والرعب، وقد شوهدت رسوم توضيحية لهذه الظاهرة الطبيعية على جدران الكهوف تعود إلى عصور ما قبل الميلاد.

في عام 1619م، كان أول من صاغ مصطلح الشفق القطبي (أورورا) أو آلهة الصباح عند الرومان هو العالم الفلكي غاليليو غاليلي (Galileo Galilei)، لكنه قام بتفسير سبب ظهوره بطريقة غير صحيحة، مفادها أن الشفق الذي رآه كان بسبب ضوء الشمس الذي ينعكس من الغلاف الجوي.

وفي عام 1790م قام العالِم (هنري كافنديش – Henry Cavendish) باستخدام طريقة (التثليث – Triangulation) وهي (عملية إيجاد الإحداثيات، والمسافة إلى نقطة، بحساب طول ضلع مثلث عن طريق القياسات المأخوذة لزوايا وأضلاع المثلث المُشَكل من تلك النقطة ونقطتين مرجعيتين باستخدام قانون الجيب)، لاستنتاج أن ضوء الشفق يظهر على ارتفاع 60 ميل فوق سطح الأرض.

ثم جاء العاِلم النرويجي (كريستيان بيركلاند – Kristian Birkeland)، وأنشأ تجربته الشهيرة (الأرض الصغيرة -Terrella)، استنتج من خلالها أن ضوء الشفق مصدره تدفق تيارات كهربائية خلال الغازات المكونة للطبقات العليا من الجو، وهو السبب الذي تعتمد عليه مصابيح النيون في وقتنا الحاضر.

كيف تحدث ظاهرة الشفق القطبي؟

تعد الشمس السبب الرئيسي في حدوث ظاهرة الشفق القطبي، فسطح الشمس ليس هادئاً كما يبدو من كوكب الأرض، بل يشهد الكثير من التفاعلات الكيميائية والانفجارات، تتسبب هذه الانفجارات بتكوين “الرياح الشمسية”، وهي مجالات مغناطیسیة محملة بالطاقة الھائلة ذات الأیونات العالیة الشحنة.

هذه الرياح ضارة جداً لجميع الكائنات الحيّة، وعندما تصل إلى الأرض، يتولى المجال المغناطيسي الأرضي مسؤولية حجب هذه الرياح، غير أنّ ضعف هذا المجال في منطقة القطبين الشمالي والجنوبي يسمح لبعض جزيئات الرياح الشمسية بأن تخترقه وتبدأ بالتصادم مع الجزيئات الغازية الموجودة بطبقة الغلاف الجوي للأرض محدثة إصداراً ضوئياً يُعرف بظاهرة الشفق القطبي.

الجدير بالذكر أنّ هذه الظاهرة لا تحدث فقط على كوكب الأرض، بل تمتد لتشمل كوكب زحل والمشتري، وقد تصل أيضاً إلى اورانوس وبلوتو.

ما هي ألوان الشفق القطبي؟

تتنوع الألوان المذهلة التي يظهر بها الشفق القطبي، فمنها:

  • الأخضر: وهو الأكثر شيوعاً، ينتج من اصطدام الجسيمات المشحونة بجزيئات الأوكسجين الموجودة في الغلاف الجوي للأرض على بعد 60 ميلاً.
  • الأزرق: ينتج من اصطدام الجسيمات المشحونة بجزيئات النتروجين على ارتفاع أعلى من 60 ميل.
  • الأحمر: نادراً ما يظهر وينتج من اصطدام الجسيمات المشحونة بجزيئات الأوكسجين على ارتفاعات عالية جداً فوق سطح الأرض (200 ميلاً).
  • الأصفر والأرجواني يحدثان من تداخل الألوان.

ما هي أشكال الشفق القطبي؟

تتخذ ظاهرة الشفق القطبي عدداً متبايناً من الأشكال البصرية الخلابة، فقد يظهر الشفق القطبي على هيئة أقواس ضيقة وطويلة من الضوء، تمتد من الشرق إلى الغرب لعدة آلاف من الكيلومترات، وفي أحيانٍ أخرى تمتد عبر السماء ليلًا على هيئة أشكال متشابكة أو دوامات وأمواج صغيرة مثل الستائر المُضيئة، وتنتشر أيضًا في شكل أشعة متعددة الألوان، تُشبه أعمدة طولية من النور تمتد إلى الفضاء، لتعطي غطاء من النور الخلاّب يخفي السماء ورائه.

كما يمكن أن يظهر العديد من أشكال الشفق في الليلة الواحدة، وتختلف في امتدادها وألوانها وسطوعها ونشاطها.

ما هي أفضل الأوقات لمشاهدة الشفق القطبي؟

إنّ أفضل الأوقات لرؤية الشفق القطبي عادة تكون خلال فصل الشتاء حيث تنخفض مستويات تلوث الضوء، والهواء يكون صافي ومنعش، بالإضافة إلى أنه في فترة الشتاء يكون النهار قصيراً والليل طويلاً، وبالتالي تطول فترة الظلام وتزداد فرص تشكل الشفق.

تبدأ مشاهدة هذه الأضواء القطبية منذ غروب الشمس وحتى بزوغ الفجر، وليس بالإمكان رؤية هذه الظاهرة في النهار لأنّ ضوء الشمس يكون أكثر سطوعاً.

ما هي أماكن مشاهدة الشفق القطبي؟

صحيح أن الشفق يظهر فقط في القطبين الشمالي والجنوبي، إلا أنّه بالإمكان مشاهدته من عدة بلدان قريبة إلى هذين القطبين.

وهنا أفضل الأماكن لمشاهدة الشفق القطبي:

  • شمال كندا: تقع كندا في شمال قارة أمريكا الشمالية، وتُعدّ ثاني أكبر دولة في العالم من حيث المساحة بعد روسيا، وأكبر دولة في الأمريكيتيّن، أجزاء كثيرة من شمالها تشهد ظاهرة الشفق القطبي باستمرار، مثل مقاطعة ألبرتا ويوكون، وتعتبر مقصداً لأولئك الذين يعشقون المغامرة والترلج.
  • آلاسكا – الولايات المتحدة الأمريكية: تقع ولاية آلاسكا شمال غرب الولايات المتحدة، وتحدها كندا من الشرق، تتميز بطبيعتها الخلابة ومساحاتها الكبيرة، وتعتبر جميع مدنها تقريبًا مكانًا رائعًا لاكتشاف الشفق القطبي، تحتوي على الكثير من الفنادق والمنتجعات الفخمة، وتضم العديد من الينابيع الحارّة التي يزورها السّياح من كل أرجاء العالم.
  • آيسلندا: تقع آيسلندا في قارة أوروبا، شمال المحيط الأطلسي، تشهد عاصمتها ريكيافيك ظهور للشفق القطبي في سمائها، تعتبر وجهة للسياحة الشتوية، حيث تكثر فيها الينابيع الحارّة لذلك لقبت بأرض النار والجليد.
  • غرين لاند (green land): تعتبر غرينلاند أكبر جزيرة في العالم من حيث المساحة، تنتمي لمملكة الدنمارك وعاصمتها نوك، تقع بين منطقة القطب الشمالي والمحيط الأطلسي، شمال شرق كندا، وتتميز بكون ظاهرة الشفق القطبي تستمر لفترات طويلة على مدار السنة، ولكن يستحسن الذهاب للغابات البعيدة عن المدن والأضواء الإصطناعية، لرؤية أفضل والإستمتاع بشكل كبير بالألوان الرائعة.
  • النرويج: تقع النرويج شمالي أوروبا، في الجزء الغربي من شبه الجزيرة الإسكندنافية. احتلت مكانة عالية جدًا في قائمة وجهات “الأضواء القطبية”، حيث اعتبرت مدينة ترومسو في الشمال من أهم المدن التي يزورها آلاف السياح للاستمتاع بأضواء الشفق القطبي، والذي يستمر من شهر سبتمبر إلى شهر أبريل، وفي آخر أسبوع من شهر يناير يقام سنوياً مهرجان الشفق القطبي الذي يتميز بتقديم العديد من عروض الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الجاز، كما تتواجد أكشاك الطعام لتقديم ما لذ وطاب من المأكولات المحلية الطيبة للسياح.
  • اسكتلندا: تقع اسكتلندا في الجزء الشمالي من المملكة المتحدة (بريطانيا)، حيث تلقب ظاهرة الشفق القطبي هناك بـ “الراقصين السعداء”، وتُرى أضواء الشفق في جميع أنحاء المملكة إلا أنها تبدو أكثر وضوحاً في جزيرة سكاي نظراً لطبيعتها الهادئة والصافية.
  • فنلندا: يقع إقليم لابلاند شمال فنلندا، وتعتبر من أفضل المناطق في القطب الشمالي لرؤية الشفق القطبي، حيث تظهر الألوان المتراقصة على مدار 200 يوم تقريباً في السنة، وذلك لموقعه الجغرافي القريب من شمال الكرة الأرضية، وتتميز المنطقة بتواجد العديد من الفنادق والمنتجعات التي توفر أكواخ جليدية وأكواخ زجاجية للتمتع بالمناظر الخلابة والثلوج والغابات.
  • روسيا: يقع جزء كبير من روسيا داخل الدائرة القطبية الشمالية، مما يجعل هذه القارة الضخمة منجمًا لاكتشاف الشفق، حيث تعد شبه جزيرة كولا موقعًا متميزًا.

فالشفق القطبي بكل بساطة يظهر من تصادم الرياح الشمسية بالغلاف الجوي للأرض في منطقة القطبين، ويوجد العديد من المناطق الموجودة على سطح الأرض التي تمكننا من مشاهدة هذه الظاهرة الاستثنائية، التي ظلت مجهولة التفسير لعقود كثير.

المصادر

  • الشفق القطبي (فديو)
  • الشفق القطبي – ويكيبيديا العربية
  • THE BEST PLACES TO SEE THE NORTHERN LIGHTS
  • أفضل الأماكن لمشاهدة الشفق القطبي
  • ظاهرة الشفق القطبي
Source: Annajah.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *